الاستثمار في تقنية النانو بين الواقع والآمال

الاستثمار في تقنية النانو بين الواقع والآمال
الاستثمار في تقنية النانو بين الواقع والآمال
الاستثمار في تقنية النانو بين الواقع والآمال
الاستثمار في تقنية النانو بين الواقع والآمال
الاستثمار في تقنية النانو بين الواقع والآمال
الاستثمار في تقنية النانو بين الواقع والآمال

قبل نحو 15 عاما كانت هناك ضجة إعلامية كبيرة حول تقنية أسطورية، قيل إنها ستحدث تغيرات جذرية في عدة مجالات صناعية وطبية وزراعية، وستنتج عنها منتجات جديدة وخامات لم يوجد لها مثيل في تاريخ الإنسان. سميت هذه الثورة بتقنية النانو، واتجهت الأنظار إليها من كل صوب، فتم إنشاء عدة مراكز بحثية حول العالم وتم تكثيف المواد الدراسية المتعلقة بها في الجامعات، وكثرت التغطيات الإعلامية لفعالياتها، وأخذت آراء الخبراء حولها وحول مستقبلها.
لم تكن ثورة تقنية النانو كذبة إعلامية بل إنها حقيقة ماثلة أمامنا اليوم، وبالفعل هناك عدد من المنتجات والمواد الخام التي تم تطويرها بواسطة هذه التقنية العجيبة، إلا أنه في واقع الأمر كانت هناك مبالغات إعلامية فيما يمكن أن تصل إليه التقنية، ومدى التغيرات والاكتشافات الكامنة خلفها. وبالطبع حين وصل الضجيج وما صحبه من جعجعة وجلجلة إلى أبواب "وول ستريت" زاد انتشار ظاهرة النانو، وبدأ عدد كبير من الشركات ادعاء القرب من ليلي، كما يقال، وتهافت المستثمرون على الشركات التي بدا أن لها نصيبا كبيرا من هذه التقنية.
في هذا التقرير نجري استعراضا سريعا لواقع تقنية النانو، من حيث التعريف بها، والمراكز البحثية في المملكة التي تعمل بها، وما الشركات العالمية التي حققت إنجازات في هذا المجال ولديها منتجات مستخرجة بواسطة تقنية النانو. كذلك نتطرق إلى طبيعة المخاطر التي قيل إنها قد تنتج بسبب هذه التقنية، ونتساءل هل من دلائل على حقيقة هذه المخاطر، وما إن كان بالفعل قد حدث شيء منها.

مفهوم تقنية النانو وأهميتها

تقنية النانو nanotechnology هي تقنية التعامل بمساحات متناهية الصغر، بحيث يمكن إنتاج مواد تتمتع بخصائص مختلفة عن المواد التي يعمل بها تقليديا. معظم التطورات الصناعية والطبية والزراعية على مدى مئات الأعوام كانت مبنية على تقنيات تتعامل مع جزيئات كبيرة نسبية، ولا تستطيع النزول إلى المستويات الميكروسكوبية. إلا أن ذلك بدأ في التغير في الثمانينيات الميلادية نتيجة عدد من الأبحاث والاكتشافات، التي تولد عنها ابتكار ميكروسكوب STM الذي من خلاله تمكن مشاهدة ذرات فردية ودراسة الروابط فيما بينها بيسر وسهولة، إلى درجة أن أصبح بالإمكان التحكم في الذرات وتغيير أعدادها وترابطاتها وما ينتج عنها من مواد.
عندما نتكلم عن المجال النانوي، فنحن نتكلم عن جسيمات صغيرة جدا. للمقارنة يبلغ عرض جسم البكتيريا نحو 2000 نانو متر، والفيروسات بشكل عام تكون في حدود 30 نانو متر، وهذا هو المستوى الذي تعمل به تقنية النانو، التي غالبا تتناول جزيئات لا تتجاوز 100 نانو متر في أطوالها.
التقدم في مجال النانو أتى من خلال تطورات عديدة جعلت من الممكن القيام بأعمال في مساحات ضيقة: مثلا لعمل بعض التصاميم الميكروسكوبية يتم تسليط أشعة إلكترونية دقيقة على السطح المطلوب لرسم خطوط بأطوال لا تتجاوز 10 نانو متر. كما أنه من الممكن التلاعب ببعض التكوينات الذرية لتغيير الترابط على مستوى الذرة والخروج بخامات جديدة.
تستخدم تقنية النانو في الكيمياء العضوية والفيزياء والإلكترونيات وعلم الأسطح وفي دراسة التغيرات الفيزيائية والكيميائية لانتقال المادة من هيئة إلى أخرى، مثلا عند التحول من سائل إلى بخار أو من مادة صلبة إلى مادة غازية. كما يمكن من خلال تقنية النانو عمل فلتر مائي لتصفية المياه سعة فتحاته تقاس بالنانو متر، بحيث تتم تصفية المياه من الشوائب والميكروبات والبكتيريا، فيصبح من الممكن تحلية المياه بطرق أقل تكلفة مما هو متاح اليوم من خلال التقنيات الأخرى.
من الوعود التي لم تتحقق حتى الآن على الرغم من الجهود الكبيرة والأبحاث الموجهة إليها تلك الوعود والآمال التي علقت على تقنية النانو للوصول إلى علاجات ناجحة وقاطعة لشتى أنواع السرطانات التي تصيب الإنسان. وعلى الرغم من عدم تحقق معظم هذه الوعود إلا أن هناك تطورات كبيرة متعلقة بأمراض السرطان بدءا بطرق الاكتشاف والوقاية وأخيرا العلاج، وهناك بعض الشركات المتخصصة في هذا المجال سنلقي نظرة عليها في هذا التقرير.

المراكز البحثية لتقنية النانو في المملكة

تعد المملكة من أوائل الدول التي تبنت تقنية النانو وسخرت الجهود والدعم المالي لها منذ نحو عام 2006، ومنها مركز الملك عبدالله لتقنية النانو التابع لجامعة الملك سعود، وهو مركز مختص في أبحاث تقنية النانو وتطبيقاتها، وتدريب الكوادر العلمية المتخصصة، إلى جانب نشر الوعي العلمي بعلم النانو وتقنياته. أما التوجهات البحثية للمركز فهي في مجالات تقنية المياه والطب النانوي، واستخدامات تقنية النانو في البيئة والطاقة المتجددة. ولدى المركز معامل تقنية متقدمة تحتوي على تجهيزات خاصة بالتعامل بالجزيئات متناهية الصغر، وقد حصل المركز خلال الأعوام العشرة الماضية على 39 براءة اختراع في تقنية النانو من مكاتب براءات الاختراع في كل من الولايات المتحدة وأوروبا ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.
المركز البحثي الآخر هو مركز التميز البحثي لتقنية النانو في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، الذي أسس 2007 ويركز في نشاطاته على التطبيقات الصناعية لتقنية النانو خاصة ما يتعلق بالنفط والصناعات البتروكيميائية، منها على سبيل المثال آلات ميكروسكوبية لدراسة المواد النانوية القادرة على اكتشاف النفط المتبقي. لدى المركز أكثر من 50 براءة اختراع فقط في الأعوام الأربعة الماضية.
كذلك في 2007 تم تأسيس مركز التقنيات متناهية الصغر في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، الذي لديه كثير من الأبحاث المتقدمة ويحتوي على أجهزة ومستلزمات بحثية ومختبرات متخصصة، ويركز في أعماله على المجالات الهندسية والصيدلية والطبية والهندسة الوراثية إلى جانب علوم المواد.
وتوجد جهات أخرى لديها مراكز واهتمامات بحثية في مجال تقنية النانو مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، حيث كانت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من أوائل الجهات البحثية في المملكة التي قامت بإنشاء مختبرات ومراكز بحثية 2007، وقدمت مئات من الأبحاث في هذا المجال.

ماذا عن مخاطر تقنية النانو؟

منذ انطلاق ثورة النانو في الثمانينيات تمت إثارة عدد من المخاوف حول هذه التقنية واستخداماتها وتأثيراتها في صحة الإنسان، وذلك بسبب صغر حجم الجزيئات المستخدمة في التقنية والخوف من إمكانية استنشاقها عن طريق الهواء ودخولها إلى جسم الإنسان بشكل لا يمكن معرفة آثاره الصحية في الإنسان. هناك مخاوف من سهولة تغلغل تلك الجزيئات إلى داخل أنسجة الجسم واختراق أغشية الرئتين والتأثير في عمل القلب ونبضه، إلى جانب أخطار غير معروفة فيما لو وصلت هذه الجزيئات إلى الجهاز العصبي للإنسان. هذه المخاوف لها مبرراتها، كون جسم الإنسان بالفعل لديه القدرة على التعامل مع كثير من الشوائب والجزيئات النانوية الطبيعية، ولكن لا أحد يعلم كيف سيتجاوب جسم الإنسان مع جزيئات ميكروسكوبية جديدة من صنع الإنسان قد تحتوي على مواد كيميائية لا يستطيع الجسم التعامل معها بشكل سليم.
بسبب تلك المخاوف ظهرت هناك جهود دولية لإصدار تشريعات وفرض مواصفات معينة لتنظيم عملية استخدام التقنية ورفع مستوى الوعي والمسؤولية تجاهها.
يلاحظ في جدول الدول العشر الكبرى في مجال أبحاث النانو، أن أعلى نسبة نمو في عدد الأبحاث الصادرة 2020 مقارنة بـ2019 هي من نصيب المملكة، حيث تبلغ النسبة 45 في المائة، بينما هي في حدود 10 في المائة لبقية الدول!

تقنية النانو تقتحم "وول ستريت" 2007

قبل نحو 15 عاما ضجت أروقة "وول ستريت" بأخبار مفرطة في التفاؤل وتكهنات عن تقنية النانو، وكيف أنها ستغير مجرى الحياة بسبب الإمكانات المهولة التي ستتيحها هذه التقنية الجديدة. ومن المعروف أن أسواق الأسهم دوما تستبق الأحداث وذلك بسبب سرعة المستثمرين في اقتناص الفرص والدخول المبكر إلى أي مجالات جديدة وواعدة، بل إنه من المعروف أن أسواق الأسهم تستبق الحركة الاقتصادية في كثير من الدول، بحيث إنها أصبحت من أفضل وسائل التنبؤ بالحركة المستقبلية للاقتصاد الكلي، من مستويات البطالة وأسعار الفائدة وغيرها.

هل هناك شركات مدرجة متخصصة في مجال تقنية النانو؟

يوجد عدد من الشركات التي تستخدم تقنية النانو في نشاطاتها وتحقق نتائج عالية في جودة منتجاتها وتنوعها، بشكل لم يكن ممكنا في الماضي. وكثير من الشركات الصناعية الكبرى تستخدم تقنية النانو بشكل أو آخر، غير أننا هنا نلقي الضوء على الشركات المختصة بشكل كبير في التقنية أو على الأقل تستفيد منها في تحقيق جزء كبير من إيراداتها السنوية.

بعض شركات الأدوية والشركات الطبية المتبنية تقنية النانو

معظم تطبيقات تقنية النانو في المجال الطبي تدور حول آليات الكشف والاستشعار وأفضل الطرق لإيصال الدواء إلى مواضع المرض بطرق ابتكارية دقيقة. ومن أكبر الشركات العريقة والمعروفة في هذا المجال هناك شركات "آمجن" و"بايوجن"، و"ميرك" و"جلعاد" و"فايزر" و"سانوفي" و"روش" وغيرها، غير أن هناك شركات صغيرة متخصصة بشكل أكبر من هذه الشركات الكبيرة.
من تلك الشركات الصغيرة التي تستفيد من تقنية النانو بشكل مكثف في المجال الطبي هناك شركة "جاز للأدوية" التي لديها علاجات لمصابي اختلال دورات النوم وشلل العضلات، وعلاجات فاعلة لبعض أمراض السرطان والأمراض العصبية. الشركة تعد متوسطة الحجم بقيمة سوقية تبلغ عشرة مليارات دولار ومبيعاتها 2.5 مليار دولار وأرباحها تبلغ نحو 500 مليون دولار.
وهناك شركات طبية أخرى تستفيد من تقنية النانو بشكل خاص، منها Eisai Co اليابانية، وشركة Ipsen الفرنسية وشركة Arrowhead الأمريكية.

شركة ثيرمو فيشر Thermo Fisher Scientific

هذه الشركة متخصصة في العلوم الطبيعية، تم تأسيسها 1956، وتركز في أعمالها على تقديم حلول لدعم نشاطات تقنية النانو حول العالم، من أجهزة قياس متنوعة إلى تجهيزات المختبرات وتقديم الأدوات والوسائل اللازمة لاكتشاف الفيروسات والفحص عن مسببات الالتهابات والملوثات. ولدى الشركة عدة منتجات متعلقة بهندسة الجينات والمنتجات الحيوية، بما في ذلك منتجات متعلقة بمكافحة فيروس كورونا الجديد.
لدى الشركة تنام كبير في المبيعات والربحية، حيث ارتفعت مبيعاتها من 21 مليار دولار في 2017 إلى نحو 36 مليار دولار في الـ12 شهرا الماضية، وارتفعت أرباحها خلال الفترة ذاتها من نحو ملياري دولار إلى ثمانية مليارات دولار. وتعد شركة "ثيرمو فيشر" من الشركات الكبيرة، كون قيمتها السوقية تبلغ 209 مليارات دولار.

شركة كيمورز The Chemours Company

هذه الشركة تأسست 2014 وهي متخصصة إلى حد كبير في توظيف تقنية النانو في عملها، وتعمل في عدة مجالات دقيقة منها تقنيات التيتانيوم التي تنتج أصباغا صناعية تعطي اللون الأبيض الناصع لمنتجات عديدة، إلى جانب منتجات تستخدم في التبريد ومحاليل خاصة متعلقة بإنتاج البوليمرات والخامات المتقدمة، إلى جانب أن لديها منتجات كيميائية تستخدم في صناعة الذهب وبعض المنتجات الصناعية والمنزلية.
لدى الشركة انخفاض قليل في المبيعات من بعد 2018 مع تحقيق خسارة بمقدار 52 مليون دولار 2019، لكن الأرباح عاودت الارتفاع لتحقق 219 مليون دولار في 2020، وارتفع السهم جراء ذلك. الشركة تعد متوسطة الحجم من حيث القيمة السوقية البالغة 5.3 مليار دولار، وخلال الشهرين الماضيين تلقى السهم ثلاث توصيات بالشراء من "جولدمان ساكس" و"آرجوس ريسيرش" وB of A Securities، ولا يزال سعر السهم بالقرب من سعره وقت تلك التوصيات.

شركة صناعات بي بي جي PPG Industries

شركة بي بي جي من الشركات الصناعية العريقة في الولايات المتحدة، حيث تأسست 1883، وكانت وما زالت تختص بمواد الطلاء والدهان والتكسية والتغطية وإنتاج والمحاليل الصناعية والعوازل واللواصق لعدد كبير من القطاعات مثل قطاع السيارات والطائرات والقطارات والبواخر والطرق والجسور، وتباع منتجاتها وخدماتها للقطاعات التجارية والعسكرية. تتميز الشركة بإنتاج مواد تغطية للمعادن، والتي تم تطويرها باستخدام تقنية النانو من أجل الحصول على خصائص فريدة لتلبية احتياجات العملاء من حيث الديمومة والقدرة على تحمل الظروف المناخية المختلفة والالتزام بالاشتراطات الصحية، وهذه المواد نجدها في أغطية الوقاية لعلب الأغذية والمشروبات ولتغليف المواسير والهياكل البلاستيكية، وفي مجال مواد التغليف بشكل عام.

خاتمة

تقنية النانو أحدثت ضجة إعلامية كبيرة قبل نحو 15 عاما، وعلى الرغم من الضجيج الإعلامي والمبالغات بحق هذه التقنية العظيمة، إلا أن التقنية بالفعل دخلت إلى عدة مجالات وتم بالفعل إنتاج عدد كبير من المنتجات التي استفادت من الدقة الميكروسكوبية لهذه التقنية التي تعمل في مساحات لا تتجاوز 100 نانو متر. ولا تزال هناك آمال في التوصل إلى اكتشافات طبية وعلاجات فعالة لعدد من الأمراض النادرة والمستعصية.
وتعد المملكة العربية السعودية من أهم الدول في مجال الأبحاث المتعلقة بتقنية النانو، قياسا بعدد المنشورات العلمية وبراءات الاختراع التي تم الحصول عليها. وأخيرا، تم في هذا التقرير استعراض عدد من الشركات المدرجة في الأسواق العالمية والمتخصصة في مجال النانو، أو على الأقل تلك التي تستفيد من التقنية في بعض أهم منتجاتها ونشاطاتها.

الأكثر قراءة