إعاقتنا وتأهيلنا .. نبني فوق ما عملوا
"في السير دائما رغبة .. وفي الطريق دائما عثراث .. وفي النهاية دائما هدف .. وفي الطريق أمل لا ينضب .. وثقة لا تتزعزع .. وتصميم لا يتهاون .. وللهدف كثير من العرق .. وكثير من الجهد .. وكثير من الاحتمال ..".
مقتطفات من أول مقال للزميلة خيرية السقاف نشر قبل قرابة 30 عاما في صفحات جريدة "الرياض". أضع هذه المقتطفات في الصفحة اليمنى من كتاب الإعاقة والتأهيل المزمع نشره مطلع الأسبوع المقبل في مدينة الرياض خلال الفترة من 22 إلى 26 آذار (مارس) 2009. تشكل هذه المقتطفات في مجملها خريطة طريق النجاح يمكن توظيفها للوصول إلى هدف من الصعب تحقيقه دون وجود رغبة ومواجهة عثراث.
وفي الصحفة المقابلة من كتاب الإعاقة والتأهيل نجد مجموعة من الإحصاءات الديمغرافية عن المملكة العربية السعودية. 24 مليون نسمة، و43 في المائة تحت سن 15 عاما، و3 في المائة فوق 65 عاما، و83 في المائة يعيشون خارج المدن الرئيسة.
تحتضن هذه الإحصاءات إحصاءات أخرى من فئة من بني جلدتنا شاء الله ـ سبحانه وتعالى ـ امتحانهم في الدنيا لتعظيم أجرهم في آخرتهم ألا وهم ذوو الاحتياجات الخاصة. تشير إحصاءات البنك الدولي ومصلحة الإحصاءات العامة إلى أن السعودية تحتوي على ستة أنواع من أنواع الإعاقة.
إعاقة بدنية (34 في المائة)، بصرية (30 في المائة)، سمعية (11 في المائة)، عقلية (10 في المائة)، نفسية (3 في المائة)، ومشتركة (12 في المائة). تتركز معظم هذه النسب في فئات عمرية مختلفة, فالبدنية والسمعية فيمن هم فوق 60 عاما، والبصرية والنفسية في فئة 25 إلى 60 عاما، والعقلية والمشتركة في فئة 3 إلى 13 عاما.
تشكل الصفحة اليمنى، خريطة الطريق، والصفحة المقابلة، الإحصاءات الديمغرافية، من كتاب الإعاقة والتأهل أرضية انطلاق نحو المشاركة بفاعلية في تنمية مشاركة هيفاء، ومحمد، وإخوانهما وأخواتهما في استدامة المجتمع السعودي.
هذه الأسماء أسماء حقيقية لفئة عزيزة على قلب كل مواطن ومواطنة. جمعت هذه الأسماء الإعاقة وفرقتها أدوارها التي تشارك بها في استدامة المجتمع السعودي وصفات تمثيلها.
هيفاء معلمة للغة العربية أكملت قرابة 20 عاما في تربية أجيال من بناتنا داخل قاعات التعليم العام. أصيبت هيفاء وهي في سن الطفولة بشلل أطفال أعاقها عن الحركة الطبيعية داخل مجتمعها, علاوة على فقدها حنان الأبوة بعد وفاة والدها. ورزقها في الوقت ذاته والدتها التي وظفت كل طاقاتها في سبيل تأهيل هيفاء لإكمال مشوارها التعليمي العام والجامعي ومن ثم مشوارها التربوي حتى أضحت معلمة أجيال في إحدى مدارس التعليم العام في مدينة الرياض.
أما محمد فهو موظف قيادي في إحدى المؤسسات المالية السعودية الشهيرة. شاء الله بعد إكماله السنة التحضيرية في إحدى الجامعات السعودية أن يلبي دعوة قريب له في حضور حفل زواجه في إحدى المناطق القبلية جنوب المملكة, لم يدر بخلد محمد أن رصاصة من رصاصات احتفال زفة العريس أن تسكن أسفل ظهره بطريق الخطأ, ما أجبرته على البعد عن مقاعد الجامعة قرابة ثلاثة أعوام ليعود من جديد, ولكن هذه المرة مع ضيف لصيق عبارة عن كرسي متحرك. رزق الله محمد الصبر والسلوان في متابعة تعلمه ومن ثم التدرج الوظيفي إلى أن أضحى في مركز قيادي في مؤسسة مالية يشارك زملاءه التنفيذيين في إدارة دفة المؤسسة.
لم يكن طريق هيفاء ومحمد مفروشا بالورد, حتى وصلا إلى ما هما عليه الآن. فقد صادفتهما عثرات جسام تمثل معظمها في عدم جاهزية محيطهما التعليمي والعملي إلى استيعاب إعاقتيهما بتأهيل بيئة التعليم والعمل التأهيل الشامل لضمان انسياب حركتهما.
وعلى الرغم من ذلك إلا أن هيفاء ومحمد يعدان أنموذجين لمجموعة ليست بالقليلة من أبناء الوطن وبناته, شاء الله أن يمتحنهم في دنياهم بإعاقة بدنية. وهما يمثلان أنموذجين ناجحين من نماذج ذوي الاحتياجات الخاصة, اللذين حظيا بدعم مكنهما من أداء دورهما بفاعلية. يقودنا هذا الدعم إلى أهمية شمول الدعم ليس معظم ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن جميعهم بلا استثناء دون أي مبررات لعدم شمول الجميع في دعمهم وتأهيلهم للمشاركة بفاعلية في استدامة المجتمع السعودي.
هذه الفئة التي تعد واقعا ملموسا يأتينا جزء من أخبارهم من دراسة علمية نشر العام الماضي في مجلة الإعاقة والتأهيل العملية لمجموعة من الباحثين في مستشفى القوات المسلحة في الهدا ـ الطائف.
هدفت الدراسة إلى تفنيد مراحل تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة في السعودية من خلال دراسة حالات قسم التأهيل الطبي في المستشفى خلال الفترة من 1999 إلى 2005. توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج المهمة في هذا الشأن.
من أهم النتائج أن إصابات العمود الفقري تشكل الإصابات الأكثر شيوعا في السعودية, وأن هذه الإصابات تتمركز في الذكور دون الإناث ذوي الفئة العمرية بين 16 و45 عاما. وأن 73 في المائة من هذه الإصابات تنتج عن إصابة صاحبها بشلل رباعي يعوقه عن أداء دوره بشكل طبيعي.
صفحتي كتاب الإعاقة والتأهيل، خارطة الطريق والإحصاءات الديمغرافية، وقصة هيفاء ومحمد وزملائهما في مستشفى القوات المسلحة في الهدا، الطائف، جزء يسير من مجموعة من المحاور التي سيتداولها المحاضرون في المؤتمر الدولي الثالث للإعاقة والتأهيل الأسبوع المقبل في مدينة الرياض بعون الله تعالى تحت رعاية كريمة من الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، الرئيس الأعلى لمؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية.
يتناول هذا المؤتمر الذي تنظمه مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية، ومركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة، وجمعية الأطفال المعوقين، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة الصحة، ووزارة التعليم العالي, ووزارة التربية والتعليم، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، والغرفة التجارية الصناعية في الرياض. قضية البحث العلمي في مجال الإعاقة والتأهيل.
يهدف المؤتمر إلى استعراض واقع البحث العلمي في مجال الإعاقة والتأهيل "محلياً، وإقليمياً، وعالمياً، واستشراف مستقبله، وتأصيل وتفعيل ثقافته، وتعميق مفهوم الشراكات والتعاون محلياً وإقليمياً وعالمياً. يستهدف المؤتمر العلماء، والباحثين، والمختصين في مجالات الوقاية من الإعاقة والرعاية والتأهيل، ومقدمي الخدمات المعوقين وأسرهم والمهتمين بقضاياهم، والداعمين والمساندين لقضية الإعاقة. وذلك من خلال الاستطراد في مجالات شتى من أهمها المجالات: الصحي، التربوي، الاجتماعي، النفسي، تدريب وتأهيل وتوظيف المعوقين، والمجال التثقيفي والإعلامي. وسيصاحب المؤتمر ورش عمل، ولقاءات الدائرة المستديرة، ومعرض للكتب المتخصصة، والأجهزة والتقنيات الحديثة ذات الصلة، ونشاطات اجتماعية وسياحية، واتفاقيات وشراكات.
ومع خالص الدعاء بالتوفيق للقائمين على المؤتمر في تحقيق أهدافه وبلوغ آفاقه، فلعله من المناسب تقديم ثلاثة اقتراحات قد تسهم في إضفاء قيمة ولو متواضعة نحو استدامة الجهود.
الأول أن يتم بناء مركز أبحاث متخصص يوحد جميع الجهود البحثية في هذا الجانب بحيث يكون المركز في متناول جميع الفئات المستهدفة من المؤتمر. والثاني تدشين مؤشر التأهيل. وهذا مؤشر يهدف إلى قياس نمو عملية تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة. والثالث جائزة التأهيل. وهذه جائزة رمزية سنوية تمنح للمؤسسات التي تسجل أعلى نسبة من الجاهزية في تأهيل منشآتها لاستيعاب ذوي الاحتياجات الخاصة.
إنه من الأهمية بمكان إضافة الجديد إلى الجهود السابقة في مجال التأهيل والإعاقة انطلاقا من مقولة المؤسس ـ طيب الله ثراه ـ عندما وجه مقاول بناء مدخل قصر المربع بتعديل بيت الشعر الشهير المنقوش على المدخل "نبني كما كانت أسلافنا تبني ونعمل مثلما عملوا" إلى "نبني كما كانت أسلافنا تبني ونعمل فوق ما عملوا". والفرق بين كلمتي "مثل" و"فوق" ما زلنا بحمد الله وتوفيقه نجني ثماره اليوم والغد بعون الله وتوفيقه.