موارد التأمين العالمية بدأت "تنضب" .. خسارة الوظائف وتدهور ربحية الشركات
أوضح الدكتور ليدر أرنولدسن الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لمجموعة ميونيخ ري الألمانية، أن الخسارة الأكبر التي تلقاها قطاع التأمين في العالم، تتمثل في تراجع حجم صفقات التأمين الجديدة جراء خسائر الشركات العالمية في مختلف القطاعات وتوقف أنشطتها التوسعية وفقدان المزيد من الموظفين، ما يعني أنها خسائر ليست مرتبطة بأزمة الرهون.
وقال أرنولدسن الذي يرأس واحدة من أعرق شركات التأمين الأوروبية والعالمية على الإطلاق، إنه رغم أن قطاع التأمين تلقى "الصفعة الثانية" للأزمة العالمية بعد القطاع البنكي، خاصة بالنسبة لتلك الشركات التي كانت تعمل خارج نشاطها الأساسي وارتبطت بالقطاع المالي الأمريكي، إلا أن خسائر شركات التأمين في بقية دول العالم تركزت على تراجع ونضوب مواردها المالية بفعل توقف نشاط الشركات التوسعي، مما تسبب للكثير منها بخسائر مؤلمة.
وتحدث الرئيس التنفيذي أرنولدسن في حوار له مع "الاقتصادية" عن سوق التأمين السعودية، واصفا إياها بـ "الواعدة" وإن كانت لا تغطي جوانب كثيرة في مجال التأمين، وأنها لا تشكل سوى واحد في المائة من الناتج المحلي وفق بيانات 2007، معتبرا أن هذه النسبة متدنية جدا قياسا بحجم النشاط التجاري والاقتصادي الذي تنتجه السعودية.
وقال: "لقد أجرينا خلال زيارتنا للمملكة عددا من اللقاءات التي تستهدف تنفيذ مشاريع مشتركة لتعزيز نشاط التأمين في السوق السعودية سواء في قطاع الطاقة أو الصحة أو القطاعات الأخرى، وننتظر أن تتم بلورة نتائج هذه اللقاءات على أرض الواقع قريبا". إلى الحوار:
هل يمكن أن نطلع أولا على السبب الرئيس لزيارتكم السعودية ؟
الحقيقة أن الزيارة تأتي في إطار تعزيز وجودنا في السوق السعودية التي تعتبر من أهم وأنشط أسواق المنطقة حاليا، ولا تزال يحتاج إلى الكثير من العمل .. ونحن في سوق المملكة منذ نحو 60 عاما، ولكننا ننشط مع المؤسسات الحكومية والشركات الكبرى.
كما أنني هنا في المملكة، للقاء العديد من الشركاء السعوديين في مجال التأمين والبحث في عقد شراكات عمل جديدة، خصوصا أن المملكة مقبلة على مشاريع ضخمة في مجالات مهمة كالمشاريع النفطية والبني التحتية، ومشاريع الطاقة والنقل هوي مشاريع بحاجة إلى برامج تأمين.
نهدف بصورة أساسية لتأمين الطاقة في السوق السعودية والتعريف بسوق تأمين الطاقة العالمية وتطوراتها وأهمية إعادة التأمين بشكل عام فيما يتعلق بهذا النوع من التأمين، إضافة إلى تعريف العملاء الكبار بطبيعة العلاقة الوثيقة بين مجموعة ميونيخ ري وشركات التأمين السعودية.
المخاطر التي يتعرض لها قطاع الطاقة في العالم تشكل الهاجس الأكبر لدى الدول المنتجة خاصة أن خسائر هذا القطاع بسبب المخاطر تراوح بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار سنويا ويعد عام 2005 هو الأسوأ في تاريخ هذا القطاع حيث ارتفع حجم الخسائر إلى أكثر من 15 مليار دولار نتيجة إعصاري كاترينا في الولايات المتحدة الأمريكية في المقابل يراوح حجم اشتراكات سوق تأمين الطاقة في العالم بين 2 و3 مليارات دولار سنويا.
كيف تقيمون سوق التأمين في المملكة؟
هناك الكثير من الحراك ولكنه لا يزال دون المستوى خصوصا إذا ما علمنا أن المملكة شرعت أخيرا في تطبيق التأمين على قطاعات جديدة كالقطاع الصحي.. ولكنني ومن واقع تفحص بسيط لا تزال ثقافة التأمين على الأعمال التجارية والتنقل والبضائع ضعيفة مقارنة بدول العالم المتقدم وبدول أخرى مجاورة، لذلك هناك فرصة للعمل نعمل على تحقيقها مستفيدين من الريادة التي تتمتع بها الشركات في مجال التغطية التأمينية من حول العالم.
وقعت شركة ميونخ ري في السوق السعودية خلال السنوات الماضية عقودا ضخمة ومهمة مع شركات تأمين سعودية رائدة، منها توقيع عقود مع شركة التعاونية للتأمين تتضمن توفير عقود تأمين الطاقة بمبلغ يصل إلى 100 مليون دولار لصالح شركة التعاونية للتأمين وعقد مع شركة التأمين الأهلية للتأمين التعاوني وذلك من أجل قيادة برامج إعادة التأمين الخاصة في شركة التأمين الأهلية، وعقود أخرى متنوعة لا أستطيع الكشف عنها، إلا أنها تؤكد نضج العلاقة بالسوق السعودية، التي تمتد عدة سنوات والتي تأسست على درجات من الوعي والخبرة والاحترافية, وعلاقتنا مع شركات التأمين السعودية تحقق وظائف مهمة لسوق التأمين السعودية حيث ينظر إلى تلك العلاقة على أنها أداة لإدارة الخطر فنيا وماليا وخدماتيا.
تقدم العديد من شركات التأمين السعودية خدماتها التأمينية بصورة متطابقة مع الشريعة الإسلامية, هل طورتم أعمالكم في هذا الاتجاه؟
تسعى الشركة لتعزيز وجودها في السوق الخليجية من خلال منتجات مالية إسلامية جديدة طورت لهذا الغرض، وقد شرعنا في تقديم خدمات تأمينية وفقا للمبادئ والأحكام الإسلامية بعدما حصلت على ترخيص بذلك من بنك نيجارا الماليزي، كما أننا تحركنا لتقديم بوالص التأمين الإسلامية في إطار صندوق استثمار مشترك يطلق عليه صندوق التكافل والذي يتفادى ربح الفائدة وأشكال المخاطرة التي تحظرها الشريعة الإسلامية.
والمعروف أن شركات إعادة التأمين تساعد شركات التأمين من خلال توزيع أعباء المخاطر على العديد من الأنشطة، وشهدت الفترة الأخيرة إقبالا ملحوظا من مؤسسات مالية عالمية كبرى على تقديم منتجات وأدوات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية لجذب أموال المستثمرين المسلمين.
إلى جانب أن الشركة عرضت على عملائها في شركات التأمين في ماليزيا تأمينا على الحياة فضلا عن بوالص تأمين أخرى، ومن هنا فإننا نسعى لتوسيع خدماتنا التأمينية الإسلامية في دول أخرى في جنوب شرق آسيا والهند والشرق الأوسط، ومنها بالتأكيد المملكة.
#2#
هل لديكم أية بحوث أو دراسات عن السوق المحلية في المملكة؟
نعم نقوم ببعض الأبحاث في هذا الشأن، وتشير في مجملها إلى أن هناك فرصا واسعة تحتاج إلى نشاط أوسع، وهو ما نقوم به الآن، وكما تحدثت سابقا هناك مشاريع ضخمة وأعمال كبيرة تحدث والتأمين ركيزة أساسية في دعمها، كنا من أوائل الشركات المتعاملة مع شركات التأمين السعودية وسنظل نحرص على تطوير تلك العلاقة.
دعنا نتحدث قليلا عن وضع شركة "ميوينخ ري" المالي اليوم في السوق العالمية.
الأرباح الصافية التي جرى تحقيقها خلال 2007 تجاوزت كل التوقعات، حيث بلغت 3.9 مليار يورو، وفي مجال التأمين المباشر فقد سجلت شركات التأمين المملوكة من مجموعة ميونيخ ري نمواً جيداً ولاسيما في ألمانيا، حيث حققت شركة أرغو ERGO نمواً نسبته 3.7 في المائة وارتفعت أقساطها المكتتبة إلى 1.9 مليار يورو، كما تشير النتائج إلى أن الإقبال على البوالص الاستثمارية في مجال التأمين على الحياة والتقاعدLIFE INVESTMENT And PENSION مستمرة بقوة حتى أتت الأزمة العالمية والركود الذي نعيشه اليوم..وهو ما أعاق العمل قليلا.
لذلك خفضنا توقعات النمو لعام 2009، بعد تخفيضنا لبعض الأصول في الربعين الثالث والرابع من 2008 بفعل تراجع النشاط التأميني، ونتوقع أن يستمر الركود في أعمالنا في الأسواق المهمة في العام الجاري إلا أنه من الؤكد أن النشاط سيعود لسابق عهده.
على الصعيد العالمي، أين يقف قطاع التأمين العالمي اليوم بعد مرور شهور على تلقيه أول ضربات الأزمة المالية العالمية؟
نعم .. لقد كان قطاع التأمين ثاني القطاعات في العالم تأثرا بالأزمة بعد القطاع البنكي ومن ثم يليه قطاع السيارات، وتلك الرؤية تنطبق بصورة أكبر على أوروبا وأمريكا في المقام الأول، خصوصا تلك الشركات التي كانت تعمل خارج نطاق نشاطها الحقيقي وكانت تتاجر وتضارب المشتقات والأوراق المالية، والحقيقة أن الخسارة الأكبر التي تلقاها قطاع التأمين في العالم، هي بفعل خسائر الشركات العالمية، والتي نتج عنها فصل الموظفين، وتوقف الأنشطة التوسعية، وإغلاق بعضها، ما يعني تعطيلا لموارد شركات التأمين الأساسية.
هل يعني ذلك أن هناك مشكلة في السيولة يعانيها قطاع التأمين؟
هذا غير صحيح.. شركات التأمين في العالم لا تعاني نقصا في السيولة بقدر ما تعاني نقصا في الأنشطة والمشاريع الجديدة التي ترغب في التأمين عليها والعمل معها.. هناك نقص في السيولة ولكنها ليست مشكلة.. شركات التأمين بحاجة إلى التركيز على نشاطها الحقيقي، ومتى ما فعلت ذلك وتخلت عن العمل في الأسواق الأخرى، فإنها ستحقق النتائج الطيبة باستمرار.
ذلك يقودنا إلى القوانين والأنظمة المحركة لقطاع التأمين..كيف تجدونها؟
هذا سؤال مهم جدا, خاصة أن العالم الآن يتحدث عن إعادة صياغة النظام المالي العالمي، من خلال تطوير أساليب الرقابة وإدارة المخاطر، ولعل هذا ما ستركز عليه قمة لندن المقبلة..ومن هنا فإنني أرى أن على تلك القمة أيضا بحث تطوير الأنظمة الخاصة بقطاع التأمين، وعمل الشركات في هذا المجال، والتي تحتاج هي أيضا إلى مزيد من المتابعة والتركيز..ولنا فيما حدث لشركات أمريكية عملاقة مثال على ذلك.
بالتأكيد أن تطوير النظام المالي العالمي بحد ذاته سيكون مشجعا للخروج من الأزمة التي عصفت بكل مناحي النشاط الاقتصادي في العالم..استمرار خسارة العالم للمزيد من الوظائف والشركات الرابحة يعني أن شركات التأمين تخسر أيضا.
انتفضت الحكومات في العالم الغربي في أمريكا وأوربا لإنقاذ الشركات..ما هو رأيكم في تأثير الأموال الحكومية في الاقتصاد الحر؟
مساعدة الحكومات للقطاع المالي المتأثر الأول من الأزمة..وللقطاعات الأخرى المرتبطة بها أمر حتمي في المرحلة الراهنة، رغم ماله من أضرار..ولكن لا شك أن الأموال الحكومية ستكون مهمة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ويساعد ذلك الاقتصاد الكلي بصورة ما.. ولكن وجود الحكومة مع شركات دون أخرى له مساؤه منها تقليل المنافسة بين الشركات، إلى جانب أن الأموال السيادية تأتي بمزيد من القيود التي تمنع الشركات من التوسع، والتحرك بحرية، ولكنني أعتقد أيضا أن المراقبة الحكومية تحسن من الأداء .. لكن دعني أضيف شيئا مهما وهو أنه في النهاية على الحكومات أن تبقى بعيدا عن إدارة القطاع الخاص، وأنا هنا أيضا أشدد على خطورة عودة الحمائية التجارية التي قد تمارسها بعض الدول في ظل الأزمة الراهنة.