النرويج تنجح في البقاء .. ومدن "البترودولار" الخليجية تكاد تختفي
رغم أن النرويج وبلدان الخليج يجمعها "نعمة النفط"، بيد أن البون شاسع بينهما في استثمار هذه النعمة، إذ بينما تمكنت النرويج وهي بلد أوروبي من خلق صناعات جديدة على أساس النفط أصبحت تلعب دورا بارزا في اقتصادها واستثمار العائدات النفطية بشكل مستقل عن الاستهلاك المحلي وتفادي الموازنة الصدمات الاقتصادية الناجمة عن تذبذب أسعار النفط، ما جنبّها نقمته، تحولت مدن الخليج إلى "أشباح" خصوصا عندما تتناقص فرص العمل وغادر السكان المستوردون.
ذلك المشهد كان بارزا خلال منتدى التنمية الخليجي الذي اختتم أعماله في المنامة الجمعة، لكنه لم يحظ بضوء كبير في وسائل الإعلام، في حين شدّ الانتباه مصطلح مدن "البترودولار" الخليجية التي نشأت فجأة وبسرعة نتيجة للطفرة البترولية في منطقة صحراوية خالية، وأصبح هناك سباق على تشييد هذه المدن وكأنها "صفقة" يجب أن تستغل بأقصى سرعة ممكنة.
وتحدث الدكتور مشاري بن عبد الله النعيم عن مدن الخليج قائلا "كانت هناك إشارة واضحة لصعود مدن جديدة سيكون لها التأثير نفسه الذي أحدثته مدينة دبي على وجه الخصوص، هذه المدن هي الدوحة والمنامة بدرجة أكبر والكويت بدرجة أقل".
وأوضح أن كثيرا من المهتمين أكدوا على ماهية شكل مدن الخليج العربي العام 2015 عندما تكتمل المشاريع، "وكان ذلك قبل الأزمة المالية الحالية التي بدأ أنها ستؤجل كثيرا من المشاريع المقترحة، وربما ستتوقف بعض المشاريع القائمة"، معتبرا أن مدن الخليج تحولت إلى "مدن أشباح" خصوصا عندما تناقصت فرص العمل وغادر السكان المستوردون لتعود تلك المدن إلى سابق عهدها في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.
وأضاف "كل هذه المخاوف لها ما يبررها خصوصا أن بعض البوادر تظهر على مدينة دبي التي تعود النموذج الأساسي الذي سارت على نهجه باقي مدن المنطقة"، معتقدا أن ما حدث كان نتيجة لاعتبار مدن الخليج وكأنها "صفقة" يجب أن تستغل بأقصى سرعة ممكنة عند تدشين أي مشروع جديد.
وبين النعيم أن مصطلح مدن "البترودولار" التصق في مدن الخليج على وجه الخصوص كونها مدن نشأت فجأة وبسرعة نتيجة للطفرة البترولية وفي منطقة صحراوية خالية من أي موارد سوى النفط، مشيرا إلى أن الأساس الذي قامت عليه مدينة مثل دبي هو ثقافة "البترودولار" لمرحلة ما بعد الطفرة النفطية الأولى.
وقال إن الثقافة "البترودولارية" كانت تدفع مدن المنطقة إلى البناء "كيفما اتفق" وربما لحاجة وهمية ومفتعلة نتجت عن استيراد سكان مدن ليست بحاجة إلى المبالغة في البناء وإنما لترشيد التنمية، مؤكدا أن الرغبة في وجود مدينة حديثة هي التي صنعت المدن "البترودولارية" وليس الحاجة الفعلية لها.
غير أن الاقتصادي فاروق القاسم حاول استحضار تجربة النرويج واستفادتها من النفط باعتباره "نعمة"، قائلا سعت الحكومات النرويجية المتعاقبة على خلق صناعات جديدة على أساس النفط، مشيرا إلى أنها اشترطت على الشركات الدولية المساهمة في تطوير الصناعة المحلية داخل صناعة النفط وخارجها، حيث تمكنت النرويج من خلق صناعة لتجهيز عمليات النفط على مستوى دولي مرموق، واليوم تشكل التجهيزات النفطية أهم مصادر الإنتاج والتصدير.
وبلغت قيمة صادرات النفط في عام 2006 نحو 70 مليار دولار، في حين يعتبر تصدير التجهيزات النفطية اليوم من أهم مصادر التصدير حيث بلغت الصادرات في العام ذاته نحو 4.7 مليار دولار.
وبحسب القاسم فإن هذين المصدرين لمجمل الصادرات النرويجية يدلان بوضوح على أن القطاعات غير النفطية ما زالت مزدهرة وتلعب الدور الرئيسي في اقتصاد النرويج، ففي عام 2006 ورغم أن أسعار النفط مرتفعة في تلك السنة فقد كانت الصادرات باستثناء النفط تعادل الصادرات المرتبطة بالنفط، مضيفا " وبالطبع فإن النسبة اليوم تحت الأسعار المنخفضة للنفط هي أكثر بكثير في صالح الصادرات غير النفطية.
وقال إن أهم الخطوات التي ساعدت النرويج على تحاشي نقمة النفط هي السيطرة على اتجاه وزخم عمليات النفط، ودعم وتشجيع الصناعة المحلية للمشاركة في عمليات النفط واستعماله كوسيلة لتنمية صناعات جديدة مستديمة غير معتمدة على استمرار عمليات النفط.
وأوضح أن صندوق النفط الذي يستثمر العائدات عمل على فصل عائداته عن الاستهلاك المحلي وحماية الاقتصاد الوطني من نقمة النفط، متابعا "وكذلك حماية الموازنة من الصدمات الاقتصادية الناتجة عن التذبذبات العنيفة في أسعار النفط".