"ضيف بدر" .. قائد الثقافة محاورا مبدعي وطنه
تشكل منصات التواصل الاجتماعي على امتداد ظهورها وسيلة اتصال فاعلة، قادرة على استيعاب التحولات الإنسانية والأزمات الاجتماعية، لكن أحدا لم يكن يتخيل أن تصبح وسيلة اتصال يستضيف فيها وزير، المبدعين والأدباء والمثقفين والفنانين من بني وطنه، كما فعل وزير الثقافة، الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، في مبادرته "ضيف بدر".
كان "قائد الثقافة" أول وزير يتيح الفرصة لضيوفه للحديث عبر حساباته الخاصة في منصة تقنية مثل "إنستجرام"، ليستحق الوصف القائل إنه "منبر المبدعين" في الميادين كافة، في مبادرة تقوم على بدء بث مباشر كل أسبوع من ضيف مختلف يختاره الوزير، الذي يتوسط محيطا ثريا، مليئا بمن يوصمون بالإبداع، بناء على عمله كأول وزير للثقافة في المملكة، ورئاسته مجالس إدارة 11 هيئة ثقافية، ومحافظ الهيئة الملكية لمحافظة العلا، إلى جانب رئاسته وعضويته في عدد من المراكز والمشاريع والمجالس، ما يجعل من مهمة اختيار ضيوف "مبادرته" مهمة يمكن وصفها بأنها من النوع "السهل الممتنع".
استقطاب الجميع
لا شك أن اختيار ضيوف وزير الثقافة ليس بالسهولة المتبدية للوهلة الأولى، فمنصات التواصل الاجتماعي تتطلب تنويعا مستمرا لاستقطاب جميع شرائح المجتمع، سواء أكانوا مثقفين أم أفرادا بسطاء، والمتتبع للحلقة الأولى من بث "ضيف بدر"، ثم الحلقة الثانية أمس، يرى أن الضيوف كانوا في مجالين مختلفين، ويلحظ كذلك مدى تفاعل الجمهور السعودي مع ضيوفه، وانتظاره كل أربعاء مبدعا آخر، ممن أثرى الحراك الثقافي في البلاد.
يعرّف الأمير بدر بن عبدلله بن فرحان عبر حسابه في "إنستجرام" بمبادرته "ضيف بدر" بأنه يطل بأمسيات من خلال بث مباشر على الحساب، نشارككم فيها تجارب وخبرات المبدعين في مختلف المجالات. ولعل ذلك التعريف المبسط يلخص الفكرة، التي تتسم بميزة تفاعل الضيف مع أسئلة المتابعين ومشاركاتهم الإجابات.
ويتابع قائد الثقافة في المنصة الاجتماعية نحو 38 ألف متابع، ويتابع بدوره نحو 500 شخصية سعودية وعربية وعالمية، أغلبيتهم مهتمون بالثقافة والأدب والفنون، ليكون أحد الوزراء القلة الذين يملكون حسابات على التطبيق النشط في المملكة، حيث يشارك الوجود في المنصة وزير الرياضة، ووزير الاتصالات وتقنية المعلومات، ورئيس الهيئة العامة للترفيه، إضافة إلى حساب غير موثق لوزير الصحة.
تواصل مع الآخر
يحقق برنامج "ضيف بدر" هدفا مهما لوزارة الثقافة، يتمثل في الانفتاح على الجميع، وإيصال الأدب والثقافة إلى البيوت كلها، بطرق مؤثرة وسهلة الوصول، تسهم في تعرف المشاهد على رؤية الآخرين، سواء أكانوا أدباء أم فنانين أم مبدعين في أي حقل ثقافي.
ولم يكن "ضيف بدر" السابقة الأولى للأمير بدر في عالم التواصل الاجتماعي، فقد سجل في منتصف عام 2019 سبقا بكونه أول وزير عربي يدشن حسابه على أشهر تطبيق اجتماعي صيني "ويبو"، وذلك في عام 2019، مطلا على نحو نصف مليار صيني يستخدمون التطبيق الشعبي، المشابه لتطبيق "تويتر"، ويضم سياسيين من مختلف دول العالم، مثل رئيس وزراء الهند، وتيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، وآخرين.
وتنبع أهمية هذه الخطوة كهدف يصب في جملة أهداف رؤية وتوجهات وزارة الثقافة، ويتقاطع مع رؤية المملكة لعام 2030، ولا سيما في هدف تعزيز مكانة المملكة الدولية، وتعزيز التواصل الثقافي والحضاري والمعرفي، وتكوين حلقة وصل بين الجمهور العربي السعودي والجمهور الصيني الصديق، ناقلا إرثا عريقا إلى جمهور لا يعرفه.
أول الضيوف
أول ضيوف "بدر" كان عبدالرحمن السليمان الفنان التشكيلي السعودي، الذي بدأ مشوارا طويلا بالفن، منذ عام 1971، حصد خلاله جوائز محلية وعربية، وأعماله وجدت مكانها في المعارض المهمة في المنطقة، التي ألهمت متذوقي الفن على اختلاف مشاربهم وخلفياتهم الثقافية.
لم يكن الرسم وحده ما أكسب السليمان مكانته، فالفنان عمل على توثيق مسيرة الفن التشكيلي السعودي، وألف كتبا متخصصة عن تشكيليي المملكة، منها كتابه المعروف "مسيرة الفن السعودي"، الذي رأى النور أوائل الألفية، ويستعرض البدايات التشكيلية السعودية، وأهم التيارات والأسماء لكل مرحلة، والمدارس المتبعة في الفن، كما بيعت أعماله في مزادات عالمية، واقتنت أعماله متاحف ومراكز ومجموعات سعودية ودولية.
كما عُرف السليمان، المولود في الأحساء، في خمسينيات القرن الميلادي الماضي، بحسه الفني، وكان أول رئيس بالانتخاب للجمعية السعودية للفنون التشكيلية.
منبر وجد تفاعلا
أصبح حساب الأمير بدر بن فرحان على "إنستجرام" منبرا للمبدعين، وفرصة لتسليط الضوء على آخرين ابتعدت الأضواء عنهم، لسطوة منصات التواصل، والتسارع التقني الذي يشهده العالم اليوم.
ساعة قضاها مستخدمو "إنستجرام" مع الفنان عبدالرحمن السليمان في بث "ضيف بدر"، وجدت تفاعلا كبيرا، تناول فيها كثيرا من الملفات، مثل الحركة التشكيلية في عهد الملك سلمان، وما وجدته من دعم تمثل في تأسيس المتاحف، وعرض أعمال السعوديين في المقار الحكومية، بدءا من أعلى الهرم، في مكتب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وقاعات استقبال زعماء العالم.
كان السليمان دقيقا في وصفه للحركة التشكيلية والمساهمين في نهضتها، وذكر الفنانين الذين انطلقوا لإقامة معارضهم منذ الستينيات، ومنهم من درس في الخارج وعاد إلى وطنه ليرسم وينثر البهجة، مثل الفنان عبدالحليم الرضوي، ومعرضه المتنقل بين الرياض وجدة والظهران، والفنان محمد السليم الذي أقام أول معارضه في نادي النصر، والمعرض الثنائي للفنانتين صفية بنت زقر ومنيرة موصلي، ومعرض الفنان ضياء عزيز، والمعارض التي احتضنتها مقار جمعية الثقافة والفنون وبعض الأندية الرياضية، مثل معارض محمد منيف، وسعد العبيد، وعبدالله حماس، ومحمد الرصيص.
وفي حديثه حول قيمة العمل الفني، أجاب بأن العمل ترتقي قيمته من خلال قدرة الفنان على تحقيق الشخصية الفنية، وصياغة فكرته بشكل متكامل، فالأمر ليس مجرد رسم، إنما تحقيق للذات، والإحساس بالنفس كفنان، وتقديم أنفسنا والموروث العريق، مضيفا أنه "على الفنان أن يستفيد من معطيات المدارس والاتجاهات الفنية الأوروبية وغيرها، بناء على منظوره الخاص، منطلقا من حضارته وموروثه الذي يبلور رؤيته، ويعبر عن الهوية السعودية".
فنان العرب ثاني الضيوف
حل أمس فنان العرب محمد عبده ضيفا على "إنستجرام" الأمير بدر بن عبدالله، وهو الفنان الذي أثرى الأغنية السعودية، مطربا وملحنا، وفي رصيده مئات الأغاني التي صدح بها على المسارح منذ أكثر من ستة عقود.
ما يلفت النظر إلى مقابلة مثل تلك التي كان بطلها محمد عبده، يلحظ أنها عفوية، تسلط الضوء على المبدع كإنسان، وتمنحه فرصة الإجابة عن أسئلة الجمهور الملحة التي تدور في مخيلتهم.
وتعد المرة الثانية التي يطل فيها "أبو نورة" من خلال البث المباشر لوزارة الثقافة، فقد طل مع عوده - في أبريل الماضي - عبر حساب الوزارة في سهرة افتراضية، تصدر فيها الترند العالمي، وتابعه أكثر من مائة ألف مشاهد في أقل من خمس دقائق على بداية البث، ووصل إلى نحو 200 ألف مشاهدة، في رقم قياسي، مرده حظر التجول الذي كان مفروضا من السلطات آنذاك، أسوة بدول العالم، ورغبة الجمهور في ممارسة فعاليات خارجة عن المألوف.