السياسة الوطنية للسيارات الكهربائية
تمثل السيارات الكهربائية إحدى التقنيات ذات الإمكانات الهائلة لتحويل صناعة النقل وكهربتها بأكملها، وتتسابق الدول في تبني سياسات لتسهيل استخدام السيارات الكهربائية في مجتمعاتها. وعلى هذا النحو تمثل شركات السيارات الكهربائية فرصا مهمة للمستثمرين الذين يمكنهم تحديد وقت ومكان الاستثمار في هذه السوق الواعدة. وتتجاوز الفرص الاستثمارية في شركات رائدة مثل تسلا، إلى مصنعي السيارات والشركات الناشئة الجديدة خصوصا الشركات الصينية والصناعات الداعمة مثل صناعة تخزين الطاقة (البطاريات). وكما هو الحال في جميع الاستثمارات، فإن اعتبارات استراتيجية الشركات وتقييمها وتوقيت الاستثمار أمر بالغ الأهمية. وتأتي مكاسب الاستثمار الاستثنائية من توقع الصناعات الناشئة الجديدة والاستثمار في الشركات الرائدة في تلك الصناعات الجديدة. ومن المتوقع إطلاق المئات من السيارات الكهربائية الجديدة في الأعوام المقبلة، حيث بيع ما يقرب من مليوني سيارة كهربائية عام 2019. ومن المتوقع أن يرتفع في عام 2021 ليصل إلى ما يقارب العشرة ملايين سيارة كهربائية بحلول عام 2025. إن مصنعي السيارات الحاليين هم من المنافسين المهمين في سوق السيارات الكهربائية في العالم، لأن لديهم البنية التحتية سواء كانوا وكلاء بيع أو توزيع أو خدمات، فضلا عن قاعدة عملاء راسخة. ولا تمثل السيارات الكهربائية بالنسبة لهذه الشركات فرصة للنمو بقدر ما هي ضرورة لدرء المنافسة. ومنهم على سبيل المثال "جنرال موتورز" و"فورد" و"فيات" و"فولكس واجن" و"تويوتا" وغيرها كثير حتى إن شركة بنتلي أعلنت أنها ستصنع السيارات الكهربائية فقط بحلول عام 2030، في إشارة إلى تخليها عن سيارات الاحتراق الداخلي (التقليدية). ويوجد عديد من التقارير تشير أن السيارات الكهربائية ستقوم بزعزعة مبيعات سيارات الاحتراق الداخلي خلال الأعوام المقبلة. وتتمثل لعبة الاستثمار في أن رجال الأعمال يقيمون السوق عندما يستعرضون قصص النجاح أو يكملون تصنيع سياراتهم الحالية بالسيارات الكهربائية.
إن صناعة السيارات الكهربائية باتت تمثل فرصا واعدة وتحديات واقعية، وفي السعودية يمكن تعظيم الفرص وتقليل التحديات للاستفادة القصوى من السيارات الكهربائية. ومن الأهمية بمكان أن تخطو المملكة نحو تبني سياسة واضحة تتيح لها استخدام السيارات الكهربائية وتكاتف الجهات والقطاعات ذات الصلة في رسم تصور أو خريطة طريق لمواكبة العالم المتقدم، حيث لا نكاد نرى سيارة كهربائية أو محطة شحن في المملكة لعدم السماح باستيراد هذا النوع من السيارات للسوق السعودية قبل تهيئة الإمكانات اللازمة كإعداد المواصفات القياسية وإيجاد ورش الصيانة وتوفير قطع الغيار وتأهيل الفنيين المختصين في إصلاحها وصيانتها. ومما لا شك فيه أنه يتطلب دعما في أسعار السيارات والشواحن الكهربائية مقارنة بغيرها في سيارات الاحتراق الداخلي المتوافرة التي تنعم بالدعم الحكومي في أسعار الوقود. وكما تمت الإشارة إليه في مقالات سابقة فإن من الضروري البدء في مراحل تجريبية قبل فتح السوق كاملة، ودراسة العادات الاجتماعية والنتائج الأولية لتأثير السيارات الكهربائية في الشبكات الكهربائية والأرقام المالية والحوافز المستهدفة، إضافة إلى دراسة توجهات السوق المحلية ورغبات المستهلكين. وهذا سيثري رسم (السياسة الوطنية للسيارات الكهربائية)، ما نتطلع معه إلى منافسة دول العشرين في أهم الصناعات ذات الطابع المستدام. إن رؤية المملكة 2030 تتمثل في بناء اقتصاد منافس وتنمية مستدامة، ولا شك أن صناعة السيارات الكهربائية ستؤدي إلى إيجاد بنية تحتية محفزة تسهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمملكة. ويمثل الاستثمار في السيارات الكهربائية هدفا حقيقيا سواء بالنسبة للتصنيع أو للشواحن أو للتطبيقات المختلفة والاستيراد والتصدير. لقد وقع صندوق الاستثمارات العامة اتفاقية استثمار تتجاوز مليار دولار مع شركة لوسيد لتمكين الإطلاق التجاري للسيارات الكهربائية، وعليه نرى أن فكرة إنشاء شركة مختصة (الشركة الوطنية للسيارات الكهربائية) يمتلكها صندوق الاستثمارات العامة أمر يستحق البحث والدراسة. وتقوم الشركة على شراء الكهرباء بالجملة من الشركة السعودية للكهرباء وبيعها من خلال الشواحن المثبتة في مراكز التسوق ومواقف العمارات السكنية والمواقف العامة، وكذلك تركيب الشواحن في المنازل السكنية وغيرهما، ما يعطي الشركة الحق الاحتكاري في شراء الشواحن حسب المواصفات والمقاييس وبيعها وتركيبها. وتقوم الشركة على بناء التطبيقات الرقمية لمعرفة مواقع الشحن ورصيد كل مشترك أو مستخدم للسيارة الكهربائية. أما جانب الاستيراد والتصدير، فيترك مفتوحا وقابلا للمنافسة من قبل الشركات الحالية. لقد شهدت الأعوام الماضية تطورات عديدة في مجال السيارات الكهربائية من شركات مصنعة مثل تسلا وفورد وبورش وغيرها. ولقد قامت شركات صناعة السيارات بادعاءات مختلفة من حيث المبادرات السريعة والفاعلة التي ستقوم بها السيارات الكهربائية والهجينة الجديدة على مدى الأعوام القليلة المقبلة، من أجل الاستجابة لمعايير الكفاءة وتقليل الانبعاثات الغازية. وعليه قام بعض الشركات المصنعة بمراجعة تقديراتها السابقة والتخطيط للوصول إلى أهداف كهربة صناعة النقل في وقت أقرب مما هو متوقع على كل أحجام السيارات الخفيفة والثقيلة. وحيث إن المملكة عضو فعال في مجموعة دول العشرين التي يمتلك أغلبها سياسة أو استراتيجية واضحة للسيارات الكهربائية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا أو دول الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا أو الصين واليابان وكوريا الجنوبية، حيث إن الكل يمضي قدما في تسهيل التصنيع أو الاستثمار أو التمكين على أرض الواقع، نرى ضرورة لحاق المملكة بالركب الصناعي في مجال السيارات الكهربائية والبدء تدريجيا نحو بناء استراتيجية أو سياسة وطنية لتلك الصناعة المهمة.