قبلوا جبين من ودعهم

خلال الأعوام الخمسة الماضية شهدت منطقة الخليج حركة مكثفة لأصحاب رؤوس الأموال ومشاريعهم الصناعية والخدمية وغيرها من المشاريع التي تنقلت من دولة خليجية إلى أخرى بحثا عن البيئة المناسبة لتشغيل خطوط إنتاجها. ولقد نجح الفريق الاقتصادي الشاب في دبي خلال تلك الفترة في تأمين أفضل بيئة لجذب الاستثمارات المباشرة ورؤوس الأموال العربية والأجنبية.
وما قدمته دبي من تسهيلات إجرائية وأطر تنظيمية واضحة وسلسة لتأمين متطلبات المستثمرين ومشاريعهم كافة دون عناء وفي أقصر مدة ممكنة كان السبب الرئيسي خلف توجه مئات المليارات من الاستثمارات المتنوعة نحو الاقتصاد هناك. فكانت نتائج تهافت المستثمرين ورؤوس أموالهم على القطاعات المختلفة في اقتصاد دبي سريعة ومباشرة إلى أن اكتملت البنى التحتية على أعلى مستوى من التطور. والأجمل من ذلك أن الفريق الاقتصادي الشاب في دبي تمكن من بناء أفضل الطرق والمطارات وسكك الحديد والمستشفيات ومشاريع منتجة وأخرى ترفيهية برؤوس أموال مستثمرين من مختلف دول العالم وفي الغالبية خليجيون.
بالطبع سوف يكون هناك من يقول لي إن الاقتصاد في دبي وبسبب الطفرة العمرانية والزيادة السريعة في الاستثمارات خلال الأعوام الخمسة الماضية بات يعاني تضخماً تخطى 11 في المائة وارتفع الدين العام إلى ما يزيد على 70 مليار دولار. ولا ننسى أيضا أن أسعار الأصول عقارات وخلافه وأسعار الأسهم هبطت بما يقارب 71 في المائة و63 في المائة على التوالي. لكن في المقابل دبي أصبحت اليوم تمتلك بنية تحتية متطورة كلفت المستثمرين مئات المليارات وأصبح اقتصاد دبي مهيأ ليكون أول من سيستفيد في حال بدأ الاقتصاد العالمي في النمو مرة أخرى. وقبل الحديث عن الفرص المغرية التي أتاحتها الأزمة أمام الفريق الاقتصادي الشاب في دبي وما الحلول المناسبة للخروج من الأزمة، أود التذكير بأن الإمارات الشقيقة وافقت على ضخ عشرة مليارات دولار من خلال شراء نصف السندات التي ستطرحها دبي. أما بخصوص الفرص المتاحة الآن، ببساطة هي قيام دبي بشراء تلك المشاريع التي تم بناؤها بمئات المليارات من أموال المستثمرين الخليجيين والأجانب بعد أن فقدت 70 في المائة من سعر التكلفة وهي الآن تعرض بـ 30 سنتاً للدولار يا بلاش!!
أيضا هناك توقعات بأن ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية والدول الصناعية الكبرى من إجراءات وخطوات لإنقاذ اقتصادها سوف ينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد العالمي خلال السنوات الثلاث المقبلة. وفي حال سئلت عن وجهة نظري سأقول لذلك الفريق الشاب: استخدموا الأموال التي سيتم تجميعها خلال الأسابيع المقبلة مقابل طرح السندات كبذرة لإنشاء صندوق استثماري يستقطب مزيداً من رؤوس أموال مستثمرين جدد لشراء الأصول المتعثرة وبانتقاء. ثم بعد ذلك وعلى المستوى الوطني قد يكون الوقت الحالي مناسبا لأن يقوم هذا الفريق الاقتصادي بطرح اقتراح حول قيام الإمارات بفك ارتباط الدرهم مع الدولار. وفك ارتباط العملة بالدولار له مبررات عديدة من أهمها تجنب المصاعب المستقبلية التي قد تنتج عن قيام أمريكا مجبرة بسبب الديون المتراكمة ووضع الاقتصاد الأمريكي بإجراء تخفيض حاد لقيمة الدولار. فأمريكا اليوم تعاني عجزاً تخطى 1.7 تريليون دولار ولا تزال تستدين بنهم شديد من الخارج وقبل نهاية العام الحالي أتوقع بدء رحلة انهيار سعر صرف الدولار، وهذا هو الإجراء المناسب لتشجيع الصادرات الأمريكية ومع مرور الوقت تتحرك عجلة النمو وتتوافر الوظائف في السوق الأمريكية.
وبالعودة لشباب فريق دبي الاقتصادي أقول: فك الارتباط في الوقت الحالي سيكون بمثابة كما يقول الأمريكان، توجيه ضربة مسبقة للتضخم المستقبلي والذي سوف يعاود الارتفاع جراء هبوط سعر صرف الدولار. فالكل يتوقع معاودة ارتفاع أسعار المواد الأساسية كالدواء والأغذية والمعادن بغض النظر عن سعر صرف الدولار حيث سيكون السبب الرئيسي لارتفاع أسعار المواد الأساسية هو ناتج عن الشح الحالي في مصادر التمويل. وفوائد فك الارتباط بالدولار لا تقتصر فقط كونها خطوة احترازية لمواجهة ارتفاع متوقع بنسب التضخم، بل ستساعد الإمارات وبالأخص دبي في جذب مزيد من رؤوس الأموال وهذه المرة نحو الصندوق الاستثماري المقترح. ففي حال صدقت التوقعات بتعافي الاقتصاد العالمي بعد ثلاثة أعوام حينها قد يرى القائمون على إدارة الصندوق الاستثماري المقترح بيع أصول الصندوق مرة أخرى وتحقيق أرباح طائلة، وحينها أيضا لن أطلب منهم سوى تقبيل جبين من ودع المستثمرين وأصحاب المشاريع خلال الفترة ما بين 2004 - 2012م.
وفي الختام أود التذكير بما فعله مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق وأيضا بما يفعله الهنود في الوقت الراهن. أبدأ بما فعله مهاتير محمد خلال منتصف الثمانينيات الميلادية حيث قرر منح اليابانيين فرصة امتلاك وتشغيل مشاريع البنية التحتية لمدة 15 عاماً تعود بعدها الملكية لحكومة ماليزيا. وفي ذلك الوقت أثارت تلك الخطوة غضب بعض الماليزيين، ولكنهم اليوم يفتخرون بمستوى البنية التحتية لوطنهم وكيف أنهم استطاعوا من الحصول عليها في الوقت المناسب وبتكلفة أقل، حيث تم بناء المشاريع قبل موجة ارتفاع تكاليف العمالة والمواد الأساسية التي بدأ صعودها منذ مطلع عام 2003م. أما في الهند فهناك جهود تبذل خلال الأشهر الستة الماضية لتسييل نسبة كبيرة من احتياطياتهم وتوجيهها كاستثمارات منتجة في الداخل لخلق فرص وظيفية وتطوير البنية التحتية. وفي الهند أيضا هناك توجه للقيام برفع مستوى الدين العام وتكوين صناديق مشتركة مع اليابانيين لبناء مشاريع حديد ومشاريع تقنية متطورة وكذلك لاستخدام جزء من تلك الأموال لتحسين المستوى المعيشي لفئات عدة في المجتمع الهندي من خلال تأمين الغطاء الطبي وإيجاد الفرص الوظيفية وتمويل الوحدات السكنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي