موظفو القطاع الخاص .. ضربتان في الرأس توجع مع بداية 2009
بداية عام 2009 ليست مبهجة لموظفي القطاع الخاص. فالمتقاعدون منهم يمر عليهم هذا العام، وللسنة الثانية على التوالي، وهم محرومون من بدل غلاء المعيشة، على الرغم من كون المؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات مؤسستين حكوميتين. الرسالة غير المعلنة لطالبي العمل في القطاع الخاص أن نظام التقاعد الحكومي أكثر استجابة للمتغيرات المعيشية المستقبلية من نظام التقاعد الخاص.
أما الضربة الأخرى فتدور حول سعي كثير من الشركات الخاصة لتقليص موظفيها بسبب تداعيات الأزمة العالمية، كما أن البعض الآخر يسعى إلى تخفيض رواتب موظفيها كأحد الخيارات البديلة لتقليل تكلفتها التشغيلية. إحدى الشركات الاستثمارية يدرس مجلس إدارتها تخفيض ما نسبته 30 في المائة من الراتب الأساسي لجميع موظفيها كإجراء لتقليل تكلفتها التشغيلية.
أضف إلى ذلك ضعف مميزات التقاعدية خصوصا فترة التقاعد المبكر لموظفي التأمينات الاجتماعية مقارنة بمتقاعدي المؤسسة العامة للتقاعد. من جهة نقدر دور محافظ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية على سعيه الحثيث من أجل زيادة موارد المؤسسة والتحقق من جدوى استثماراتها، لكن ما يجب الالتفات إليه تغليب القرارات التي تدعم توجه الدولة الأساسي عبر خططها الخمسية. فتحقيق الخطط الخمسية على أرض الواقع يتطلب تضافر جهود جميع المؤسسات والوزارات الحكومية. فالمؤسسة يجب ألا تسعى للربحية بقدر ما تسعى للمشاركة في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة. فالاستراتيجية الأولى للخطة الخمسية الثامنة "تسعى لزيادة إسهام القوى الوطنية في القطاعات التنموية واستمرار إحلال العمالة الوطنية محل الوافدة". لكن هذا الهدف الاستراتيجي ليس بالأمر السهل لكون العوائق ليس فقط من قبل أرباب العمل ولكن أيضا من قبل السعوديين طالبي العمل. فقد سبق وصرح وزير العمل أن أهم معوقات سعودة القطاع الخاص تكمن في "أن الوزارة تحاول توظيف من لا يرغب في الوظيفة عند من لا يرغب في توظيفه." فلماذا إذا لا يرغب المواطن العمل في القطاع الخاص؟ قد تكون عبارة "لا يرغب" غير دقيقة لأن المواطن يرغب في العمل "مؤقتا" لحين توافر وظيفة المستقبل في القطاع الحكومي لذلك فالسؤال يظل قائما ولكن بصيغة أخرى فما أسباب "عدم جدية" المواطن للالتحاق بالقطاع الخاص كوظيفة مستقبلية؟
لعل رئاسة وزير العمل الدكتور غاري القصيبي لمجلس إدارة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تسهم في استثمار إدارته المجلس بدعم ما من شأنه دعم السعودة في القطاع الخاص خصوصا أن أي دعم للمميزات التقاعدية لموظفي القطاع الخاص يسهم في تشجيع السعوديين المميزين للالتحاق بالقطاع الخاص. فالمأمول أن يكون القطاع الخاص أولوية للمتميزين وليس كخيار بديل لقلة الوظائف الحكومية.
لا شك أن موظفي القطاع الخاص يمرون بفترة عصيبة، سواء من هم على رأس العمل أو المتقاعدون من جراء تداعيات الأزمة المالية العالمية. فبعض شركات القطاع الخاص لوحت بفصل السعوديين إذا استمرت الحملات الداعية لخفض أسعار السيارات والمواد الاستهلاكية الأخرى.
فالقطاع الخاص لا يحقق الأمن الوظيفي كما يحققه القطاع الحكومي. قبل فترة ليست بالبعيدة صرح وزير العمل أن الوزارة لن تسمح بأن يتحول تسريح موظفي القطاع الخاص لسعوديين إلى ظاهرة تتجاوز الحالات الطبيعية وذلك باستغلال الأزمة المالية العالمية من قبل القطاع الخاص. ربما يصب هذا التصريح تحت مظلة التصريحات المشجعة وغير الملزمة لأن نظام العمل والعمال يسمح لرب العمل بإجراء الفصل وتسريح الموظفين عن طريق عدم تجديد عقودهم، والتي عادة ما تكون عقودا سنوية. وتعد قرارات الاستغناء في هذه الحالة نظامية ووفق نظام العمل والعمال.
فكل دعم مباشر لمؤسستي التأمينات الاجتماعية والمؤسسة العامة للتقاعد دعم مباشر لرفاهية المواطن. لذا نجد أن بعض الدول المجاورة ينعم موظفو القطاع الخاص بالتقاعد المبكر بعد إكمال 15 سنة خبرة وهي حماية حقيقية لموظفي القطاع الخاص خصوصا أن هذه الفترة يكون الموظف قد كون أسرة تستحق الحماية من متغيرات سوق العمل.
الأعداد المقبلة على الالتحاق بسوق العمل أعلى بكثير من الأعداد التي تنوي طلب التقاعد خصوصا أن الشريحة الكبرى من السكان دون الـ 30 مما يجعلنا نشعر بأمن من أن مدخلات الصناديق الاستثمارية أعلى بكثير من مخرجاتها. بعض الدول تعاني زيادة المتقاعدين لديها كدول أوروبا وأمريكا. فألمانيا مثلا عام 1995 كان عدد العاملين مقارنة بالمتقاعدين 4.4 عامل لكل متقاعد واحد، لكن المتوقع أن تكون النسبة في عام 2020 2.1 من العاملين مقابل 1.9 من المتقاعدين وهي نسبة عالية، مما بفرض على الحكومة دعم الهجرة السنوية بمعدل 3.4 مليون سنويا من أجل تغطية العجز في القوى العاملة لديها.
لكننا في السعودية نتمتع بمصادر دخل طبيعية عالية، كما أن لدينا موارد بشرية تجعلنا في منأى عن معاناة الدول الغربية. ما نحتاج إليه هو دعم تجدد القوى العاملة الشابة لسوق العمل الخاص عبر زيادة المميزات التقاعدية لموظفيه، مما يجعل هناك توازنا بين غياب الأمن الوظيفي وما يقدمه القطاع الخاص من مميزات تقاعدية.