رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تنظيم الخدمات بين الواقع والمأمول «2 من 2»

إن أهم مميزات المنظم هي الاستقلال والشفافية والصلاحيات والمسؤولية للقيام بواجباته على أكمل وجه، وقد يعتقد البعض أن استقلال المنظم يجعله غير خاضع للمساءلة عن قراراته وهذا غير سليم. يأخذ المنظم القرارات بعد التشاور المفتوح وإبداء الأسباب والرد على الاستفسارات التي تطرح من قبل أصحاب المصلحة ذات العلاقة. كما يقوم بمراجعة قراراته في حال طلب الجهات المتأثرة بقراره، كما أن على المنظم أن يقبل حق نقض قراره من المحاكم ويقبل المساءلة من وسائل الإعلام المختلفة والخبراء المختصين. وكي يكون التنظيم فاعلا حسب الممارسات الحديثة، يجب أن تكون هيئة التنظيم قابلة للتواصل من قبل الأطراف المعنية وأصحاب المصلحة، كما أشار البروفيسور، راو في كتابه "السلطات التنظيمية"، لكن لا ينبغي أن يؤدي إلى التدخل أو الاعتراض غير المبرر في كل مرة لأن ذلك قد يسبب تأخير الإجراءات وبالتالي إلحاق الضرر بالصناعة. لكن في حقيقة الأمر نجد أن بعض هيئات التنظيم لم تحقق الأهداف المرجوة منها لأسباب عديدة منها أن المنظمين المختارين يغلب عليهم الطابع الإداري البحت ممن قضوا معظم حياتهم المهنية في إدارات حكومية. كما أن منها أيضا مماطلة بعض الجهات ذات العلاقة في تمكين هيئات التنظيم، خصوصا الناشئة، من القيام بواجباتها على النحو المطلوب ما قد يؤدي إلى عدم توفير المعلومات أو إخفائها أو عدم الامتثال لتوجيهات المنظم، ما يؤخر اتخاذ القرارات الضرورية أو الإخلال بصحتها وسلامتها.
لقد أدى مفهوم استقلالية هيئات التنظيم في بعض الأحيان، إلى وجود فجوة واضحة في عملية التواصل بين المنظمين والمرخص لهم والدوائر الحكومية. إضافة إلى ذلك، لم يبد المرخص لهم أي استعداد لقبول هذه السلطة الرقابية الجديدة، وتمثل ذلك في عدم تنفيذ توجيهات المنظم وبالتالي تأخير الاستجابة لطلباته أو مخالفة قراراته حتى أصبحت كثرة المراجعات واستئناف القضايا هما الاستجابة الغالبة لقرارات المنظم. وعلى الجانب الآخر، يخلط المنظم أحيانا بين الاستقلالية وعدم المساءلة، ما جعله غير متمكن من أداء مهامه، وبالتالي عدم فعاليته أو ضعف الصناعة عموما. وقد يكمن السبب في طبيعة تكوين المنظم من حيث الضغوط الخارجية أو عدم الاقتناع بالحاجة إليها وما يترتب عليه من غياب الالتزام بتفعيل دوره. يقول البروفيسور راو: "لقد أسيء فهم مصطلح الاستقلالية فيما يخص هيئات التنظيم المستقلة، فليس هناك استقلال كامل من الحكومة لأن هيئات التنظيم هي أيضا جزء من تلك الحكومة، لكن استقلالية عمل المنظم تكمن في أداء المهام الحرجة، مثل تنظيم هيكل التعريفة وحسابها". إن مفهوم الاستقلالية لا يعني غياب المساءلة لأن هيئات التنظيم لا تملك سلطة كاملة على جميع القرارات بأي قضية. من جانب آخر، يجب أن نربط الاستقلالية بالشرعية، فالاستقلالية ليست غاية في حد ذاتها، بل يجب أن تستخدم هيئات التنظيم ما لديها من سلطة واستقلالية لتثبيت شرعيتها بوصفها جهة موضوعية لا تتأثر بأي طرف من الأطراف المعنية في القضايا ذات العلاقة. إن على المنظم أن يبرز الأسباب الكامنة لكل القرارات المتخذة بعد التشاور مع جميع الأطراف المعنية، ويعتمد اكتساب هيئة التنظيم للشرعية إلى حد كبير، على قدرات منسوبيه في اتخاذ القرارات الصائبة. من جانب آخر، تندرج الصلاحيات التنظيمية التي تمارسها الهيئات في صلاحية منح التراخيص أو السيطرة على نشاط اقتصادي معين، ويجب التنويه إلى ألا يبالغ المنظم في حساب المقابل المالي للرخصة، فهيئة التنظيم جهة غير ربحية. كذلك صلاحية تحديد التعريفة، حيث تمتلك هيئة التنظيم السلطة في تحديد التعريفة التي يتقاضاها المرخص لهم، وأخيرا صلاحية تنظيم الممارسات التجارية، حيث تمتلك هيئة التنظيم حظر الممارسات في مجال الأعمال التجارية.
تستند هيئات التنظيم إلى قيم متعددة وتتميز بها ويجب أن ترسم بكل وضوح في رؤية المنظم ورسالته ومنها المساواة في المعاملة، حيث تجسد هذه القيمة التنظيمية المبدأ الأساس الذي يتمثل في معاملة الجهات المتماثلة معاملة متساوية. ويجب أن تكون هيئة التنظيم مرنة في التعامل مع أصحاب المصلحة وهذا من شأنه تسهيل العملية التنظيمية وإعطاء فعالية لها مقارنة بإجراءات المحاكم. ومع ذلك، يجب على هيئة التنظيم رسم خطوط واضحة لسياساتها وتعاملاتها وتجنب العشوائية عند تطبيقها. وتعد الكفاءة من القيم التنظيمية، فالغرض من وجود هيئة تنظيم مستقلة بصلاحيات متعددة هو تسهيل وضع السياسات التنفيذية وتطبيقها بكل كفاءة ماليا وإداريا. ومن القيم التنظيمية: مبدأ المسؤولية وهو أن الذين يطبقون القوانين مسؤولون أمام الجهات العليا، ومنها المشاركة، حيث يشترك المنظم في صنع القرارات من خلال التشاور وإبداء الرأي، الأمر الذي من شأنه إرسال إشارة طمأنة إلى صناع القرار أن الإجراءات الحكومية تسير في المسار الذي يخدم المصلحة العامة. ومن القيم التنظيمية العامة خدمة المشتركين وحمايتهم وتحفيز الصناعة والتنافسية ومراقبة الجودة وتدابير السلامة وضبط الأسعار وغير ذلك.
يظل اختلاف المدارس العالمية في التنظيم شيئا لافتا للنظر، إذ لا توجد طريقة مثالية للتنظيم، ولذلك يذهب البعض إلى أن تنظيم الخدمات فن يشتمل على تخصصات مختلفة أكثر من كونه علما في حد ذاته. إن قوة المنظم في أداء مهامه هي الاتجاه الصحيح نحو بناء صناعة رصينة ودفعها نحو التنافسية ونمو الاستثمار، بما يكفل استدامة الشركات وتمتع المستهلك بكل الخدمات المقدمة مع حفظ حقوقه. مع أن الملاحظ أحيانا من أوسط العموم وبعض وسائل الإعلام هو عدم التفريق بين دور المشرع والمنظم ومقدم الخدمة، ما يعد تحديا يستوجب ظهور المنظم في الفضاء الإعلامي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي