مرتاد المساجد لابد أن يكون حسن المظهر وطيب الرائحة
أكد الشيخ محمد بن صالح الخزيم مدير المعهد العلمي في البكيرية, أن المساجد أماكن يشع فيها نور النبوة، ويلتئم فيها صف الأمة، منزهة عن كل لغو ودنس، ومحفوظة من كل ضرر، ملكها بين المسلمين مشاع، وحقها عليهم المحبة والإكرام، وعمارتها بصالح الأعمال: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ [التوبة:18]، والمساجد من أحب البلاد إلى الله، وأشرفها منزلة، من أحبَّها لأجل الله كان حبه لها دينا وعبادة، وربحا وزيادة، ومن تعلق قلبه بها أظله الله تحت عرشه يوم القيامة. صيانتها عند الأدناس قربة، وتنظيفها طاعة، وتطييبها عبادة. أرأيت حال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما رأى نخامة في جدار المسجد تغير وجهه، منكراً ذلك الفعل وآمراً بإزالته. ومن عظيم فضل العناية بالمسجد أن جارية دخلت الجنة بسبب كنسها له, غير أن واقع كثير من المساجد الآن تشكو حالها، وتبكي مآلها، لقلة وعي أكثر أهلها بأحكامها وآدابها. فهذا يرتادها بلباس نومه، وذاك بثوب حرفته، وآخر ببنطال كرته، ورابع بكريه رائحته، وخامس بسوء فعله، كل هذا يدل على عدم الاحترام والتقدير للمسجد وللمصلين, ففي الحديث "من أكل الثوم والبصل فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" أخرجه البخاري ومسلم، فاربأ بنفسك عن أذية إخوانك المصلين وملائكة الله المقربين.
وأضاف: "إن حسن المظهر وجميل الملبس، وطيب الرائحة مطالب إسلامية رغب الشارع فيها عند أداء الصلاة وعند حضور الجمع والجماعات "يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ" [الأعراف:31]. أيضاً أفرأيت لِم شُرع السواك عند الصلاة لأنه مطهرة للفم ومرضاة للرب. إذاً يجدر بالمؤمن أن يصرف شيئاً من زينته لله ـ سبحانه وتعالى ـ وذلك عند الوقوف بين يديه فيأتي إلى عبادة ربه على أحسن حال.
وقدوتنا في ذلك نبينا محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث كان يلبس أحسن لباس ويتعطر بأزكى رائحة بل كان عبق طيبه يفوح في طريقه، وقد أخذ بهذا المبدأ خير القرون من بعده فنهجوا نهجه، وسلكوا هديه، فعظموا الدين فأعلى الله شأنهم وأبقى ذكرهم فلنا مع أولئك الرجال الأفذاذ وقفات لمعرفة واقع المساجد في نفوسهم ومكانة الصلاة في قلوبهم لنقيس حالنا بحالهم، فنلتزم نهجهم ونحذر مخالفتهم. فقد قيل: وأقدم هذه الوقفات لأهل القلوب الحية، والنفوس الزكية، والآذان الصاغية للاحتذاء والاقتداء والاهتداء. والله المستعان وعليه التكلان.
الوقفة الأولى: منزلة الطيب عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم
الطيب من كل شيء هو مختار الله ـ سبحانه وتعالى ـ لهذا فطر الناس عليه، وجمع أطيب الأشياء لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم، فله من الأخلاق والأعمال أطيبها وأزكاها، ومن المطاعم أطيبها وأزكاها، ومن الروائح أطيبها وأزكاها. لذا كان من أخلاقه التطيب، يحبه ويكثر منه بل هو إحدى محبوباته الدنيوية ففي الحديث "حُبب إلي من الدنيا، النساء والطيب، وجُعلت قُرة عيني في الصلاة" رواه أحمد وصححه الألباني.
الوقفة الثانية: طيب المساجد
أخي المصلي: اعلم أنه كلما شرف المكان وطاب كان أولى أن يُشرف ويحترم، ولما كان الطيب والبخور من علامات الإكرام والتشريف كان حريّا أن نجدها في أماكن العبادة فهي أولى بالشذا، وأحرى بالندى، وكيف لا، والمسلم مأمور بأن يأخذ زينته عند كل مسجد "يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ" الأعراف:31.
فالمساجد أماكن عامة، تؤدى فيها أعظم عبادة، فهي في حاجة إلى كل عناية ورعاية، لتؤدي النفس عبادتها وهي مقبلة بخشوع وطمأنينة.
أرأيت آكل الثوم والبصل لما آذى المصلين برائحته أمره الشارع بالخروج من المسجد تعزيراً له. إذاً طلب الرائحة الطيبة للمسجد مطلب رفيع. وغاية مقصودة في دين الإسلام. فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت "أمر رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب " رواه الخمسة إلا النسائي ورجاله ثقات. والدور: هي الأحياء. وعند ابن ماجة "واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمّروها في الجُمع" المطاهر: محال الوضوء. والتجمير: هو التبخر لها.
وتطييب المساجد عام لكل أحد من إمام ومؤذن وغيرهما، وإن أُوكل الأمر لأحد كان أفضل وأكمل. والتطيب يكون بعود البخور أو الندى وغيرهما مما هو مستحسن عُرفاً، وسواء كان مما يتبخر به أو يرش رشاً أو غيرهما فالمقصود هو جلب الرائحة الزكية. وهذه الخصلة غابت عن كثير من المصلين، وبعض الأئمة والمؤذنين مع أنها قربة وعبادة وطاعة.