نخاسو البيانات
"كلنا عيال قرية وكلن يعرف أخيه". مثال قديم ومعروف للتعبير عن بساطة التواصل وقرب الاتصال بفضل المساحة الجغرافية التي جعلت اللمة أقرب والتعرف على الأحوال أعمق. هذا كان في عصر ما قبل الإنترنت، وفي التسعينيات ومع العولمة أصبح العالم لبعضه أقرب والأحداث أوسع وأسرع، ومع تطور المعلومات والاتصالات اندمجت القرية وأصبحت كشاشة كبيرة أكثر وضوحا وانكشافا للآخرين، فلم يعد لها أسوار ولا للغرف أبواب والخصوصية في مكب النفايات وصارت تحركات السكان معلومة قبل علم أصحابها.
هذا كان وضعا اتصاليا مقبولا إلى حد ما حتى تحولت القرية ومن فيها إلى سلعة تباع وتشترى في سوق البيانات وبفضل جشع القرى المجاورة تنامت نزعات الشر للاستفادة من أماكن القوة ومكامن الضعف، مستغلين الفرص للوثوب عبر الفجوات في حروب سيبرانية، حتى ظلم القرى أنفسهم، إلا أنه ثمة قرى آمنت بأن العلم لتطوير البشرية والنهضة بالعالم، أقول ذلك بعد شهدنا خلال الأيام الماضية أخبارا لم تجد صداها المستحق وتحقيقنا لمراكز متقدمة في مجال الاتصال وتقنية المعلومات، ومنها المراكز الأولى في سرعات تحميل الجيل الخامس والتنافسية الرقمية بين دول العشرين، وتمكين المرأة، ومركز متقدم في مؤشري الأمن السيبراني والنضج التنظيمي، والمركز التاسع في المهارات الرقمية والـ22 في مؤشر الذكاء الاصطناعي، فضلا عن إنشاء مؤسسات ومنظمات متخصصة وكان آخرها هيئة الحكومة الرقمية التي من بين مهامها حوكمة أعمال السحابة الحكومية والسحابات ذات العلاقة، وهذا مفيد جدا نحو الوصول إلى الاستقلالية التقنية القادرة على نمو وحماية المعلومات بعيدا عن نخاسي البيانات.