رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


"دكترة" الموظفين وغش العقول

تثار اليوم بقوة وبجدية قضية المؤهلات العالية "المضروبة" خاصة منها شهادات الدكتوراة، التي بات الحصول عليها أسهل وأيسر من الحصول على الدكتوراة الفخرية في هذا الزمان، وزاد من إثارتها أخيرا التصريح المهم لمعالي الدكتور خالد العنقري وزير التعليم العالي حول تعقب وزارته أكثر من 60 شخصا يشك في حملهم شهادات مزورة، وما خفي كان أعظم، وهذا ليس إلا قمة جبل الجليد المخيف، وهو ما أخرج صحفياً عتيقاً مثل الكاتب والأديب الأستاذ عبد الرحمن المعمر عن صمته ليكتب في جريدة "الجزيرة" قبل أسبوعين وبمرارة شديدة حول هذا الموضوع بسخريته اللاذعة وصراحته الصادقة والعفوية ويطالب بالمحاسبة والمتابعة حتى لا يتحكم في مصير ومصالح البلد حملة شهادات مزورة أو مضروبة بشكل أو بآخر.
هذه قضية تحتاج إلى مزيد من الطرح والكشف والمحاصرة، لأنها وببساطة شديدة عملية غش في العقول، وهي أشد خطرا من الغش التجاري، خصوصا بعد نشر قائمة أمريكية العام الماضي عدد كبيرا من حملة الدكتوراة المزورة من جامعات أمريكية معظمهم من دول الخليج، فخطر هذا النوع من الغش يكمن في أنه يوصل أشخاصا غير مؤهلين لمناصب ومواقع قيادية يديرون من خلالها الشأن العام، ومثل هؤلاء ضررهم أفدح.
مما يثير المخاوف فعلا والشكوك حول حقيقة هذه المؤهلات العالية هو أن ظاهرة "الدكترة" باتت تلفت النظر في السنوات الأخيرة، خصوصا بين فئة الموظفين الذين زادت نسبة حصولهم على هذا المؤهل العالي وهم على رأس العمل، حتى باتوا ينافسون منسوبي الجامعات في ذلك، وبقدر ما في هذه الظاهرة من إيجابية، بقدر ما فيها من محاذير وعلامات استفهام حول مدى تطابق مؤهلاتهم العالية مع المعايير العلمية، خصوصا أن بعضهم يحصل عليها عن طريق الانتساب، وما يعرف هو أن دراسة الدكتوراة تحتاج إلى تفرغ تام وبحث معمق له معاييره العلمية، وليس مجرد بحث إنشائي لا يحمل في طياته نقاشا لقضية وطرح علمي موثق.
مسألة حصول الموظف على مؤهل دكتوراة وهو على رأس العمل وبطريق الانتساب تحتاج إلى عملية تدقيق ومراجعة فعلا، خصوصا أن "الدكترة" زادت وشاعت في السنوات الأخيرة بين قطاع الموظفين، وهذا حقهم، ولكن علينا أن ندقق في مدى حقيقة هذه المؤهلات التي يحصل عليها بالانتساب وعن بعد وفي مواضيع سردية لا قيمة لها ولا فائدة منها، فالقضية هنا هل هذا الموظف استوفى الشروط والمتطلبات العلمية أم لا..؟
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل سعي هذه الفئة من الموظفين للحصول على مؤهل عال هو لغرض علمي أم لغاية وظيفية..؟
خلال العقود الأخيرة برز عرف وظيفي يقصر تولي المناصب العليا على حملة المؤهل العالي، وهو ما دفع بمن لديه طموح، وهو حق مشروع، للسعي لحمل مؤهل الدكتوراة الذي يتيح له تولي المنصب الرفيع، ولا اعتراض على ذلك، ولكن لا بد من تدقيق علمي لحقيقة كثير من هذه المؤهلات والطرق التي تمت بها، فلا يجب أن يكون الهدف والغاية هو فقط مجرد نيل شهادة دكتوراة ورقية لا تساوي قيمة الحبر الذي طبعت به، لتكون جواز مروره للمنصب الرفيع الذي يطمح إليه والذي قصر على حاملي المؤهلات العالية، فنحن نعرف أن الحصول على مثل هذه المؤهلات بات سهلا وميسرا من عدة جامعات من هنا وهناك، ومتطلبها الوحيد بحث أو رسالة يقوم الراغب فيها بتأمين المعلومات المطلوبة، وهناك متخصص يصيغ الرسالة بطريقة علمية بصرف النظر عن جودة مضمونها، وما على المتقدم إلا حفظها والتدرب على مناقشتها ليتم له بعد ذلك حمل حرف الدال مع مرتبة شرف، وهنا المصيبة، فعندما يصبح المؤهل وسيلة وليس غاية، ويتم نيله بمثل هذه الطرق الذي ظاهرها النظامية وباطنها غش فواح، تصبه هذه الطرق من ضمن عمليات التزوير، فكم منا من يحمل مثل هذه المؤهلات المضروبة حتى لا أقول المزورة..؟
وهنا يجب أن نفرق ما بين موظف يبتعث للحصول على مؤهل عال فيما تحتاج إليه طبيعة العمل وفي دراسة محددة ومستوفية كامل الشروط العلمية، وبين آخر يحصل على مجرد موافقة من جهة عمله لنيل المؤهل وهو يمارس عمله عن طريق المراسلة، فالأول يخدم بلا شك العمل ويثريه، والآخر يحقق مصلحة وظيفة له فقط، ولهذا لا نستغرب أن نعاني قصور جهات عديدة وانعدام إيجاد حلول للمشكلات على الرغم من تكدس حملة "دال" من نوع أي كلام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي