هل تعبر اللغة عن صاحبها؟
هل يكشف الخطاب صاحبه؟ أي: هل ما ينطق به الفرد من ألفاظ، وجمل يمكن توظيفه لمعرفة مشاعره، من حيث التفاؤل، والإحباط، والخوف، والتوتر، والفرح، والسرور، أو الغضب، وهل لغته تكشف عن الأفكار التي تجول في عقله، سواء من حيث القناعة، والقبول بأمر ما، أو الرفض، والاشمئزاز من هذا الأمر، أو ذاك، كما أن اللغة ذاتها تكشف نوع الفكر الذي يؤمن به، أو يعاديه، فيما لو رجعنا لما كتبه البعض، أو تلفظ به في خطاب، أو مقابلة شخصية، أو حديث عابر في مجلس.
فرق بين الخطاب الناجم عن الظرف الطارئ الذي يمر به الفرد، والخطاب الرتيب المتكرر الذي يلاحظ على الفرد في كل الظروف، والحالات، من يستعد لمقابلة مهمة لوظيفة أو غيرها ربما تتضح حالة التوتر، والارتباك على خطاب الفرد، ومفرداته المعبرة عن حالة القلق وعدم الارتياح، والضغط، ومن سمع بخبر سار تتدفق الألفاظ المعبرة عن الفرح، والسرور من بين شفتيه، وهكذا في سائر الظروف، كل ظرف، وعلى حسب طبيعته تكون اللغة المعبرة عنه.
هل توجد لغة مميزة للفرد؟ نعم، بعض الأفراد، وعلى حسب نضجهم، وأعمارهم، ومهنهم تكون اللغة الظاهرة، وشبه المستديمة، فرجل الأعمال يطغى على أحاديثه الكلام عن المال، والمشاريع، وتقلبات أسواق المال، والجديد في المجال الذي يعمل به، أما السياسي فتكون أحاديثه مفعمة بأخبار، ومستجدات السياسة محليا، أو عالميا، وتجده ملما بمعلومات مستفيضة، وعميقة بالسياسيين، والأحزاب، وأنظمة الحكم في العالم، والأحداث القريبة والبعيدة، أما الطبيب فيغلب على لغته الحديث عن الأمراض، والأدوية، والجديد، والإرشادات التي يقدمها لمستمعيه، حسب الظرف الزماني، والوضع السائد، كما في وضعنا الحالي مع كوفيد - 19، حيث يغلب الحديث عن الوباء.
خصائص الشخصية تجعل من لغة الشخص رزينة، موزونة، هادئة، ناعمة، رقيقة على أذن السامع، أو شعبوية يتسم صاحبها باستخدام الألفاظ النابية الخشنة، الثقيلة على من يسمعها، وتشعر بالاشمئزاز، والنفور، ونوع اللغة يحدث لدى السامع الشعور الذي يتناسب مع طبيعتها، ولذا عبر الشاعر الكفيف بشار بن برد بقوله:
يا قومُ أذني لبعض الحي عاشقة
والأذن تعشق قبل العين أحيانا
لغة المتحدثة، وصوتها يحرك مشاعر الحب، ويدغدغ العاطفة تجاه الطرف الآخر ما يؤكد دور اللغة، ونوع الألفاظ، وطريقة النطق في الكشف عن شخصية المتحدث، حتى لتجعل الكفيف يتخيل المتحدثة وجمالها ليقع في حبها، وفي هذا السياق يقول الفيلسوف سقراط: "تكلم لأراك". موضحا بهذه العبارة دور منطق الفرد في كشف ذاته بإيجابياته، وسلبياته، واهتماماته، ومعتقداته، وأفكاره، ومشاعره، ومستوى ثقافته، ولذا نقول في المثل العربي: "لسانك حصانك إن صنته صانك، وإن خنته خانك". لما للغة الفرد من دور في تشكيل صورة عن المتحدث، وهذا يؤكد دور اللغة وأهمية العناية باختيار الألفاظ، وهذا يؤكد المثل القائل: "كم من كلمة قالت لصاحبها دعني"، وذلك لبشاعة الكلمة، وعدم مناسبتها للموقف، أو الظرف مع أن من يتجرأ على الكلام البذيء والرديء لا يعبأ، ولا يعطي اهتماما بالآثار المترتبة على كلامه.
نوع الخطاب يمكننا من معرفة المتزلف، والصادق، ونعرف الطرح الموضوعي المدعم بالأدلة، والشواهد المستند إلى قواعد، وأسس علمية عريقة، وهذا يميزه عن الطرح الذاتي المتسم باللجلجة، ورفع الصوت، ومفردات بائسة يظن صاحبها أنه يقنع الآخرين برأيه، وفكرته التي يطرحها إن كان لديه فكرة، وذلك من خلال المؤشرات اللفظية، وفي أوضح صورة حول أهمية اللغة منطوقة، أو مكتوبة في كشف خبايا المتحدث طريقة الحديث حين يخاطب الله رسوله بقوله: (ولتعرفنهم في لحن القول). مشيرا بذلك إلى طريقة الحديث لدى المنافقين ووضوح النفاق لديهم بالتمعن في طريقة حديثهم.
لغة الجسم، وما يبديه الفرد في نظراته، وحركات يديه، وقسمات وجهه لها دلالتها في الكشف عن مكنوناته تضاف للغة اللسان والشفاه، فهل نوظف الخبرة، والمعرفة العلمية في هذا المجال في حياتنا اليومية في المدرسة للاستدلال على احتياجات الطالب، والمشكلات التي يمر بها؟ وهل يستعين الطبيب النفسي بأقوال، وطريقة حديث الفرد لكشف الاضطراب النفسي؟ وهل يوظف المفاوضون في التجارة، والسياسة مدلولات اللغة عند التعامل مع الآخرين؟.