كتاب ... الإدارة المستدامة للمياه والتربة
كتاب "الإدارة المستدامة للمياه والتربة" الذي سبق أن صدر عن دار النشر الألمانية سبرنجر Springer ذات الانتشار الواسع في أوروبا والولايات المتحدة, واشترك في تأليفه العديد من النساء على رأسهن الدكتورة سابيني كونست Kunst, Sabine الأستاذة في قسم إدارة المياه والصرف الصحي ورئيسة المجموعة البيولوجية ومعالجة المياه في جامعة هانوفر الألمانية University of Hanover, التي نُشر لها العديد من الدراسات المائية ترجمت إلى الإنجليزية منها كتاب "المياه هي الحياة" Water is Life في عام 2002. كما شاركت في العديد من المشاريع الدولية في مجال المياه. وشارك في إعداد الكتاب أيضاً الباحثة تانجا كروس Kruse, Tanja المتخصصة في إعداد وتنسيق البرامج التعليمية للدراسات العليا في مشاريع المياه، والمهندسة أندريا بورماستر Burmester, Andrea الخبيرة في إدارة المياه ومعالجة الصرف الصحي. إضافة إلى عشر نساء من الباحثات والخبيرات في تخصصات هيدرولوجية وإدارية واقتصادية مختلفة ممن يعملن في مؤسسات علمية ويشغلن وظائف أكاديمية تتبع الجامعات الألمانية منها جامعات جوتهGoethe University سودربرج للعلوم التطبيقية University of Applied Science, Suderburg وكاسيل Kasel University أو جامعات خارج ألمانيا مثل جامعة فيينا في النمسا Vienna University، وجامعة إيزفيسك في روسيا Izhevsk University وجامعة ناجبور في الهند Nagpur University.
"الاقتصادية" تقدم عرضا لهذا الكتاب كونه يتناول قضية استراتيجية تشغل دول العالم.
جامعة المرأة الدولية
من المثير للدهشـة أن جميع النسـاء اللاتي اشـتركن في إعداد هذا الكتاب ينتمين إلى ما يسمى جامعة المرأة الدولية
International Women's University التي تم تأسيسها عام 2000م في ألمانيا. ولقد بدأت فكرة تأسيس تلك الجامعة عندما شكلت وزيرة العلوم الألمانية هلجا شوشاردت عام 1994م "لجنة أبحاث المرأة" التي قدمت تقريرا بعنوان "اهتمامات المرأة للإصلاح الأكاديمي وأبحاث المرأة للعلوم" والذي أوصى بضرورة تأسيس جامعة للمرأة كمشروع أكاديمي للإصلاح وتوجيه مشاكل الأبحاث بما يعزز دور المرأة "كجنس" في المؤسسات الأكاديمية .. واشترط أن يكون الالتحاق بهذه الجامعة "الافتراضية" لطالبات الدراسات العليا من العالمات والأكاديميات، وأن يتم تطبيق العولمة بمفهومها الواسع كماً وكيفاً وبما يسمح بالثقافة المتبادلة مع المرأة في جميع دول العالم .. وعليه فقد اتخذت الجامعة الوليدة شعاراً لها التقنية والثقافة Technology & Culture ووضعت بعد اعتماد تأسيسها مجموعة من المشاريع في موضوعات عامة مثيرة للجدل ولها مدلول دولي استراتيجي يشغل اهتمامات المرأة وتتركز في المجالات التالية: الجسم البشري, المدينة, الهجرة, العمل, المعلوماتية، إضافة إلى المياه.
وتم خلال السنوات الأخيرة عقد العديد من البرامج التدريبية وورش العمل والحلقات الدراسية وبعض المنتديات العامة للمناظرة والنقاش اشترك فيها أكثر من ألفي امرأة من 105 دول وتضم الجامعة حالياً 313 امرأة في هيئة التدريس من أستاذة محاضرة وزائرة من 49 دولة.
مشروع المياه الشامل
يُعد كتاب "الإدارة المستدامة للمياه والتربة" أول الإصدارات المقدمة من اللجنة العلمية الدولية التابعة لجامعة المرأة الدولية في إطار المشاريع المقترحة كمشروع متكامل ودليل دراسي إرشادي في مجال المياه. وجدير بالذكر أن عدد المشاركات في مشروع المياه بلغ 101 باحثة من 46 دولة منها ثلاث دول عربية هي: مصر, سورية, والسودان. وفي إطار هذا المشروع عرض الكتاب مجموعة من الأبحاث لمشاريع عملية وعلمية ترتبط بمشاكل المياه ودور المرأة في مواجهتها منها ما يتعلق بالتنمية الريفية، معالجة المياه وتجميع مياه الأمطار، معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، اللامركزية في معالجة مياه الصرف في المناطق الريفية، نظام إعادة تدوير الفضلات العضوية، التخطيط التنموي للأنهار وأخيراً التنمية المستدامة لاستخدامات المياه والتربة. كما تم إرفاقه بمجموعة من الملاحق عن اختيار عينات التربة وتحليلها معملياً وقياس عناصرها الأساسية والحيوية كالمحتوى الكربوني والنتروجين والأمونيا والمواد الميكروبية وغيرها .. وتحديد طرق قياس رطوبة وتعرق التربة
Soil Moisture & Respiration وخواصها الطبيعية وتصنيفات أنسجتها Soil Texture .. كما تم أيضاً إدراج القواعد المنظمة لأوحال الصرف الصحي وتأثيرها في التربة والاختيارات الخاصة بقياسات العناصر في مياه الصرف الصحي.
دور المرأة الريفية في مشروع المياه الشامل
تشير أحد الأبحاث المقدمة في مشروع المياه إلى موضوع يتعلق بالتنمية الريفية وينظر إلى المرأة باعتبارها إحدى العناصر المكونة لأركانه الثلاثة: المرأة, البيئة, والمياه. وفي هذا المجال يؤكد البحث أن ثلاثة أرباع سكان الدول النامية يعيشون في المناطق الريفية التي تُعد المحرك الرئيس للنمو على المستوى الوطني، وأن التنمية الريفية تأخذ أشكالاً من الاستراتيجيات والسياسات والبرامج في مجالات اقتصادية كالزراعة والغابات والحرف اليدوية والصناعات الريفية والبنية الأساسية بصورة عامة وأن الهدف النهائي لذلك هو تحقيق المزيد من فاعلية استخدام الموارد البشرية والفيزيقية وتوظيفها للتأكيد على زيادة الدخل ورفع مستوى المعيشة في المناطق الريفية.
ويرى البحث أن التنمية الريفية بالنسبة للمرأة تعني إعطاء المزيد من الفرص والمشاركة في الأنشطة، وإعداد الوسائل المؤثرة للمرأة الريفية لمواجهة التضارب والظلم الناتج من المتغيرات التقنية والحضرية، والحفاظ على توازن أفضل بين فرص المرأة الريفية للاختيار الحر والتعاون المطلوب للمعيشة بالإضافة إلى زيادة فعالية استخدامات الأراضي الزراعية ودون تدمير الأنظمة البيئية. وفي هذا السياق عرض الكتاب تجربة مشروع عن المرأة الريفية في ماهاراشتري في الهند "Maharashtri – India نموذجا يوضح دور المرأة الريفية ومشاركتها في إدارة المياه في 20 قرية في الولاية الهندية بالتعاون والتنسيق الكامل مع إحدى المنظمات غير الحكومية NGO من أجل توفير مياه الشرب المأمونة من الآبار.
ولقد أثار المشروع قضية مهمة تتعلق بإغفال دور المرأة في التنمية الريفية خاصة مع هجرة الرجال إلى المدن للعمل وأشار إلى العلاقة التبادلية بين المرأة الريفية من جهة والمياه والبيئة في المناطق الريفية لبعض الدول النامية في قارتي آسيا وإفريقيا، وأكد على أن المياه تمثل "السلعة النادرة" Scarce Commodity التي تمضي المرأة الريفية غالبية عمرها في تأمينها في تلك الدول النامية، إضافة إلى أن المرأة الريفية تعتمد بصورة كاملة على البيئة لتلبية احتياجاتها العائلية والاجتماعية من الغذاء والوقود والأعشاب الطبية وغيرها وأن تدمير البيئة يعني بالضرورة إنهاء الحياة .. من ناحية أخرى فقد أعطى المشروع خبرات ودروس مستفادة يمكن من خلالها وضع استراتيجية لتفعيل دور المرأة الريفية تتضمن عناصرها: أخذ رأي المرأة الريفية لحل القضايا المرتبطة بالمياه، والاهتمام بتعليم المرأة حتى يكون لها دور في اتخاذ القرار. ولقد توج هذا العمل الجماعي في مشروع المياه باقتراح إعداد نموذج لفكرة بعنوان "المرأة والقرية الدولية الصديقة للبيئة "Women and Eco-friendly Global Village, التي من أبرز معالمها: تزويد المياه النقية، الاهتمام بالمسطحات الخضراء، وإدارة المياه والصرف الصحي، وإقامة المرافق الاجتماعية ومرافق البنية الأساسية, إضافة إلى استخدام الطاقة النظيفة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمائية.
تجارب المشروع في مجال المياه
أكد الكتاب أهمية المياه كضرورة للحياة، واعتبر المياه الذهب الأزرق في القرن الحادي والعشرين Blue Gold، ومن ثم فقد ركز على ما أورده مشروع المياه الذي تبنته جامعة المرأة الدولية على الجوانب التي تتعلق بنوعية المياه والسبل التي يمكن من خلالها معالجة المياه من أجل ضمان مياه شرب مأمونة. وعرض بإسهاب الطرق المتبعة لتطهر المياه من جراثيم الأمراض Disinfection Methods سواء كانت طبيعية أو كيميائية أو بيولوجية. كما عرض بعض التجارب التي تولي المشروع الإشراف عليها فيما يتعلق بتجميع وحصاد مياه الأمطار Rainwater Harvesting ومعالجتها لتكون صالحة للاستخدام الآدمي في سبع مناطق متفرقة في العالم. ووضع المشروع مجموعة توصيات تؤكد ضرورة وضع أنظمة لتجميع الأمطار خاصة في المناطق الجافة التي تعتمد أساساً على المياه الجوفية وبما يسهم في الحد من نضوبها وأكد ضرورة التنسيق مع السكان المحليين في هذا الجانب والاستفادة من تجارب الآخرين.
من ناحية أخرى فقد قدم المشروع تجربة غير مسبوقة حيث قام من خلال عناصره النسائية الشابة, ينتمين إلى 12 دولة, بوضع خطة لحماية نهر استاهلباخ بألمانيا Stahlbach River وتقييم النظام النهري وتطوره. وتولت المجموعة عمليات قياس التصرف الدوري للنهر حقلياً ومتابعة التحولات المصاحبة للتعرية والترسيب. ومن ثم وضع نموذج للتطبيق على المدى الطويل من خلال برامج وجدول زمني على ثلاث مراحل لمدة 30 سنة. كما تم إعداد تقرير يتضمن مجموعة من الاقتراحات والتوصيات لتنفيذ الخطة الموضوعة تحدد القياسات الواجب اتباعها لتنمية النهر وهي تشمل: قياسات معدل الترسيب في قاع النهر، اختيار أقطار الأنابيب المناسبة للتصرف، إعادة وضع وتقليص تعرجات النهر لزيادة عمقه، تعديل وضع ضفة النهر وبعض المسارات، إضافة إلى تشجير ضفتي النهر بأشجار حرجية Alder Trees التي لها دور في تثبيت الضفة وحفظ درجة حرارة المياه وزيادة الكائنات الحية المائية في النهر، مع وضع سياج والتحكم في وضع الغابات وكثافتها حول النهر.
وتأتي هذه التوصيات جميعها في إطار القانون الألماني للحفاظ على الطبيعة German National Nature Protection Law. الذي يعمل على تأكيد التنوع البيولوجي على المدى الطويل من خلال حماية مصادر المياه، وتنمية أنواع الكائنات الحية المعرضة للخطر Endangered Species.
اعتبارات ومفاهيم علمية عن مياه الصرف الصحي ومخلفاته
أما بالنسبة إلى معالجة مياه الصرف الصحي Wastewater Treatment فقد قام المشروع بمتابعة ذلك في 12 دولة إفريقية وآسيوية وأوروبية، وإدراج العديد من الطرق المختلفة المتبعة للمعالجة الميكانيكية والبيولوجية وعرض نماذج تقييم ومماثلة Design and Simulation Models لمحطات معالجة مياه الصرف الصحي التي استخدمت. كما تطرق الكتاب إلى شرح الأساليب التي يتم اتباعها في المناطق الريفية لمعالجة مياه الصرف الصحي سواء من خلال فلاتر التربة النباتية الرأسية Vertical-Flow Planted Soil Filters أو من خلال فلاتر التربة النباتية متعددة المراحل Multistage Planted Soil Filters التي تمت تجربتها في قريتين ألمانيتين وأعطت نتائج جيدة في عمليات المعالجة نظراً لاعتمادها على مواد طبيعية, كما أنها توفر في التكلفة والطاقة.
ولقد تضمن الكتاب أيضاً شرحاً للتقنيات البديلة لإعادة استخدام وإعادة تدوير مخلفات الصرف الصحي بكونها قضية ذات مدلول عالمي، وذكر أن هناك 1.1 مليون طن يومياً من مخلفات الفائض البشري Human Faeces، نصفها على الأقل في المناطق الحضرية وأن غالبيتها لا تتم معالجتها وتُعد خطراً دائماً يؤدي إلى تلوث البيئة, إضافة إلى تأثيرها المدمر في صحة البشرية بصفة عامة لما يحتويه من عناصر ميكروبية مثل البكتيريا والطفيليات وغيرها.
وقدم العديد من نماذج المراحيض المائية وغير المائية المستخدمة Water and Waterless Toilets وتجربة المشروع في تطبيقها خاصة في المكسيك وبعض الدول الأخرى مثل الجزائر واليمن والصين وفيتنام.
مشروع المياه والتربة الإرشادي
من منطلق الفكرة الأساسية التي قامت عليها جامعة المرأة الدولية فقد تم التركيز على الجوانب البيئية في محاولة تهدف إلى إيجاد نوع من التوعية بأهميتها للمجتمع، والبحث عن حلول للمشاكل والقواعد المنظمة لها خاصة فيما يتعلق بالمياه والتربة، ويُعد مشروع المياه والتربة الإرشادي أحد أهم المخرجات التي أفرزتها الدراسات التي أعدتها الجامعة فهو يعرض في سلاسة التفاعلات بين استخدام الأراضي Land Use وخواص التربة وترسب ونوعية المياه ومن ثم الجوانب المتكاملة للإدارة المستدامة للمياه والتربة. وفي هذا المجال تم تعريف ماهية التربة ومكوناتها والعمليات المصاحبة لتكونها في الطبيعة وتآكلها Soil Formation & Degradation من خلال عوامل التعرية المائية والهوائية والتجوية الكيمائية والأنشطة البيولوجية والإنسانية .. واستنتج من ذلك أن المياه تلعب الدور الرئيس والمؤثر في التربة وأن التعرية بواسطة المياه Water Erosion تسبب فقداً للتربة وتغييراً في نسيجها .. وأبرز المشروع بصورة خاصة أن هناك اهتماماً دولياً بهذا الأمر، وأن هناك العديد من الدول, خاصة في أوروبا, أصدرت تشريعات لحماية المياه والتربة وذلك تأكيداً للتوصيات الواردة في المؤتمر التاسع للمؤسسات الدولية للحفاظ على التربة عام 1998
The 9th Conference of the International Soil Conversation Organization ISCO 1998.
وما جاء أيضاً في أجندة القرن الحادي والعشرون للأمم المتحدة AGENDA 21 ودليل عمل الاتحاد الأوروبي لعام 2000 EU-WRRL 2000 والخاص بحماية أنظمة البيئة المائية ودعم أساليب استدامة استخدامات موارد المياه.
ودون الدخول في الأمور العلمية فقد تم اختيار مشروع المياه والتربة, كحالة للدراسة, في منطقة اسـتاهلباخ Stahlbach كمنطقة مميزة بيئيـاً على نهر الألب Elbe River في ألمانيا وتولى إدارة المشروع مجموعة من العالمات النساء يمثلن 14 دولة غالبيتهن من إفريقيا وأوروبا وآسيا, ووضعت منهجية المشروع على أساس تنفيذ أعمال حقلية لجمع عينات وعمل تحليلات معملية للمياه والتربة. وتم تشكيل فريق مشترك لإدارة المشروع في سهول النهر في كل من ألمانيا والتشيك المجاورة من أجل تحقيق الاستدامة للمياه والتربة للنهر.
التقييم
لا يوجد حكم متفق عليه عن جامعة المرأة الدولية فهي ليست مجرد برنامج للدراسات العليا على الطريقة الألمانية بل أيضاً نموذجاً لمجموعة مؤتلفة من المؤتمر الدولي الأكاديمي International Academic Conference الذي يتبنى أسلوب المحاضرات وورش العمل، ومؤتمر عالم المرأة
World Women's Conference الذي يعكس أحاديث موضوعات أكاديمية من خلال مناقشات غير رسمية.
ولقد كان ينظر إلى الجامعة في مراحلها التمهيدية حينما كانت فكرة باعتبارها تجربة مشكوك فيها ولكن مع بداية المراحل التنفيذية مع باكورة عملها واختيارها مشروع المياه الشامل حققت نجاحات واضحة ومشجعة. فالمعلوم أن أي مشروع للمياه يُعد من أكثر المشاريع جدلاً لدى العديد من الدول النامية وهو أكثرها أهمية لدى العلماء والمهندسين المختصين ويحتاج إلى خبرات متنوعة في المجالات التقنية والبيئية وكان هذا هو التحدي الأكبر الذي واجهه اختيار الجامعة خاصة أن التعامل مع المشروع سيتم من خلال المرأة وعلى المستوى الدولي.
ولقد حاولت الجامعة من جانبها التوفيق بين وجهات النظر المتعارضة وإقامة جسر لسد الفجوة بين القواعد والمعايير غير المألوفة الناتجة من اختلاف الخبرات وتعدد الثقافات للعالمات المشرفات على المشروع وبين مجالات الابتكار والتجديد التقني الاجتماعي اللازم للتنفيذ ولكنها تغلبت على ذلك من خلال وضع مجموعة من الاقتراحات والمعايير تتضمن برنامج لتحسين كفاءة العالمات لضمان نجاح التجربة.
المنظور المستقبلي للإدارة المستدامة للمياه والتربة
يعرض الكتاب في الجزء الأخير وجهات النظر المستقبلية التي يراها مناسبة من واقع التجربة لتحقيق الإدارة المستدامة للمياه والتربة. ويناقش ثلاثة موضوعات متداخلة تتعلق بمفهوم العالمية والعمل الثقافي الدولي، والاعتبارات الدولية ومنظور الجنس/ النوع Gender Perspective ومبادرة جامعة المرأة الدولية لإنشاء شبكة دولية عن المرأة ودورها في تحقيق مبدأ الاستدامة، وفيما يلي أبرز ما ورد في هذا الصدد:
* يؤكد الكتاب أن مشروع المياه الشامل بما يتضمنه من جوانب علمية وتقنية تقليدية ومضامين ثقافية وسياسية قد أسهم في نقل المعرفة Knowledge Transfer وبلوغ درجة عالية من عولمة التفكير Globalization of thinking باعتبار أن مشكلة توفير المياه لسكان العالم هي مشكلة بيئية لا تتوقف على الحدود المحلية، كما أنها تتضمن صراعا هائلا بسببها مما يفرض علينا التعاطي معها باعتبارها مشكلة ذات طابع سياسي خاصة في دول العالم الثالث التي تفتقر إلى مياه الشرب النظيفة.
* أسهم المشروع في تعزيز الحوار الثقافي الدولي بين العالمات الراشدات Junior Scientist وغالبيتهن من دول نامية, وتشجيعهن على عرض وجهة نظرهن وثقافتهن على العالمات الخبيرات في مجال المياه في محاولة لتطوير مفاهيم الإدارة المستدامة والتوزيع الأمثل والمتوازن للمياه والتربة، ولقد حظي المشروع باهتمام المشتركات كافة بكونه حدثاً ثقافياً دولياً وتركزت الدراسات على قضية المياه كقضية سياسية يمكن معالجتها استراتيجياً من خلال رؤية نسائية.
* هناك قناعة من الجميع بندرة مصادر المياه العذبة (المتاحة) وتوزيعها بشكل غير متساو على الأقاليم الدولية المختلفة, إضافة إلى تلوث مصادرها. وهي تحديات تفرض الحوار الثقافي الدولي والبحث عن حلول انضباطية ذات صبغة دولية والعمل على تطوير المفاهيم التكنولوجية وإعداد ترتيبات استراتيجية للحفاظ عليها وهذا ما يعني "الإدارة المتكاملة للموارد المائية" Integrated Water Resource Management.
* يتخذ علماء الدول الغربية دائماً رؤية تكاملية للعلم والاقتصاد، ويستخدمون هذا المنظور في تنمية مشاريع مياه مقبولة سياسياً فيما يعتبر علماء الدول النامية هذا الحديث خيانة للمبادئ العلمية. وعلى الرغم من اختلاف تلك الرؤى فإن من الضروري العمل على تنظيم استهلاك المياه بشكل كفء عن طريق التعريف بتكلفة المياه كوسيلة مهمة وفاعلة لتحقيق الحفاظ على مصادر المياه بصورة مستدامة، والعمل على تجاوز آثارها الاجتماعية السلبية حتى لا تصبح المياه النقية للأغنياء والمياه القذرة للفقراء .. آخذين في الحسبان أن للمنظمات غير الحكومية دوراً في السيطرة على هذا الوضع.
* بذلت جامعة المرأة الدولية جهوداً كبيرة لتضمن جوانب الجنس Gender في أهداف المشروع، وكان تبني منظور الجنس عاملا مشتركا في المشروع المقدم تحت إشرافها .. وكان التطبيق العملي لذلك في أخذ الاعتبارات الدولية المتداخلة في تطوير وحل القضايا والمشاكل التي تكون فيها المرأة العنصر الأساسي مثل استخدامات مياه الأمطار في الزراعة باعتبار أن المرأة هي المسؤولة عن تطبيق ذلك التكنيك على المستوى المحلي ولها خبرات مكتسبة ومتعددة في مجالات الري مثال آخر لذلك تتعلق بمفاهيم معالجة مياه الصرف والتي تشارك فيها المرأة بدور فعال في تطوير حلول وسيطة لا تتطلب معرفة الخبير وهذا نابع من إدراكها للمشكلة التي تواجهها.
* نتيجة المناقشــات الأكاديمية الخاصة بالجنس والتنمية وكذلك ما تم رفعه من تقــارير عن مشــاريع التنمية من إعــداد المرأة التي أقرت مبدأ الاســتمرارية كأســاس للتنميـة فقد تم إقــرار إنشاء "الشبكة الدولية للمرأة الخاصة بالاستمرارية - وينز"
Women's International Network for Sustainability–WINS كمبادرة خاصة من جامعة المرأة الدولية كمنظمة غير حكومية تضم 50 امرأة من 17 دولة وتقر المبادئ الإرشادية عن مشروع المياه الشامل. وتهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة مبنية على مساواة بين الجنسين ومؤكدة تفعيل الطاقات الهائلة للمرأة والمشاركة الاجتماعية في الشبكات الدولية والتكامل في مجالات الآداب والعلوم. وهي تعتبر مثالاً لاستمرارية التعاون المشترك البناء بين جميع العالمات النساء من الراشدات والخبيرات وتقوم في الوقت نفسه بمد المساعدات للحفاظ على المشروع وتنفيذه مع تركيز واضح على المرأة والتنمية المستدامة. كما تقوم بالدفاع عن المنظور المستقبلي للإدارة المستدامة للمياه والتربة عن طريق التعريف بقضايا الجنس وتدشين حملة تدعو إلى مشاركة المرأة في صنع القرار والتخطيط على المستوى المحلي والدولي.
تعقيب
من حسن الطالع، أن يتزامن إصدار هذا الكتاب القيم عن المياه مع "إعلان" الجمعية العامة للأمم المتحدة عن بداية العقد الدولي للمياه من أجل الحياة (2005- 2014), الذي يهدف إلى ضرورة التركيز على حل القضايا الأساسية المرتبطة بالمياه والتعاون البناء والتنسيق الفاعل على المستويات كافة لتحقيق التنمية المستدامة, إضافة إلى تأكيد مشاركة المرأة في الجهود المبذولة لتنمية موارد المياه مما يُعد اعترافاً ضمنياً من المجتمع الدولي بدور المرأة وجهودها في الحفاظ على الموارد المائية وسعيها الفطري لتنمية المياه وترشيد استخدامها سواء في المناطق الريفية أم الحضرية.
من ناحية أخرى، فإن التصدي لإعداد هذا الكتاب عن المياه من قبل مجموعة العمل النسائية المنتسبات لجامعة المرأة الدولية، باعتباره أول إصداراتها نقطة إيجابية تحسب لها ويؤكد وجودها على الساحة العلمية وهو اختيار موفق تماماً لما لموضوع المياه من مدلول دولي استراتيجي وأهمية خاصة لجميع أفراد المجتمع بدءاً من مستخدمي المياه إلى منفذي مشاريعها إلى واضعي خططها وانتهاءً بالساسة أصحاب القرار.
وأخيراً فإن هذا الكتاب بما يتضمنه من مواد أساسية تغطي العديد من جوانب علوم المياه ومجموعة ملاحق عن المياه والتربة يُعد موسوعة علمية وإضافة مطلوبة لمراجعي "مكتبة" المياه من الجنسين: الرجل والمرأة.