رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


إمكاناتنا في تمويل عجز الإيرادات الحكومية ... لا ضَرر ولا ضِرار!!

قد نحتاج أحيانا إلى ما يُسمى بالعصف الذهني الذي يقوم على حرية التفكير ويُستخدم من أجل توليد أكبر كم من الأفكار لمعالجة موضوع من الموضوعات المفتوحة من المهتمين أو المعنيين به ويكون التفكير بطريقة منطقية فيها شحذ للهمم وقدح لزناد الفكر كي تتم الاستجابة والإجابة بشكل مقبول وفي أُطرها الصحيحة. كل دولة عليها أن تعصف بأذهان واضعي الاستراتيجيات والخطط التنموية من أجل الحصول على أكبر قدر من مصادر التمويل المُتاحة والمُمكنة التي لا تُرهق كاهل دافع الضرائب، وعلى هذا فلا بد من وضع تصورات كافية لكل أشكال التمويل اللازمة آخذين في الاعتبار مقدار التمويل وأيضاً العدالة في توزيع العبء الضريبي. ومن هذه المُنطلقات سيعصف بذهن راسمي السياسة التمويلية بعيدة المدى العديد من الأسئلة التي منها: هل باستطاعتنا تمويل العجز في ميزان المدفوعات إذا كانت الظروف الاقتصادية للمملكة تعتمد على مصدر وحيد للدخل، والدخول من المصادر الأخرى ليس لها وزن يُذكر في تغطية ولو جزء بسيط من حجم الإنفاق الكلي على المشاريع التنموية؟ لا...بل الأهم ما سبل الحفاظ على ديمومة الإنفاق من هذه المصادر حتى تبقى عجلة التنمية في حالة دوران دائم؟ مع العلم أن القدرة على التمويل المحلي قد تكون في حدودها الدنيا مع عدم وجود الفرصة لسوق مالية كفؤة تسمح لرئتي التمويل بالتنفس من خلالها. أكاد أجزم أن خطوة أو خطوات جريئة لابد أن تطفو على السطح خاصةً إذا غلبنا المصلحة الوطنية العُليا وأدرك المواطن أن ما يُنفق هو الذي سيذهب إلى جيبه ويصب في مصلحته ومصلحة وطنه، وأن ما يدفعه سيرى نتائجه على جميع الصُعد فبالتأكيد عندئذ سيُغلِب مصلحة وطنه على بقية المصالح. بشكل عام ستكون الفرصة مهيأة إلى بعض من الضرائب البسيطة التي ستجعل المواطن يشعر بنوع من أنواع الشراكة مع وطنه ومواطنيه لأن هذه الضرائب تتميز بخفة العبء الضريبي ما تجعله لا يشعر بوطأتها.
المتتبع للانفتاح الذي حصل حديثا على الاقتصادات العالمية من تحرير للتجارة وحركة سريعة لرؤوس الأموال يلحظ تدويل للأزمات العالمية على بعض الدول التي تُوصف اقتصاداتها بأحادية الجانب، وذلك لعدم التكامل مابين القطاع الرئيس وبقية القطاعات الأخرى. ومن الأمثلة القريبة الأزمة الآسيوية في التسعينيات الميلادية التي أثرت بشكل كبير في هذه الدول كون العجز في موازين المدفوعات جرى تمويله من خلال خلق عجز في الحسابات الجارية على شكل تدفقات لرؤوس الأموال الأجنبية قصيرة الأجل. وقد زاد من تفاقم هذه المشكلة جمود أسعار الصرف ما أدى إلى زيادة التوقعات بتخفيض قيمة العملات الوطنية لهذه الدول، ناهيك عن تدفقات رؤوس الأموال قصيرة الأجل المُضاربة في أسواق المال والعقار ما ساعد على تدهور العملات الوطنية. لعل من المفيد هنا، أن يتم التعامل مع رؤوس الأموال الأجنبية على أنها إضافة إلى مُدخرات المواطنين كون الاعتماد على الأجنبية منها سيدفع ثمنها الاقتصاد الوطني. يُمكن ببساطة تعريف ميزان المدفوعات على أنه سجل لحقوق الدولة وديونها خلال عام، ولهذا الميزان أهمية كبيرة تنبع من أن المعاملات مع البلدان الأخرى ستعكس متانة الاقتصاد الوطني إذ إنه مرآة لحجم وهيكل الصادرات والواردات وحجم الاستثمارات ومستوى الأسعار...إلخ، كما أنه يبين متانة سعر الصرف من خلال العرض والطلب على العملة الوطنية، وكذلك يُوضح مدى فاعلية السياسات الاقتصادية من إعانات وضرائب على سبيل المثال، ولا ننسى أن المعلومات الموجودة به تعد مهمة للمؤسسات المالية والمصرفية ومفيدة للسلطات الحكومية على توجيه التجارة الخارجية سواء نوعيتها السلعية أم جغرافيتها، مع تحديده للمركز المالي للدولة مقارنة بالبلدان الأخرى. مما سبق، يتضح لنا أهمية وجود قنوات تمويلية فاعلة تبقى رافدا من روافد الدخل الوطني المتجدد خاصةً إذا تم توظيف هذه الروافد بمشاريع وطنية إنتاجية يتولد منها توظيف ودخل. قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم عدد من مصادر التمويل صغيرة الوعاء إلا أنها ترمز إلى معان سامية كونها نتاج لشراكة واعية مابين الوطن والمواطن. ضريبة الطرق هي مبالغ رمزية يدفعها مستخدم الطريق وهي عبارة عن امتنان من مستخدم الطريق لمن قام بهذه المشاريع الجبارة بُغية المساهمة في صيانتها الدورية ولا غرابه في أن صيانة بعض المشاريع قد تفوق تكاليفها بمراحل كبيرة، لنتدارك هُنا، نحن لسنا بصدد سوق مبررات اقتصادية لهذا النوع من الضرائب فهذا أمر مفروغ منه، إنما نحن على مفترق طرق، مشاريع بهذا الحجم تحتاج منا إلى وقفة جادة، نحن مع استمرارها لتعمل بكل كفاءة وهذا لن يتأتى إلا من خلال صيانة دقيقة وطويلة الأجل للمحافظة عليها. في الحقيقة، مثل هذه الضرائب لابد من إتاحة الفرصة لمن لا يرغب في دفعها وذلك من خلال وجود طرق رديفة أو بديلة وقد لا تكون بالجودة نفسها بحيث يتمكن دافع الضريبة من الحصول على العائد المرجو مقابل ما يدفعه. في بعض الأحايين تشعر بالأسى والحزن لما آلت إليه أوضاعنا البيئية من تراكم لكثير من مخلفات المساكن والمباني والنفايات ولهذا ففرض ضريبة مقطوعة النسبة على كل مسكن ستجعل المواطن يشعر بأهمية المحافظة على البيئة وأن المحافظة عليها ليست بالمجان كون العائد منها يطول الجميع، ففي هذه الحالة سيسهم ولو بجزء بسيط من دخله في المحافظة على النظافة العامة. مثل هذه الضريبة على المساكن من الممكن تحصيلها شهريا من خلال إضافتها إلى فاتورة الكهرباء أو الماء وستستفيد منها البلديات بدفع جزء من فاتورة شركات النظافة التي تتولى المحافظة على البيئة العامة وصيانة ونظافة الحدائق العامة وممرات المشاة. في هذا المقام لابد من الإشادة بضريبة المبيعات التي تبدأ من نسب بسيطة في البداية ومن الممكن رفعها في حالة شعور الدولة بالحرج من هبوط إيراداتها وعدم قدرتها على الوفاء بمستلزمات المواطنين. أجدني منجذباً إلى وضع رسوم على البضائع الفارهة كما هو معمول به في أغلب البلدان من سيارات فارهة وأثاث فاخر ومجوهرات ثمينة بحيث يدفعها من لديه القدرة على الحصول على هذه السلع الغالية، مثل هذا النوع من الرسوم يحقق العدالة في توزيع الدخول بحيث يمكن توجيهها إلى القنوات الاستثمارية العامة أو الرفاه الاجتماعي. إن الأساس الموضوعي لاستخدام مصادر تمويل بديلة لعلاج عجز بعض القطاعات الاقتصادية هو المحافظة على ديمومة المشاريع التنموية الهادفة لتوظيف أبنائنا خاصة في ظل التقلبات الحادة لأسعار النفط، الضبابية التي تلف الأوضاع الاقتصادية العالمية، وعدم وجود بدائل قوية لإيرادات النفط، وبالتالي مشروعية البحث عن مصادر لتمويل عجز الميزانية، وباعتقادي أن المهم ليس دفع الضرائب إنما توجيهها الوجهة السليمة في المقام الأول وبذلك ستكون ثمرتها يانعة يراها المواطن أمام عينيه بعد استنفاذ كافة الوسائل والطرق للمحافظة على أسعار عادلة للنفط كمصدر رئيس للدخل الوطني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي