"نحن" والأزمة المالية "العالمية" .. التأثير بالإيحاء!!

يبدو أنه وحتى يظهر المسؤول والمعلق، سواء من القطاع الخاص أو العام على أنه ملم بالأزمة المالية التي يمر بها النظام المالي "العالمي"، ويفهمها، لابد له من أن يجير كل ما نمر به "محلياً" و"خليجياً" من خلال هذه الأزمة حتى يظهر أهمية مركزه! وإلا كيف نفسر ومن خلال عدد كبير من المقابلات والتصريحات التي نشاهدها أننا نعيش أزمة مالية "عالمية"! كلام لا يوجد على أرض الواقع ما يؤكده أو يشير إليه. نعم لديهم هناك في الغرب أزمة حقيقية، ولدينا هنا تراجع واضح في أسعار النفط وهناك تراجع في الطلب على منتجات التصدير مثل البتروكيماويات! الأمر الذي أثر في نتائج الشركات المنتجة لهذه الصناعة وعلى رأسها شركة سابك، من كونها تحقق أرباحا بنسبة تفوق 100 في المائة من رأسمالها إلى نحو 10 في المائة أو أكثر من رأسمالها فقط. لكن المتحدثين يتحدثون عن وجود أزمة في الاقتصاد ككل! وليس عن حالات تعثر معينة لرجالات أعمال أو منشآت خاصة، أصلا ليست لها إضافة في الناتج المحلي. بكلام آخر، هل نعيش نفس الحالة التي يعيشها الاقتصاد الأمريكي والبريطاني والغربي عموماً أم لا على مستوى الاقتصاد الحقيقي وغير الحقيقي؟ هل يمكن أن ندخل في حالة كساد مثلاً؟
هل فعلا "نحن" نعيش في أزمة مالية "عالمية" معها ؟ تلاحظون أني وضعت ما بين مزدوجين كلمة "نحن" وكلمة "عالمية" في العنوان. الأمر الذي يعني أننا بحاجة إلى تعريف المقصود بـ"نحن" وكذلك كلمة "عالمية"! وبعيدا عما قد يفهم خطأ، فـ "نحن" هنا، هل تعني المملكة أم تعني الخليج؟ أحد أهم أخطاء الإعلام اليوم أنه يتحدث عن اقتصاد الخليج وكأنه وحدة واحدة! بطبيعة الحال نتمنى الوصول إلى ذلك اليوم من التكاملية والوحدة الاقتصادية، ولكن على أرض الواقع هناك اختلافات جذرية وحقيقية بين اقتصاديات الخليج، وبالذات في تركيبة تلك الاقتصاديات! "نحن" جزء من العالم بالتأكيد ولكن على أي أرضية يأتي هذا التشابك مع العالم؟ وما مستويات التأثر والتأثير التي نتحدث عنها بعموميات دون وجود أرضيات لهذا التأثر والتأثير؟!
على الرغم من تعدد الآراء في المجتمع الاقتصادي والمهني الغربي حول ما يجري لهم من أزمة إلا أننا لا أشعر بنفس التعب و"الإحباط" الذي نشعر به ونحن نقرأ عن مسببات الأزمة ووجهات النظر الاقتصادية حول الأزمة في الإعلام العربي. أقول رغم الاختلاف الواضح في وجهات النظر في مسببات الأزمة في العالم الغربي عبر الوسائل الإعلامية والأوراق العلمية المقدمة والمنتديات والندوات، إلا أننا نجد شبه إجماع على ثوابت الأزمة من الناحية المهنية والأرقام، ومن ثم تتشعب الاستنتاجات إلى حدود واسعة من خلال ربط الكثير من الحقائق السياسية، والاقتصادية والاجتماعية لديهم بما جرى. وتصبح الأسئلة على غرار، هل هي أزمة نظام Systematic Risk أم أزمة مالية فقط Financial Risk، وعليه لا نجد أزمة في شرح وتوضيح الأزمة من الناحية المهنية. أما نحن، فأتحدى أي متخصص أن يوضح بشكل رقمي تأثير الأزمة فينا؟ وكيف دخل هذا التأثير؟ وعن أي طريق؟ رغم أن الحكومة قدمت رؤية واضحة للإنفاق خلال السنوات الخمس المقبلة وكذلك تدخلات السياسة المالية والنقدية، ولكن كل ذلك أتى في سياق القراءة الرسمية للأزمة، والتي نحن غير محيطين بها.
أما مع إعلامنا العربي العتيد! فنجد تعدد الآراء واختلاف وجهات النظر حتى في أرقام الأزمة! فما بالك في شرح الأزمة! وفوق كل ذلك مسببات الأزمة! ويبدو أن المسؤول واقع في حيرة ما بين أنه يريد أن يظهر أنه من الأهمية بمكان من خلال إظهار نفسه أن جزءا من الأزمة "العالمية" والتي أخذت شكل (البريستيج) في بعض جوانبها، وفي نفس الوقت يريد أن يكون بعيداً عن الأزمة ولم يتأثر بها في صور أخرى! وتعريف المسؤول هنا هو صاحب المسؤولية سواء في القطاع العام أو الخاص.
الأزمة المالية "العالمية" هي ليست "عالمية" بالمطلق، لكنها أمريكية وأوروبية بحتة. ولا أدري كيف أن الإعلام العربي لم يدرك إلى اليوم حقيقة أن كلمة "عالمية" تعني بالنسبة لأمريكا وإعلامها شيئا مختلفا عما تعنيه لنا؟ ويجب أن ندرك هذه الحقيقة. كما أن كلمة "نحن" يجب أن تَعرف بشكل دقيق عند الحديث عن الأزمة، والسبب أن الأزمة ومن وجه نظري ضربت وسوف تضرب بشكل أقوى خلال العام الحالي 2009م دولا مجاورة لأنها داخلة بشكل مباشر ومتداخلة مع منتجات الأزمة الأمريكية الأوروبية، ولأن اقتصادها قام على أسواق المضاربات، رغم محاولات البعض "زبرقة" الصورة أمام العامة، ولكن الشمس لا تغطى بغربال كما يقال! أما "نحن" المملكة فالصورة مختلفة.
الوجه الآخر للمشكلة أننا نشاهد بين الحين والآخر، إعلامنا العربي يحتفي بصدور تقارير عن مؤسسات مالية غربية رسمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وكذلك مؤسسات مالية استثمارية وبنوك عامة "مفلسة" تتحدث عن السوق الخليجية والاقتصاد الخليجي، وكأن تلك المؤسسات تمتلك معلومات عنا لا نعرفها نحن! عجبي! لا أعرف إن كان الإعلام العربي يدرك أن مثل هذه المؤسسات مفلسة أصلاً ولم تستطع حماية نفسها أولا، فكيف بمن تدعي هي أنهم غرقى! ثانياً لديها مكاتب في دول الخليجية تمثل ذراعاً تجارياً تعمل من خلالها، مما يعني عدم قدرتها، كما هو حال غيرها، للحصول على معلومات دقيقة عن حقيقة الوضع الاقتصادي الخليجي بشكل عام أو خاص. والأهم من ذلك، هناك رغبة في تأكيد أن هناك أزمة عبر "الإيحاء" لنا بذلك ويبدو أن الهدف هو الإرباك وبالتالي طلب المساعدة العاجلة من المؤسسات والمكاتب الاستشارية تلك. سمعنا أن أسعار الفائدة تتجه إلى الصفر في أحد تلك التقارير في دول الخليج! ولا أعلم على أي أساس صدر ذلك التقرير، حيث لم يوضح كيف تم الوصول إلى هذا الاستنتاج؟ سمعنا تقارير تحذر الشركات الخليجية من أنها قد تواجه مشاكل، وأنها بحاجة إلى إعادة هيكلة مالية! وكأن لسان حال كاتب التقرير يقول لهم نحن هنا لتقديم المساعدة! عقولنا (ومعلوماتنا) مسخرة لكم! عجبي! وأيضا يقدمها الإعلام وكأنها اكتشاف مذهل في ظل جهل (مدقع) . كلي أمل أن لا تكون تلك التقارير مدفوعة القيمة لبعض الوسائل الإعلامية التي تروج لها! أنا لا أطالب بمنع الإعلام عنها، ولكن التمحيص في كثير من التقارير خاصة عندما تكون تلك الجهات لديها مشاكل وحالات إفلاس، ولا تزال في خليجنا العامر (مالياً) والفقير، زعماً، (معلوماتياً) تلعب دور (الناصح) الأمين! تنصح وتعلم المسؤولين كيف يديرون اقتصادهم! في حين أنها تتهرب من الإعلام الغربي! الذي يلاحقها بهدف المساءلة وليس التمجيد لها والتسبيح بحمدها كما يفعل إعلامنا اليوم! عجبي! حقائق تمحص في الغرب وترفع ضدها القضايا، ومعلومات (مشبوهة) تمرر في الشرق قيض لنا أن نتناولها كما لو كان الباطل لا يأتيها من بين أيديها ولا من خلفها! ألم أقل لكم ! عجبي!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي