طاقة الهيدروجين .. ألوان متعددة ومستقبل طموح «1 من 2»
يحتل موضوع الطلب على الطاقة في جميع دول العالم أهمية كبرى. فمنذ أوائل القرن العشرين، ارتبطت التنمية بالطاقة ولم يكن بالإمكان تحقيق التقدم الكبير في الصناعة والتطور وتحقيق الرفاهية في دول العالم لولا توافر المواد الأولية ومنها الطاقة الأحفورية خاصة النفط الذي يعد المورد الرئيسي الذي تقوم عليه الصناعات الأساسية. وقد ازدادت الحاجة إلى الطاقة بشكل كبير. ونتيجة للنمو المتسارع للوقود الأحفوري، فقد أدى ذلك إلى وضع البشرية أمام تحديات كبيرة مثل التكاليف وارتفاع درجة حرارة الأرض ونضوب مصادر الطاقة والتلوث وغيرها. وصنع هذا التوجه العالمي منحنى لبعض الشركات ومؤسسات الطاقة العالمية نحو الاستدامة، وتواجه البشرية تحديات شاقة عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على كوكب الأرض. فمن أجل تجنب آثار تغير المناخ، نحتاج إلى خفض درجات الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية وفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. ثم بدأ البحث عن بدائل للوقود الأحفوري واستغلالها ومنها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية وطاقة الكتلة الحيوية وغير ذلك من مصادر الطاقة. عليه تمثل الطاقة المتجددة أحد مظاهر الحياة المتمثلة في مزيج الطاقة مع الأنواع الأخرى مثل الأحفورية والنووية، ونرى أن نجم الطاقة المتجددة سطع في أواخر القرن العشرين، حيث وصلت النسبة إلى 28 في المائة من إمدادات الطاقة العالمية في الربع الأول من 2020 ومن المتوقع أن تصل 45 في المائة بحلول عام 2040. وعند مناقشة مستقبل الطاقة، نرى أن طاقة الهيدروجين تتردد على شفاه الجميع. وربما سمعت عن بعض الألوان المرتبطة بالهيدروجين وتساءلت عن معناها. ولفهم أوضح لعملية الهيدروجين، يجب معرفة أن خلايا وقود الهيدروجين تنتج الكهرباء بتفاعل كهروكيميائي باستخدام الهيدروجين والأكسجين ما ينتج طاقة كهربائية بتزويد الخلية الكهروكيميائية بغازي الأكسجين والهيدروجين على نحو مستمر، ويمكن تصنيفها إلى وسائل النقل والاستخدام المنزلي. وتعد الخلايا الكهروكيميائية (الوقود) من أكثر وسائل توليد الطاقة حفاظا على البيئة ولهذا تحظى باهتمام لتطويرها وتسخيرها مستقبلا في صناعة السيارات والكهرباء حيث يعد هذا النوع بديلا للوقود الحالي المستخدم في وسائل النقل التقليدية، والعملية الأخرى هي عن طريق فصل الهيدروجين عن العناصر الأخرى مثل الكربون اصطناعيا، باستخدام تقنيات احتجاز وتخزين أول وثاني أكسيد الكربون. لقد انطلقت المملكة أخيرا في سباق طاقة الهيدروجين بشقيها الأخضر والأزرق من خلال مبادرات جبارة، ولكن لماذا اللونان الأزرق والأخضر؟ وماذا يعني ذلك؟ وهل توجد ألوان أخرى لطاقة الهيدروجين؟ الجواب هو أنه توجد ألوان متعددة لطاقة الهيدروجين وسنتطرق لها حيث يشير كل لون إلى مصدر الطاقة أو العملية التي تم فيها استخدامها لإنتاج الهيدروجين. ولا توجد أي استراتيجية موحدة قابلة للتطبيق لاستخدام هذه الودائع الهيدروجينية الطبيعية الآن، ولكن تطبق عمليات مختلفة لإنشائها بشكل مصطنع.
يمثل الهيدروجين أخف عنصر في الجدول الدوري وأكثر المواد شيوعا في الكون ويمكن استخدامه كمادة وسيطة أو وقود أو حامل طاقة ولا ينبعث منه ثاني أكسيد الكربون عند الاحتراق، ولهذا السبب نسمع عن إمكاناته العالية لإزالة الكربون من المنتجات. ولأن الهيدروجين في الأغلب يتشكل بحالة غازية وهو معدوم اللون، يظهر "الهيدروجين الأبيض" بحالته ونشير هنا إلى "الهيدروجين الطبيعي" الذي قد يكون نادرا وموجودا في الرواسب الجوفية. من جانب آخر، إن أقدم طريقة لإنتاج الهيدروجين هي تحويل الفحم إلى غاز ويسمى الغاز المتولد عن طريق التغويز Gasification - أو تحول الفحم للحالة الغازية أو غاز اصطناعي Syngas - وحينها يمكن فصل الهيدروجين عن العناصر الأخرى باستخدام أغشية خاصة، ويعرف "بالهيدروجين البني أو الأسود" اعتمادا على نوع الفحم المستخدم، ولكن هذه العملية شديدة التلوث حيث لا يمكن إعادة استخدام كل من أول وثاني أكسيد الكربون بل يتم إطلاقهما في الغلاف الجوي. ويأتي معظم الهيدروجين في الوقت الحاضر من الغاز الطبيعي، وهو مرتبط بالكربون ويمكن فصله عن طريق عملية تسمى "إعادة التشكيل بالبخار"، ولكن الكربون الزائد يولد ثاني أكسيد الكربون ويطلق عليه "الهيدروجين الرمادي" عندما لا يتم احتجاز فائض ثاني أكسيد الكربون. والهيدروجين الرمادي يمثل حاليا معظم الإنتاج، وأما لكونه رمادي اللون فهي للإشارة إلى أنه تم تصنيعه من الوقود الأحفوري دون إطلاق الغازات الدفيئة ولكن يختلف عن الهيدروجين البني أو الأسود في حجم الانبعاثات المتولدة. ويمكن أيضا تحويل الكتلة الحيوية Biomass لإنتاج الهيدروجين عبر التغويز أو عملية التحول الغازية المذكورة آنفا لكن يعتمد على نوع الكتلة الحيوية وعلى استخدام تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه Carbon capture and storage، وصافي انبعاثات الكربون هنا أقل بكثير من الهيدروجين الأسود أو البني أو الرمادي. أما "الهيدروجين الأزرق"، فيحرر حينما يتم التقاط الانبعاثات الناتجة عن عملية إصلاح البخار Steam reforming process وتخزينها تحت الأرض عن طريق احتجاز الكربون وتخزينه، حيث لا يتشتت في الغلاف الجوي. وفي الأغلب ما يعد الهيدروجين الأزرق مصدر طاقة محايدا كربونيا، على الرغم من أن صيغة الكربون المنخفض كيميائيا ستكون أكثر دقة لأنه لا يمكن احتجاز 20 في المائة تقريبا من ثاني أكسيد الكربون المنتج. وعندما يتم حجز الكربون، فإن هذا يخفف من الآثار البيئية والاستفادة الصناعية، لذلك نرى الاهتمام نحو إنتاج الهيدروجين الأزرق بواسطة عملية مصاحبة تدعى احتجاز الكربون وتخزينه واستخدامه Carbon Capture Usage and Storage. وهناك طريقة قيد التجربة حاليا لاستخلاص الهيدروجين من الغاز الطبيعي حيث يمكن أن يتحلل الغاز في درجات حرارة عالية جدا لتوليد الهيدروجين والكربون الصلب (منتج ثانوي) بواسطة عملية تسمى الانحلال الحراري للميثان. وهنا يشار إليه "بالهيدروجين الفيروزي" أو "الهيدروجين منخفض الكربون" ... يتبع.