"ضحكتها صارت بيتي" .. مريد البرغوثي يلحق برفيقة دربه رضوى

"ضحكتها صارت بيتي" .. مريد البرغوثي يلحق برفيقة دربه رضوى
مريد البرغوثي.
"ضحكتها صارت بيتي" .. مريد البرغوثي يلحق برفيقة دربه رضوى
مريد ورضوى في فترة الشباب.
"ضحكتها صارت بيتي" .. مريد البرغوثي يلحق برفيقة دربه رضوى
"ضحكتها صارت بيتي" .. مريد البرغوثي يلحق برفيقة دربه رضوى
تركته رضوى يصارع ذكراها أينما ذهب، توفيت في نوفمبر 2014

وكأنه يرثي نفسه حين كتب "الموت حين يباغت الشعراء يستولي على أقلامهم، لكنه لا يأخذ الأوراق من عظمائهم"، غادر الأديب والشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي دنيانا، بعد أن اشتاق إلى رفيقة دربه رضوى عاشور، فلحق بها.
هو الذي كتب "كلما قالوا انتهى.. فاجأتهم أني ابتدأت"، وبنهايته ورحيله بدأت حالة حزن في العالم العربي، وبقيت كلماته خالدة في ذاكرة الأدب، وتوقفت بذلك سيرته المتعبة في المنافي.

المشتاق لرضوى

"الأمل ذروة اليأس، فيا صاحبي توجع قليلا.. توجع كثيرا.. فإن الأمل ذاته موجع حين لا يتبقى سواه".. في قصة مريد كثير من الأمل الموجع، فمنذ أن رأت عيناه النور في عام 1944، في قرية دير غسانة قرب رام الله، وهو يصارع الظروف والأزمات، فلم يتجاوز بضعة أعوام من عمره حتى شهد النكبة الفلسطينية، وحمل منذ نعومة أظفاره هموم وطنه على ظهره.
أجمل ما نظمه مريد كان لرفيقة الدرب رضوى عاشور، زوجته الروائية المصرية التي توفيت قبل ستة أعوام، تاركة شرخا عميقا في قلب مريد، ففيها أفاض بمشاعره، ولقيت كتاباته الرومانسية تداولا كبيرا، ولا سيما البيت الذي يقول فيه "أنت جميلة كوطن محرر، وأنا متعب كوطن محتل".
في تلك القصيدة "أنتِ وأنا" فصول من قصة أشهر ثنائي أدبي عربي، وتكملة قصة كان قد وثق جوانب منها في قصيدتيه اللتين تحملان اسم "رضوى"، الأولى في ديوانه "فلسطيني تحت الشمس"، والثانية في مجموعته الشعرية الشهيرة "طال الشتات".
كثيرا ما كتب لتلك الـ"الرضوى"، التي كانت سند العائلة ومستقر نبضاته، فأبدع كلما وصف حبيبته، لأن كلماته نابعة من صدق المشاعر، ومما كتب "يا رضوى.. إني والقمر والنجمات نسير إليك الليلة"، وكذلك "أنتِ حنونة كالرذاذ.. وأنا أحتاجكِ لأنمو!".
أما قصة زواجه برضوى عاشور، فهي صعبة وجارحة لمريد، فهو اللاجئ الفلسطيني الذي يعيش خارج وطنه، ولقي معارضة شديدة من أهل رضوى، ووثق ذلك كاتبا، "كم تساءلت إن كنت قد ظلمتها بالزواج مني وأنا بلا أرض تقلني، وبلا خطة واضحة بشأن مصيرنا الجغرافي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، رفض أهلها الزواج مني بالطبع.. كانوا على حق في رفضهم ارتباط ابنتهم الوحيدة بشاب غير مصري مصيره الشخصي معلق بمصير قضية فلسطين التي عجزت عن حلها الدول وأجيال الناس، لم ألمهم للحظة واحدة، لكنها أيضا لم تفكر للحظة واحدة في العدول عن قرارها. هكذا تعلمت الشجاعة ووضوح الإرادة من فتاة تصغرني بعامين، تعرف ما تريد وتذهب إليه مفتوحة العينين، بكل وعي، بكل هدوء، بكل شغف".
تكللت علاقة مريد ورضوى بالزواج، بعد أن انطلقت تلك العلاقة الرومانسية على درج مكتبة جامعة القاهرة، حينما سمعته يلقي قصيدة أمام زملائه وشعرت بكلماته تخترقها - على حد تعبيرها - وذلك أثناء دراسة مريد الأدب الإنجليزي، ولخص القصة بأكملها في جملته "في ظهيرة يوم 22 يوليو عام 1970 أصبحنا عائلة، وضحكتها صارت بيتي".
وبعد فترة لم تكن بالطويلة بعد زواجهما، صدر الحكم بإبعاده وترحيله عن مصر التي كان يقيم فيها، ولم يكن ابنه تميم قد أكمل عامه الأول، فتشتت شمل مريد ورضوى في المنافي.

في الشتات

رأى مريد رام الله - أخيرا - في عام 1996، بعد أكثر من ثلاثة عقود من الغياب، وهناك كتب روايته "رأيت رام الله"، التي استحضر فيها سيرة أعوامه الشاقة في المنافي، وقال عن كتابه المفكر إدوارد سعيد "واحد من أرفع أشكال كتابة التجربة الوجودية للشتات الفلسطيني التي نمتلكها الآن".
بدأ مريد مسيرته في المنافي حينما غادر للدراسة في مصر، وفي تلك الأثناء اندلعت النكسة، أو حرب الأيام الستة، فحرمته العودة إلى رام الله مسقط رأسه، وفي روايته التي نالت جائزة نجيب محفوظ للآداب في عام 1997، يستحضر أيضا جوانب من قصة ترحيله عن مصر لأكثر من 17 عاما، حيث سمح له لاحقا بالعودة في عام 1993، بعد أن تنقل وعاش في أكثر من مدينة، بغداد فبيروت، ثم بودابست.
وفي روايته الثانية "ولدت هناك، ولدت هنا"، أكمل مريد سرد سيرته وسيرة عائلته، التي عُدَّت جزءا ثانيا لروايته الأولى، ويظهر فيها معنى الغربة والشتات، حيث يجيد وصف معاناته مع الشتات والمنفى بقوله "لم أستطع تكوين مكتبة منزلية متصلة أبدا".
وكما ظل وفيا لرضوى، ظل وفيا لوطنه، واستحضر تفاصيله في كثير من أمهات أشعاره، ومن أشهر ما كتب فيه "أنا أكبر من إسرائيل بأربعة أعوام، والمؤكد أنني سأموت قبل تحرير بلادي من الاحتلال الإسرائيلي. عمري الذي عشت معظمه في المنافي تركني محملا بغربة لا شفاء منها، وذاكرة لا يمكن أن يوقفها شيء"، وفي موقع آخر كتب باكيا "نجحت فى الحصول على شهادة تخرجي، وفشلت في العثور على حائط أعلق عليه شهادتي".

الوفي لرضوى

تفتقت موهبة مريد البرغوثي الشعرية منذ وقت مبكر، وطبعت مجموعته الشعرية الأولى في 1972 بعنوان "الطوفان وإعادة التكوين"، وصدر له تباعا 11 ديوانا، آخرها كان "استيقظ كي تحلم" في عام 2018، وترجمت أشعاره وسيرته الموجودة في كتابين إلى أكثر من 20 لغة.
حاز في عام 2000 جائزة "فلسطين" للشعر، وكان طوال حياته مستقلا بآرائه عن المؤسسة الرسمية والأحزاب السياسية، إذ كان يقف على مسافة واحدة من التيارات المتجاذبة.
كتبت رضوى عاشور - الروائية وأستاذة الأدب الإنجليزي في جامعة عين شمس - في مذاكراتها عن مريد "غريب أن أبقى محتفظة بالنظرة نفسها إلى شخص ما طوال 30 عاما، أن يمضي الزمن وتمر الأعوام وتتبدل المشاهد وتبقى صورته كما قرت في نفسي في لقاءاتنا الأولى".
تركته رضوى يصارع ذكراها أينما ذهب، توفيت في نوفمبر 2014 بعد صراع مع مرض السرطان، رثاها ورثى نفسه حينما وقف قائلا "تركتنا لا لنبكي بعدها، بل لننتصر. تركتكم بعدها لا لتبكوا بل لتنتصروا"، وقال فيها أيضا "اتركوا الأبواب مفتوحة، ليخرج الحزن"، لكن الحزن بقي هنا، وخرج هو يتبعها.

الأكثر قراءة