خطة دوتيرتي للبقاء في السلطة

أقل من نصف عام يفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية الفلبينية الجديدة التي يحاول رودريجو دوتيرتي الرئيس الحالي المثير للجدل خوضها للبقاء في السلطة رغم أن الدستور الحالي المعمول به منذ عام 1987، أي منذ ثورة الشعب ضد ديكتاتورية فرديناند ماركوس الزعيم الأسبق للبلاد، يمنع أي شخصية سياسية من الترشح إلا لفترة رئاسية واحدة مدتها ستة أعوام، وذلك للحيلولة دون قيام ديكتاتورية منتخبة.
يعمل دوتيرتي منذ الآن على البقاء في الرئاسة لاستكمال برنامجه الهادف إلى القضاء على الجريمة وتنظيف البلاد من آفة المخدرات وتجارها، وهو برنامج قطع فيه شوطا كبيرا من خلال تكليف أجهزة الشرطة بالقتل خارج القانون دون هوادة، الأمر الذي تسبب في غضب جهات داخلية وخارجية عدة، مثل الكونجرس الأمريكي ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، وقوى المعارضة الفلبينية وأمراء الحرب في جنوب الفلبين المضطرب وذوي ضحايا حرب المخدرات التي قام جميعها باتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية واستخدام القوة المفرطة، بل تسبب أيضا في قيام المحكمة الجنائية الدولية عام 2018 بفتح تحقيق أولي حول تلك الجرائم المزعومة، خصوصا أن دوتيرتي نفسه اعترف في عدة مناسبات مختلفة بأنه قتل بيده متهمين بتجارة المخدرات أو أوعز بقتلهم. ولعل خشيته من أن تطوله محاكمات وعقوبات بعد خروجه من السلطة هي التي تجعله حريصا على البقاء رئيسا للبلاد بأي شكل من الأشكال.
وتركز ذهنه أخيرا على خطة محكمة مفادها أن يدفع بابنته سارة دوتيرتي للترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها في أيار (مايو) 2022 على أن يخوض هو هذه الانتخابات على قائمتها كمرشح لتولي منصب نائب الرئيس. وبهذا، ففي حال فوز تلك القائمة، سيغدو نائبا اسميا لرئيس الجمهورية ورئيسا فعليا، وبالتالي تحول صفته الرسمية دون الوقوع في قبضة المحكمة الجنائية الدولية التي انسحبت منها مانيلا احتجاجا على تدخلها في الشؤون الداخلية للبلاد.
ولعل ما يشجع دوتيرتي على المضي قدما في هذا السيناريو ثلاثة عوامل: أولها تشتت القوى السياسية المعارضة له داخل مجلسي النواب والشيوخ وفشلها حتى الآن في الاتفاق على مرشح رئاسي جديد ذي شخصية كاريزمية لخوض السباق الرئاسي المقبل، وثانيها تزايد شعبيته بعد فوزه بالرئاسة بنسبة 39 في المائة في أيار (مايو) 2016 ضد منافسه الليبرالي مارس روكساس ليصبح الرئيس الـ 16 للفلبين وأكبر رؤساء البلاد سنا والوحيد المقبل من إقليم ميندناو ذي الأغلبية المسلمة، قام كاتب هذه السطور بسؤال عينة عشوائية من الفلبينيين العاملين في الخليج عن رأيهم في دوتيرتي فوجد أن الأغلبية العظمى منهم تؤيده لأنه أعاد الهيبة والنظام الغائبين عن الفلبين منذ الإطاحة بالديكتاتور ماركوس.
أما العامل الثالث فيكمن في أن مرشحته للرئاسة ابنته سارة ليست غريبة عن المقترعين، فهي امرأة ناضجة من مواليد عام 1978 وسياسية ومحامية معروفة وشغلت منصب نائب حاكم، ثم حاكم إقليم دافاو مسقط رأسها ورأس والدها أعواما طويلة، بل إن الذين عرفوها عن كثب يؤكدون أنها نسخة أفضل بكثير من والدها، وأنها تتشاور مع الخبراء والأكاديميين قبل اتخاذ أي قرار وتحترم آراءهم وتوصياتهم، ولها بعد نظر في قضايا الحكم والسياسة. وهناك عامل رابع يتعلق بدوتيرتي نفسه ويتلخص في أنه مؤمن بشدة أن المؤسسات الديمقراطية الفلبينية هشة، وأن ساسة بلاده تتنازعهم الأهواء والطموحات الشخصية المتصادمة، وبالتالي فإن إنقاذ الفلبين من الفوضى والجريمة المنظمة والتراجع الاقتصادي والتنموي يحتاج إلى قائد حازم وشجاع.
ويتهم البعض الرئيس دوتيرتي أنه يسعى إلى توريث السلطة في نطاق عائلته من خلال خرق روح الدستور. وقد يسعى هذا البعض ومعه قوى المجتمع المدني إلى وضع العراقيل أمام ترشحه كنائب للرئيس على بطاقة ابنته من خلال الطعن أمام لجنة الانتخابات أو المحكمة العليا. لكن البعض الآخر يرد أن التوريث ليس شيئا جديدا في الفلبين. فقد سبق أن حدث - وإن كان بطريقة غير مباشرة - حينما استخدمت كورازون أكينو الرئيسة السابقة إرث زوجها المغدور السياسي المعارض لحكم ماركوس بنينو أكينو للصعود إلى السلطة عام 1986، ثم تكرر الأمر مع ابن الأخير بنينو أكينو الثالث الذي استخدم اسم والديه للفوز بالرئاسة عام 2010. ويضيف هذا البعض أن مسألة الطعن واردة لكنها ستفشل لأن دوتيرتي يحكم قبضته على المحكمة العليا من خلال القضاة المعينين من قبله، فضلا عن أنه شخصيا عمل أعواما في المحاماة وكان مدعيا عاما لإقليم دافاو ويتقن فنون إيجاد الثغرات والحيل القانونية.
أما البعض الثالث فيقول، إن دوتيرتي أخطأ في الكشف عن أوراقه مبكرا، زاعما أن هذا سيجعل خصومه ومنافسيه والطامحين للوصول إلى قصر مالاكانيانج الرئاسي يكثفون من أنشطتهم ضده ومنهم جيجومار بيناي نائب الرئيس السابق في انتخابات 2016 الرئاسية، والممثل إيسكو مورينو عمدة مانيلا الحالي، وإيمانويل باكوايو السيناتور الملاكم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي