رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الجاسر .. بين سياسة النقد والتأمين

أولاً نبارك للدكتور محمد الجاسر الثقة الملكية بتعيينه محافظا لمؤسسة النقد، ولا شك أنه الرجل المناسب في المكان المناسب، فالجاسر هو ابن "ساما" وقبل ذلك فهو يحمل سجلاً حافلاً من الإنجازات في مجال العمل المصرفي، ولذلك فلا غرابة أن يعتلي هرم البنك المركزي المنوط به رسم السياسة النقدية للمملكة، كما أنه سيكون مسؤولاً عن تطوير قطاع التأمين على اعتبار أنها الجهة التي تشرف على هذا القطاع في المملكة.
ولعلي أستغل مناسبة تعيين الجاسر على رأس هذا الجهاز الحيوي لأكتب له بعضاً من "خواطر" التأمين، وما أدراك ما التأمين؟! فهو ذلك المولود "الشقيّ" الذي وُلد في زمن لم يكن له فيه وليّ ولا آمر أو ناه، فكانت تربيته تتسم بالعشوائية وعدم الانضباط إلى أن تم إسناد الرقابة للعزيزة "ساما" فرفعت في وجه الجميع عصا النظام فبقي من بقي وخرج من خرج وجاء من جاء.
ولا شك في أن العزيزة "ساما" أجادت مهمة الرقابة رغم ضيق ذات اليد، فقد دُفع إليها بهذا المولود فجأة ودون استعداد منها، وهي معذورة حتى وإن جلست ردحاً من الزمن تتفرس في وجهه وتدقق في ملامحه، وهي معذورة كذلك لأن تعد العدة لتتعامل مع هذا المولود (حسب النظام).
وبما أن النظام بحاجة إلى توضيح وتفصيل وتنفيذ فقد اقترحت "ساما" لائحتها على ذوي الشأن ليتم إصدارها فيما بعد، وبالفعل فقد صدرت اللائحة رغم ما فيها من ملاحظات وأوجه قصور، ولكن الأمر ليس بمستغرب فالمولود جديد ولم يكن (المستشار) أو المسؤول بأعلم من السائل، فالسوق تعج بالمخالفات ووسائل القياس بحاجة إلى قياس ولا وقت كذلك للاستقراء ومعرفة الظروف أو البيئة، فالهدف محدد والغاية واحدة ولابد من علاج حتى وإن كانت وسائل العلاج مؤلمة وقاسية.
بدأت "ساما" تُخرج الكروت الصفراء ومن ثم الحمراء في وجه كثير من شركات التأمين التي لم تستوف الاشتراطات النظامية أو لم تستجب لوسائل العلاج وذلك تطبيقاً لمقولة آخر الدواء الكيّ.
ولكن فات على العزيزة "ساما" أن التأمين في حاجة إلى سياسة مثلما يحتاج النقد إلى سياسة، فكما أن إغراق السوق بالنقد هي سياسة غير سليمة و"ساما" لن تفعل ذلك لأنها تعرف أن النقود لا تُطبع عبثاً أو بلا هدف أو دون ضوابط.
ومؤسسة النقد تدرك أن السياسة النقدية لها معايير صارمة وخطوط واضحة ومحددة، والحق يقال إنها نجحت في رسم السياسة النقدية للملكة وببراعة تُشكر عليها. ولكننا كنا نأمل أن تكون بارعة في رسم سياسة واضحة ومحددة بخصوص قطاع التأمين باعتبارها مسؤولة عنه من الناحية النظامية.
ولعلي أدلل على ذلك بمسألة واحدة وهي أنه من المناسب أن تعالج "ساما" السوق بإخراج ذلك الكم الكبير من شركات التأمين من السوق، ولكنه من غير المناسب أن تعود وتُغرق السوق بعدد من شركات التأمين وفي وقت قصير.
وهذا يضع سياسة "ساما" بخصوص التأمين في المحك ويجعلنا نتساءل عن جدوى ذلك خصوصاً وأن المولود الجديد وهو التأمين هو مولود في حاجة إلى عناية أكثر وتدرج أكثر، فالمسألة ليست رقابة على شركات التأمين وإخراج شركات وإدخال أخرى بأسماء وبأوضاع قانونية مختلفة، فالأمر يتعلق بسياسة قطاع تتكون مفرداته من مستهلكين أو مستفيدين ومن أصحاب مهن وخدمات تتطلب وضع سياسة محددة فيما يتعلق بجودتها ومن مهن مساندة لا غنى للقطاع عنها ومن إمكانات بشرية ومالية وإدارية ومخرجات تعليمية وجوانب موضوعية ودينية. فرسم سياسة التأمين يعتمد على خريطة واسعة من العلاقات والمؤثرات المتبادلة.
في الختام كلي أمل أن لا تغيب هذه المفردات عن أجندة المحافظ الجديد، وأنا أعلم ـ بحسب ما نُقل لي أن المحافظ يهتم بما يكتب عن قطاع التأمين ويتابع ذلك بحرص ـ ومرة أخرى أبارك له المنصب الجديد الذي هو أهل له.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي