لماذا معظم دول العالم تناصر الدولة المعتدية؟ (2 من 2)
نواصل اليوم الحديث عما تناولناه في المقال الأول عن قضية تناصر الدول المعتدية، ومع شديد الأسف أن معظمنا ينظر إلى القضية الفلسطينية على أنها قضية أهل فلسطين وحدهم، وما علينا نحن العرب خارج حدود أرض فلسطين إلا واجب المساعدة المرتبطة بالأخوة العربية والإسلامية, وننسى أن إخواننا في الأراضي المحتلة يدافعون، ليس فقط عن أنفسهم ومن أجل استرداد حقوقهم المسلوبة، بل عن الأمة العربية جمعاء. وقد قدر الله لهم أن يكونوا في الخطوط الأمامية, وإذا لم يتمكنوا من الصمود والوقوف في وجه عدو الجميع، فإن خطوط المقدمة ستتراجع إلى حدودنا ونصبح نحن الذين نحارب العدو الصهيوني في خطوط أمامية جديدة. فهدف إسرائيل، إن لم تُوقف عند حدها، هو الاستيلاء على أكبر رقعة من أراضي الشرق الأوسط، وليس فقط أرض فلسطين، وهذه معلومة كلنا نعرفها، ولكننا لا نتحدث عنها لمجرد أننا نستبعد حدوثها.
ومنذ عدة أيام وصلت فرقاطة فرنسية إلى شواطئ مياه غزة لمراقبة الحركة البحرية في تلك المنطقة، حتى لا تستطيع المقاومة الفلسطينية تمرير ما يزعج دولة العدوان من سلاحٍ وغيره. وقد تطوعت دول أوروبية أخرى للقيام بعمل مماثل بقصد تعزيز أمن إسرائيل كما يزعمون، وكأنها هي الطرف المظلوم. نحن نعيش اليوم في زمن تفشت فيه ازدواجية المعايير, فصحيح أن الشعب الفلسطيني يركل تحت وطأة الاحتلال الصهيوني البغيض، ولكنه لا يخضع لنظم دولة إسرائيل، بل يمارس نشاطه خارج الأرض التي تحتلها إسرائيل. فلماذا إذاً يحق لدولة العدوان أن تتسلح بالقنابل الذرية والفلسطينيون لا يحق لهم أن يحملوا البندقية؟ ولو كانوا جزءاً من شعب الدولة اليهودية وداخل حدودها، لوجدنا لإسرائيل العذر في حرمانهم من حمل السلاح. إسرائيل تريد أن يتحول الشعب الفلسطيني إلى "رعية" غنم، وظيفته الرئيسة أن يأكل مما يُقدَّم له من قليل الطعام، وأن يترك بقيَّة أمور حياته بيد اليهود.
ونود أن نعرف رأي رجال القانون الدولي في أحقية امتلاك شعب فلسطين في غزة والضفة بعض أنواع الأسلحة للدفاع عن النفس، وهو حقٌّ ليس أكثر مما تكرَّم به بوش لدولة إسرائيل وسماه الدفاع عن النفس. وإن كنا نعلم سلفاً أن الدول المهيمنة على النظام الدولي لها رأيها الخاص فيما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها، حتى ولو أدى ذلك إلى إنزال ظلم عظيم بحق شعب من الشعوب، كما هو حاصل اليوم في غزة. نحن نقول وبثقة: إنه من حق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة أن يمتلكوا ما يشاؤون من أنواع السلاح، بموجب المنطق نفسه الذي يسمح للدولة الصهيونية بامتلاك السلاح النووي.
وهل يغيب عن أذهان الدول الغربية وأمريكا المتحيزة دوماً ضدنا أن الذي بحاجة إلى حماية من العدوان "الإسرائيلي" هو الشعب الفلسطيني الأعزل، وليس العكس، كما تتوهم تلك الدول؟
أما نحن العرب، فلماذا لا نعترف أنَّ المشكلة فينا، والمسؤولية تقع على عواتقنا، لأننا لا نحسن التضامن فيما بيننا ولا التكاتف أمام من يريد النيل منا؟ ويشهد التاريخ أننا لم نتفق يوماً ما على أيِّ شيء إيجابي يتعلق بالقضية الفلسطينية. وربما أن ذلك يعود إلى الحقيقة المُرَّة، وهي أن أهل فلسطين أنفسهم لم يكونوا في يومٍ ما موحَّدين في معظم أحوالهم ولا تحت قيادة رجل واحد يستطيع أن يأخذ ويعطي مع العدو والصديق. إخواننا الفلسطينيون هداهم الله، وخصوصا الحركات الكبرى، لا يزالون يتحدَّون بعضهم بعضا أمام وسائل الإعلام من أجل المصالحة التي يغطِّي بها بعضهم فشله، ويعرف كل طرف أنه لن يتنازل عن شروطه ومبادئه، فعلى ماذا إذا يتفقون؟
القضية الفلسطينية يا أحباب، في حاجة إلى جيل جديد يؤمن بوجوب تبني اختيار المقاومة، وفي الوقت نفسه يكون متفتحاً للاختيارات العملية العادلة. أما انتظار حدوث المعجزات، في الوقت الذي نرى فيه الجهود متشرذمة والقلوب متفرقة، فليس من الحكمة أن تترك الأمور تسير على ما هي عليه إلى ما لا نهاية. ومهما حسُنت النيات في ضوء اختلافات كبيرة في المبادئ الأساسية وتناحر على المراكز والألقاب، فلن تفلح جهودهم في الحصول على أيِّ مكسب للقضية الفلسطينية، وهو ما يُفرِح عدوهم ويُعمِّق جذور الاحتلال.
الدول العربية، وفي مقدمتها دول الخليج، تقدم للإخوة الفلسطينيين كثيرا من المساعدات المالية والتأييد المعنوي، ولكنها لا تبذل المجهود الكافي من أجل جمع الكلمة بين الإخوة الفلسطينيين أنفسهم، ومساعدتهم على بناء مؤسسة وطنية فاعلة وقادرة على تحمُّل مسؤولية مستقبل فلسطين. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بالتجرد الكامل من كل المصالح الخاصة والذاتية من جانب جميع الأطراف. إنها مهمة تكاد تكون مستحيلة، وهدف يحتاج تحقيقه إلى حزمة من المعجزات.
وفي الوقت نفسه، تحتاج القضية الفلسطينية إلى إنشاء أجهزة إعلامية متطورة، تشترك الدول العربية في تكاليفها، ويعمل فيها شباب ممن أكملوا تعليمهم العالي في مختلف دول العالم، حتى يستطيعوا الوصول إلى عقليات المجتمعات الغربية والشرقية, وتكون رسالتهم شرح أساس القضية الفلسطينية من وعد بلفور المشؤوم إلى عصرنا الحاضر، وما لحق بإخواننا أصحاب القضية من قتل وطرد وتشريد على أيدي العصابات الصهيونية، ولا يزال. لعل الله أن يكتب لنا التوفيق ويبيِّن الحق.
ونحن نشاهد بألم ما هو حاصل اليوم حول مَنْ الذي يجب أن يُشرف على صرف المنح والتبرعات لإعمار غزة المنكوبة. الناس هناك يموتون من الجوع والبرد ويبيتون في العراء، والأموال على الأبواب، ولا أحد يثق بأحد، والضحية هم أصحاب القضية. أما نحن فالأمور واضحة لنا, فالذين ذاقوا وبال العدوان وتحملوا مسؤولية المقاومة وظلوا مرابطين في وسط الميدان وصبروا على ما أصابهم، هم الأولى باستلام المساعدات والإشراف على إعادة بناء المرافق التي دمرتها يد العدوان. وإن لم تكن لدينا ثقة بهؤلاء، فهل نثق بمن لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟ ونقصد بذلك الذين كانوا يتفرجون من بعيد أثناء القصف الصهيوني على غزة ولم يحركوا ساكناً، وهم أنفسهم من أهل البيت، بل إنهم كانوا أقرب إلى كونهم شامتين مما كان يحدث من جرائم بحق إخوانهم في غزة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.