الكويت تفتح ملف عودة الشركات الأجنبية إلى ساحتها النفطية مجددا
بعد 30 عاما من خروج الشركات النفطية الأجنبية من الكويت يبدو أنها مرشحة للعودة مرة ثانية عبر خطة يتوقع أن يجيزها البرلمان أواخر هذا الشهر، وذلك بعد مرور عقد من الزمان من النقاشات المكثفة حول الأمر. وإذا تمت المصادقة على المشروع، فسيتم رفع القيود عن بعض الأنشطة الأجنبية لبعض جوانب الصناعة، الأمر الذي يمكن أن يكون له تأثيره في الكويت وربما في منطقة الخليج بصورة عامة. والبداية يمكن أن تكون ببعض الحقول المختارة لفترة 25 عاما.
وشجعت أسعار النفط العالية في الوقت الحالي بعض الحكومات في الدول المنتجة للنفط على تشديد قبضتها على الصناعة في بلدانها، وضبط القوانين والسيطرة على الثروة الوطنية مثلما حدث في فنزويلا، روسيا، وبوليفيا، التي قامت بخطوات في هذا الاتجاه، وحتى بريطانيا عملت على زيادة الضرائب على الشركات العاملة في بحر الشمال.
من الناحية الأخرى، فإن منتجي النفط يتعرضون إلى ضغوط من المستهلكين لزيادة الإمدادات بسبب النمو في الطلب، الأمر الذي يتطلب زيادة الاستثمارات والحصول على التقنية اللازمة لتسريع عمليات رفع الطاقة الإنتاجية. والكويت، التي يتجه جزء كبير من صادراتها إلى السوق الآسيوية تخطط لاستثمارات كبرى في الصين، من بينها بناء مصفاة ومجمع بتروكيماويات بتكلفة خمسة مليارات دولار.
مشروع الكويت، الذي تأمل عن طريقه الإمارة في رفع قدراتها كدولة منتجة، ثار حوله جدل سياسي عنيف منذ أن برز إلى الوجود لأول مرة في 1997، حيث تعرض إلى معارضة شديدة وحدت بين التيارين السياسيين الإسلامي والليبرالي، وهما على طرفي نقيض في مختلف القضايا المثارة، الأمر الذي أدى إلى تجميد حجم الطاقة الإنتاجية الكويتية في الوقت الذي يزيد فيه الطلب.
يعود تاريخ اكتشاف النفط في الكويت إلى عام 1938 بواسطة الشركة البريطانية الفارسية، أو "بريتش بتروليوم" فيما بعد، إلى جانب "جلف أويل"، أو "شيفرون" فيما بعد. ويأتي معظم الإنتاج النفطي الكويتي، أو 80 في المائة تحديدا من حقل واحد هو برقان، الذي يعتبر ثاني أكبر حقل في العالم بعد الغوار السعودي، كما توجد 1600 بئر منتجة وفق تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، تتركز بصورة رئيسية في المناطق الشرقية والجنوبية، لكن برزت بعض المؤشرات في الآونة الأخيرة على ظهور علامات إرهاق في إنتاج الحقل، وهو ما جعل المسؤولين يفكرون في التحول إلى حقول أخرى أكثر شبابا لتخفيف الضغط على برقان.
ويقول نادر سلطان، وهو مسؤول نفطي سابق ومن الذين عملوا في تخطيط جذب الشركات الأجنبية، لصحيفة "نيويورك تايمز": هناك حاجة إلى دعم قدراتنا الإنتاجية. والسؤال هل يمكننا القيام بذلك وحدنا؟ فسنوات من قلة الاستثمارات أدت إلى حدوث تباطؤ في القدرات الإنتاجية. والمسؤولون يقولون إنهم يريدون عونا من الشركات النفطية لمساعدتهم على تخطي متاعب الاستخراج من المكامن الجديدة بعد اضمحلال فرص العثور على نفط سهل الاستخراج.
وفي العام الماضي أنتجت الكويت نحو 3 في المائة من الإنتاج النفطي العالمي، أو 2.5 مليون برميل يوميا. ومن خلال خطط متكاملة يؤمل أن ترتفع الطاقة الإنتاجية إلى أربعة ملايين برميل بنهاية العقد الثاني من هذا القرن. لكن هذه الخطة الطموحة مواجهة ببعض العقبات وعلى رأسها أن إنتاج هذه الكمية سيحمل معه تدفق نحو 10 ملايين برميل من المياه، وهو ما يدفع إلى ضرورة الاستعانة بالخبرة والتقنية الأجنبية، إضافة إلى أنه مع السعر العالي لبرميل النفط، فإن الكويت يبدو أنها تخسر ملايين الدولارات كل أسبوع لعجزها عن ضخ المزيد من الإمدادات في السوق التي تحتاج إليها بسبب ضعف القدرة الإنتاجية.
وهناك من يرى أن دعوة الشركات الأجنبية يمكن أن تمثل شكلا من أشكال الحماية، إذ لا تزال الذاكرة عامرة بمغامرة الرئيس العراقي السابق صدام حسين وغزوه الكويت عام 1990، لذا فوجود شركات أجنبية خاصة إذا كانت بينها أمريكية يصبح عنصر تطمين وحماية.
لكن الدستور الكويتي الحالي يمنع تملك الأجانب للموارد النفطية أو إدارتها، ويحصر نشاطها في الجانب الخدمي فقط، ولهذا يحتج المعارضون للتوجه بالاستعانة بالشركات الأجنبية بعدم دستورية الخطوة.
ويرى عبد الله النيباري، وهو نائب سابق من التيار الليبرالي وشارك في الجهود التي بذلت لإحكام السيطرة الوطنية على القطاع النفطي الكويتي، حاجة البلاد لزيادة إنتاجها، وأنه في مواجهة أي عقبات تتعلق بتطوير القدرات الإنتاجية فإنه يمكن الاستعانة بشركات الخدمات. وأبلغ النيباري صحيفة "نيويورك تايمز" أخيرا أن البلاد تنتج النفط للحصول على احتياجاتها المالية، ".. وهذه مسؤوليتنا، وإنتاج مليوني برميل يوميا كاف للوفاء بالتزاماتنا. والدخل الإضافي يتم هدره كما دلت التجارب السابقة، والنفط في باطن الأرض منه في خارجها".
ويضيف النيباري أنه في عام 1972 عندما كانت "بريتش بتروليوم" و"جلف" تسيطران على الصناعة النفطية الكويتية سعتا إلى رفع الطاقة الإنتاجية إلى خمسة ملايين برميل يوميا، الأمر الذي كان سيزيد من مشكلة التواجد المائي في النفط المنتج ويفاقم الأزمة، إلى جانب تسريع عمليات نضوب الاحتياطي، وذلك في الوقت الذي لا تبرر فيه المصلحة الوطنية الكويتية هذا الإجراء.
والصراع على السيطرة بين المنتجين والشركات قديم قدم الصناعة النفطية، واتخذ له أبعادا واضحة بعد إنشاء منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" من ناحية، والشعور أنه لا يمكن الحصول على حقوق البلاد المنتجة ما لم تحكم سيطرتها على صناعتها النفطية.
ومن الدول التي غيرت من مسارها في هذا الجانب الجزائر، التي حازت على استقلالها عام 1961، وبعد عشر سنوات أممت صناعتها النفطية، ثم عادت بعد 20 عاما لفتح الباب أمام الشركات الأجنبية، وهي الحالة التي وصفها نور الدين آية الحسين، الذي شارك في عمليتي التأميم وإعادة فتح الباب أمام الشركات الأجنبية ويعد موظفا كبيرا في الشركة الوطنية "سوناطراك" ووزيرا للنفط في بلاده، أنها تمت من منطلق المصالح الوطنية. فهذه المصالح كانت تتطلب في البداية التأميم، وفيما بعد إعادة فتح الباب أمام الشركات الأجنبية، وبالتالي فهو لا يرى تناقضا في الأمر.
أما بالنسبة إلى الشيخ أحمد الفهد وزير النفط والرئيس الحالي لـ "أوبك"، فهو يرى أنه يوجد دائما مؤيدون ومعارضون لمثل هذه السياسات وهذه من أسس الممارسة الديمقراطية، كما يقول.
الحكومة التي تستشعر ضرورة التقدم والمضي قدما في برنامج إدخال الشركات الأجنبية في ميدان العمليات الأمامية لصناعتها النفطية تعرف في الوقت ذاته أن عليها حساب خطاها السياسية، خاصة والبرلمان أثبت مرات عديدة في السابق قدرته على تعويض التحركات الحكومية، كما أن المعارضتين الإسلامية والليبرالية تتحدان في مواقفهما ضد عودة الشركات الأجنبية إلى ساحة العمل في الكويت مرة ثانية، ولهذا وافقت الحكومة على بعض التعديلات لتستوعب بعض مطالب البرلمان، ومن هذه أن يبقى النفط ملكية كويتية لا يمكن تحويلها، كما أن العقودات ستتعلق بالجانب الخدمي ولا تعطي إشارة أنها امتيازات، الأمر الذي يعني أن الشركات لن يكون في مقدورها الإشارة إلى هذه الاحتياطيات في تقاريرها السنوية ودفاترها الحسابية كأصول.
وتتشجع الحكومة في مسعاها لإيجاد وسيلة لجذب الشركات الأجنبية بما يجري في دول الجوار، خاصة الإمارات العربية المتحدة، التي توصلت إلى اتفاق مع شركة إكسون ـ موبيل العام الماضي، تعمل بموجبه على توسيع الطاقة الإنتاجية، وكذلك قطر التي بدأت العمل في مشروع ضخم لتسييل الغاز تشارك فيه "إكسون ـ موبيل" وشركات أخرى، ولو أن المشروع الكويتي يبقى مختلفا، خاصة والبلاد تتربع على رابع أكبر احتياطي نفطي موجود في العالم.
فكرة الاستعانة بالشركات الأجنبية التي أطلق عليها "مشروع الكويت" يمكن أن يغطي 10 في المائة من حجم الاحتياطيات الموجودة، ويمكن لتكلفته أن تبلغ 8.5 مليار دولار ويستمر على مدى ربع قرن من الزمان، وإذا وافق البرلمان عليه عندما يناقش المشروع في الثالث والعشرين من هذا الشهر، فإن الحكومة ستمضي فيه قدما وستتم ترسيته على أساس قاعدة واحدة: الحد الأدنى من الرسوم الذي سيستخلص من كل مجموعة مقابل كل برميل يتم إنتاجه.
وهناك ثلاث مجموعات تتنافس على الفوز بالمشروع، تقود الأولى "إكسون ـ موبيل"، وتضم في عضويتها "شل"، "كونوكو ـ فيليبس"، و"ميرسك". أما المجموعة الثانية فتقودها "شيفرون ـ تكساكو" وتضم "توتال" الفرنسية، "بتروكندا"، "سيبنفط" الروسية، و"صينوبيك" الصينية. كما تشمل المجموعة الثالثة التي تقودها "بريتش بتروليوم" كلا من "أوكسيدنتال" وشركة النفط والغاز الهندية.
وتوجد الحقول التي يؤمل فتحها أمام الشركات الأجنبية في الشمال، وتضم حقول: الروضتين، صابرية، راتقا، بحرة، ميناقيش، وأم قدير. وهناك بعض التقارير أن الكويت تسعى إلى استثمار مبلغ ستة مليارات دولار في بعض الحقول التي توجد قرب الحدود مع العراق، مثل: العبدلي، الروضتين، وراقتا، لزيادة الإنتاج من هذا الجانب.