الماء .. الماء الحلول قبل التخصيص
إن أمر التخصيص يبدو أمراً قد قضى ومضى ولا شك أن إعادة الدراسة الجادة لموضوع التخصيص والبحث عن السبل الراشدة لمراعاة وضع المواطن السعودي والمقيم والتعامل مع مشكلة المياه كمشكلة يجب أن تكون أولى أولويات الوزارة لإيجاد حلول دائمة وجذرية.
د . عبد الله إبراهيم الحديثي
استطاع معالي وزير المياه والكهرباء المهندس عبد الله الحصين على ما يبدو إقناع ممثلينا في مجلس الشورى بأهمية التخصيص والخروج به كوسيلة مستقبلية لترشيد استهلاك المياه وتحسن إدارتها، وكاد بعض الأعضاء أن يطلب من معالي الوزير أن يحلف بالأيمان أنه مقتنع بالتخصيص وأن ذلك الطريق الذي استسهلت الوزارة سلوكه سيكون معبدا بالإصلاح والأماني والآمال، وأنا وغيري نختلف مع وزارتنا العزيزة في اقتناص مبدأ التخصيص لتحاول الخروج من مأزق تقديم الخدمة بمهنية وفاعلية مع جيشها الكبير من العاملين والموظفين وخاصة بعد أن اندمجت معها مصالح المياه والصرف الصحي وكذلك وكالات وزارة الزراعة للمياه وستحاول الوزارة أن يكون التخصيص قنطرة تعبر من عليها إلى الهروب من المشكلات المائية التي تنتثر من جنوب المملكة إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها، فهل يعقل أن يصل الماء إلى كثير من البيوت في مكة المكرمة مرة واحدة في الشهر وبسويعات محدودة لا تكاد تطفي لظى الظامئ ولا حاجة المستفيد، كما أن أطراف عسير وقراها ابتداء من حدودها الجنوبية ومروراً بالقبائل الأخرى شمالاً إلى الطائف تشكو مر الشكوى من عدم توافر الماء، حيث توسعت رقعة البلاد وارتفع كثير من المباني في القرى العديدة والمتناثرة على قمم جبال السروات وسفوحها، وكان بعض سكان مدينة النماص يجلبون الماء من بيشة بأغلى الأثمان. إن الوزارة وجهازها أعلم مني يقيناً بالمشكلات اليومية التي يعانيها معظم مدن المملكة وما على الوزارة إلا التفكير المستقبلي الجاد لإيجاد حلول عملية وفاعلة لمشكلة المياه، عليها أن تخرج بنظرها ودراستها وتصورها إلى خارج الحدود لعل من اتفاقيات دولية مع دول صديقة، ما يؤمن حاجتنا من الماء إضافة إلى مشاريع التحلية العملاقة التي أحسنت الوزارة مشكورة التوسع في إنشائها، إن المواطن لا يتطلع إلى جلب جبال الثلج من أقاصي الدنيا ولا أن تحمل إلينا السفن القادمة لنقل البترول من موانئ التفريغ الماء. ولعلي أذكر بالمصادفة العجيبة خبراً ظل عالقاً في ذهني قرأته منذ سنوات بأن إحدى الدول طلبت من جيرانها سلفة ماء على الحساب حتى يحل موسم الأمطار! كما قامت برشلونة هذا الصيف بإرسال سفن عملاقة إلى فرنسا لتزويدها بالماء، أنني شخصياً أعاني ارتفاع مستوى تكلفة المياه التي أدفعها شهرياً، مما دفعني للشكوى لمعالي الصديق الأستاذ فهيد الشريف محافظ مؤسسة التحلية الذي تفضل مشكوراً بمخاطبة بعض المختصين دون أن أجد وإياه الحلول اللازمة مع الترشيد والاهتمام ـ وسوف يكون حال الملايين في المملكة عند ارتفاع أسعار بيع الماء مصدر قلق للجميع ـ ومع الخلفية الدينية الجيدة لأخي معالي المهندس عبد الله الحصين فإنني لا أود أن أدخل معه في جدل فقهي حول جواز مبدأ بيع الماء للمواطن ـ إن المشكلة التي يعرفها الجميع جيداً أن الزراعة تستهلك ما يزيد على 88 في المائة من مواردنا المائية الأرضية المخزونة وأن استهلاك الماء للأغراض المدنية والصناعية يستهلك نحو 9 في المائة أي ما يعادل نحو 2.4 مليار متر مكعب سنوياً، وتوفر المياه المخزنة الجوفية نحو 88 في المائة من المياه المستهلكة أي ما يعادل 21 مليار متر مكعب سنوياً ـ تليها المياه المحلاة التي توفر نحو 5 في المائة من مجمل المياه المستهلكة وسوف تزيد هذه النسبة بعد التوسعة. إن مشكلة المياه في المملكة مشكلة مزمنة ومؤلمة ومن عهد الكنداسة إلى عهد أبراج التحلية العملاقة والسدود ونحن نلتمس الحلول الجذرية لهذه المشكلة التي ستعيش معنا أبد الدهر دون حلول جذرية فنحن في بلد صحراوي شحيح الأمطار، إضافة إلى عدم وجود أنهار، كما أن المناطق التي تهطل عليها الأمطار الموسمية بغزارة في جنوب المملكة لا تستطيع الاحتفاظ بالماء المطير لأنه يذهب سدى إلى البحر ويتوجه إلى البحر سنوياً مليارات الأمتار المكعبة من المياه من خلال أودية عملاقة مثل حلي ويبة وبيشة وغيرها من الأودية العملاقة، إن على الدولة - رعاها الله - التي بادرت إلى الاهتمام والدراسة وإرسال الوفود عندما بدأت أسعار المواد الغذائية تزيد وتفكر في الاستثمار خارج المملكة إن عليها أن تدرس بجدية إيجاد حلول بديلة وطويلة المدى للمياه وجلبها إلينا من الشمال والجنوب أو الغرب فنحن أحوج ما نكون إلى حلول جذرية عملية مستقبلية مطمئنة ـ إن تكرار حدوث مشكلات المياه سنوياً في معظم مدن المملكة يجب أن يحفز وزارتنا الجليلة للمياه للبحث عن حلول إبداعية وخلاقة ومتطورة وربما الاستعانة بإحدى أفضل الشركات الاستشارية العالمية لدراسة هذه المشكلة وإيجاد حلول طويلة المدى لهذا الظمأ، إن تجنب المشاكل ونسيانها وجعلها في آخر أولويات الوزارة لا يساعد على نمونا ونهضتنا وتطورنا وانتقالنا إلى وضع يريح أجيالنا القادمة وأنفسنا ـ إن أمر التخصيص يبدو أمراً قد قضي ومضي ولا شك أن إعادة الدراسة الجادة لموضوع التخصيص والبحث عن السبل الراشدة لمراعاة وضع المواطن السعودي والمقيم والتعامل مع مشكلة المياه كمشكلة يجب أن تكون أولى أولويات الوزارة لإيجاد حلول دائمة وجذرية, لعلي اغتنم الفرصة لتقديم خالص شكري لصاحب السمو الملكي ولي العهد المعظم الأمير سلطان بن عبد العزيز - أعاده الله إلينا سالماً معافى - الذي لمس هذه المشكلة منذ زمن وكان رائداً في إيجاد الحلول اللازمة لها ـ وها هو ابنه الغالي صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان يحذو حذوه بتخصيص كرسي لدارسة وضع المياه في جامعة الملك سعود ـ إن الحلول الجذرية تحتاج إلى قرارات سياسية سيادية تضعنا على الطريق الصحيح لإيجاد الحلول الدائمة.
والله الموفق،،