أمريكا وبرنامج إيران النووي
نحن لسنا مع توجُّهات إيران، لا الدينية ولا السياسية، ولكننا أيضا لا نتفق مع من يعارضون حيازة إيران لمفاعلات نووية ويهددونها بضربات عسكرية، حتى ولو كان هدفها في نهاية المطاف الدخول إلى عالم القوى النووية، أسوة بجارتيها الهند والباكستان. وإذا كان هناك احتمال من قيام إيران بالاعتداء على أي دولة أخرى مستخدمة سلاحاً نووياًّ، فالدولة العبرية أقرب كثيراً إلى احتمال ارتكابها لمثل هذا العمل الخطير، بما عُرف عنها من ميلٍ إلى العدوان وعدم احترامها للقوانين والمواثيق الدولية.
ولو كان هدف المعارضين لبرنامج إيران النووي هو جزء من مخطط لإخلاء الكرة الأرضية بأكملها من هذا السلاح المدمِّر للبيئة ولحياة الإنسان، لكنا من أول المؤيدين لجهودهم. أما أن تكون إيران هي الدولة الوحيدة بين دول العالم التي لا يحق لها أن تمتلك مرافق نووية، فهو منطق يصعب هضمه، مهما كانت الدوافع الإيرانية من وراء الحصول على التقنية النووية. ولكن بصفتنا نعيش معها في منطقة واحدة، لا نشجعها على اقتناء القنابل الذرية لأيِّ سبب من الأسباب. وفي الوقت نفسه، فإننا نعارض بشدة استخدام القوة العسكرية لإيقاف مشاريعها النووي، لما قد يترتب على ذلك من اختلال في أمن المنطقة التي نحن جزء منها. ونأمل أن يتم اتفاق دولي على تحريم امتلاك السلاح النووية، ويشمل تدمير مخزون القنابل الذرية لدى جميع الدول.
ونحن نعلم أن لإيران طموحاتها وتوجهاتها التي قد لا يرتاح إليها جيرانها، وعلى وجه الخصوص دول الخليج. ولكن ذلك لا يبرر استهدافها من قبل الدول الغربية وأمريكا من بين دول العالم، ويتغاضون عن دولة الاحتلال في فلسطين.
ولعل ما كان يقلق الدول الغربية التي تتظاهر بعدائها لإيران، هو تهديدات الأخيرة من وقت لآخر عبر وسائل الإعلام بإزالة دويلة إسرائيل من الوجود. والعاقل يفهم ويدرك أن تهديد إيران لإسرائيل يندرج تحت مظلة الاستهلاك المحلي وإغاظة أمريكا حليفة إسرائيل، ولا يصح أن يُؤخذ ذلك على محمل الجد. وأمريكا تجد في تهديدات إيران لإسرائيل مبرراً لأن تتدخل في شؤون الشرق الأوسط، بدعوى الحفاظ على أمن الدولة اليهودية، ورغبة في تعزيز حضورها العسكري في المنطقة.
ومن وجهة نظر أخرى، فربما أن أمريكا لم تكن أساساً جادة في تهديدها لضرب إيران، لأنها أيضا تدرك تماماً ألا مصلحة البتة للدولة الإيرانية من رمي يهود إسرائيل في البحر. والكل يعلم، أن إيران لم تكن عبر التاريخ صديقة حميمة للعرب وليست معنية في يومٍ ما بهزيمة عدوهم. ولا أحد يُصدِّق أنها ستدخل في حرب مع إسرائيل من أجل سواد عيون العرب، خصوصاً وأن الأكثرية من المسلمين العرب يتبعون المذاهب السنية، وإيران دولة شيعية متعصبة. ولدى إيران نزعة فارسية ضد العرب تعود إلى عصور الإسلام الأولى، عندما فتح العرب بلاد فارس، حاملين معهم نور الإسلام. وكان من المفروض أن يستبشر أهل فارس آنذاك خيراً بقدوم الإسلام إليهم بواسطة العرب بعد أنْ منَّ الله عليهم وهداهم للإيمان. ولكنهم بدلاً من ذلك، حصروا أمر العلاقات العربية الإيرانية في الهزيمة العسكرية التي مُنيَ بها جيشها على أيدي طلائع الجيش الإسلامي، واعتبروها إهانة لهم ولتاريخهم العريق.
واللافت للنظر في موضوع إيران، هو تحمُّس إسرائيل لضرب المفاعلات النووية الإيرانية، سواء بواسطة القوة الجوية الأمريكية أو طائراتها الحربية بمساعدة وتسهيلات أمريكية. وإسرائيل تدرك هي أيضاً أن إيران لن تنفِّذ أي عمليات عدوانية ضدها, سواء في الوقت الحاضر أو في المستقبل للأسباب التي ذكرناها نفسها. وهل يصدِّق عاقل أن إيران، مهما بلغت تهديداتها الدعائية، ستضرب اليهود في فلسطين بقنابل ذرية مدمرة وهي تعلم أن نصف سكان الدولة المحتلة من المسلمين؟ وعندما مدَّت إيران حزب الله بالمال والسلاح ضد الدولة الصهيونية، لم يكن ذلك كُرهاً لإسرائيل بقدر ما هو خدمة لمصالحها الإقليمية.
أما الأقرب للمنطق، فهو أن تبدي إسرائيل تخوُّفاً من دولة باكستان التي تُدين بالمذهب السني وتمتلك أسلحة نووية، وفي الوقت نفسه هي صديقة للعرب، أكثر من خوفها من إيران. وأمريكا، وإن لم تقلها صراحة، تأمل أن تتغير الأوضاع داخل إيران خلال المستقبل القريب, ويأتي إلى الحكم جيل جديد يعيد العلاقات مع أمريكا إلى سابق عهدها عندما كانت إيران حليفة أمريكا الأولى في الشرق الأوسط. فلماذا إذاً ترتكب حماقة ضد الشعب الإيراني قد تقطع الطريق على أيِّ فرصة لتحسين العلاقات بينهما خلال الزمن المنظور؟
وتهديد أمريكا والدول الأوروبية بتشديد العقوبات على إيران إذا هي لم تستجب لطلبهم بتجميد برامجها النووية لن تفلح في إقناعها للعدول عن تنفيذ مشاريعها النووية، وذلك بسبب وجود الكثير من دول العالم التي لا ترى بأساً من التعامل معها في جميع المجالات حتى وهي تحت الحصار. ومن المؤكد أن المقاطعة التي فُرضت على إيران خلال السنوات الماضية لم تزدها إلا تصميماً على الاستمرار في تنفيذ مشاريعها، ولسان حالها يقول: رُبَّ ضارة نافعة. فقد اعتمدت إيران على الله ثم على مجهودها الذاتي لتخلق من نفسها قوة صناعية مكنتها من إيجاد وتصنيع الكثير مما كانت تستورده قبل الحصار. وكما يقول المثل : الحاجة أم الاختراع. وإيران لم تقف عند حدود تصنيع المواد الاستهلاكية، بل تعدتها إلى دخول مجال الصناعات الثقيلة وتطوير تقنيتها النووية والدخول في عالم الفضاء بإرسالها قمراً صناعياً يدور حول الأرض، أسوة بالدول المتقدمة.
وإذا كان هناك ما يوجب التخوف من إيران، ومن تنامي قوتها العسكرية، فالأولى أن يكون من قِبل دول الخليج العربي المجاورة للدولة الإيرانية تجاه النوايا الإيرانية التوسعية، وهي صاحبة سوابق في هذا المجال. فاحتلالها للجزر الإماراتية الثلاث وإصرارها على عدم فتح باب المفاوضات بشأنهن، أمر يدعو إلى الدهشة والاستغراب، ولا يدل على وجود رغبة حقيقية لديها لتحسين نواياها تجاه جيرانها العرب. ولو كانت على يقين من أن الجزر تابعة لبلاد إيران تاريخيا وقانونياًّ، لكانت قبلت مبدأ التحكيم الدولي، كما فعلت البحرين مع دولة قطر وخرج كلا الطرفين كاسبين وأكثر مودة. كما أن إيران تدَّعي من حين إلى آخر وعلى لسان أحد مسؤوليها أن جزيرة البحرين جزء من أراضيها، وهو ادعاء باطل وينفيه موقع البحرين الجغرافي بالنسبة لحدودها. ولا يخفى على إيران أن دول الخليج، وعلى وجه الخصوص دول مجلس التعاون، هي دول مسالمة وترغب في إيجاد علاقات متميزة تسودها المحبة والتعاون مع جميع جيرانها بما فيها إيران.