«التاج اللعين» .. حكايات تعبر الذات البشرية وتختبر معدنها‬

«التاج اللعين» .. حكايات تعبر الذات البشرية وتختبر معدنها‬
الروائي الكسندر نجار.
«التاج اللعين» .. حكايات تعبر الذات البشرية وتختبر معدنها‬
الرواية بنسختها الإنجليزية.

أطل شتاء 2020 وفي جعبته مفاجآت شلت العالم من مشرقه إلى مغربه، أبرزها كان فيروس كورونا الذي حفر في مخيلة الكبير والصغير، وقلب عادات المجتمع وتقاليده رأسا على عقب، فضلا عن الذعر الذي أوجده في داخلنا، فأصبحنا أسرى المستقبل المجهول الذي من الممكن أن يشهد ابتكار لقاح يشكل خلاص البشرية من هذا الكابوس، لكن على صعيد آخر ممكن ألا يوجد اللقاح وبالتالي نبقى ندور في الدوامة نفسها. ولأن الثقافة جزء لا يتجزأ من الواقع، انتشر كثير من الكتابات والروايات حول فيروس كورونا، أبرزها كتاب لإسكندر نجار، صدر عن دار سائر المشرق تحت عنوان "التاج اللعين"، وهو عبارة عن حكايات من زمن كورونا، تجاوز خلالها الكاتب الأبعاد الإخبارية والروائية والتوثيقية لهذه المأساة، للنفاذ إلى عمق الذات البشرية التي تختبر معدنها في لحظات الشدة.‬

جميعا على المركب نفسه
بدأت الرواية برسالة كتبها جودانز، الشخصية الأساسية في القصة، إلى صديقه مارك يوم الجمعة 20 مارس 2020، يقول فيها "ليس مهما المكان الذي أكتب إليك منه هذه الرسالة، فإننا جميعا معا، في كل مكان، على المركب نفسه، منذ مراسلتنا الأخيرة قبل شهرين، حدث ما لا يصدق، لكن الذي لا يصدق بالأكثر هو عدم جاهزية سلطاتنا لحماية الناس"، ويكمل "جميع خططنا وجميع مشاريعنا انهار، لكن على الرغم من تضايقنا انتهى بنا الأمر إلى الرضوخ للواقع، لأن كل شيء يمكن أن ينتظر، ولأن لا شيء أكثر أهمية من البقاء على قيد الحياة".‬
انتقل الكاتب في رسالته إلى الحديث عن كورونا "دخل فيروس كورونا إلى حياتي وقلب أيامي رأسا على عقب، وسرعان ما فهمت كم كنت أنانيا في كل مرة لم أعبأ بمآسي الذين يتحملون المرض في كل مكان، قادني هذا التعاطف المفاجئ على الفور إلى وضع نفسي في مكان أولئك الذين واجهوا أوضاعا غير مسبوقة في الصين أو اليابان أو فرنسا أو إيطاليا أو لبنان أو إيران أو إسبانيا أو الولايات المتحدة، بسبب هذه الجائحة، وهكذا انتقلت بمخيلتي إلى هذه الدول التي أعرفها جيدا، أو تلك التي لم تتح لي بعد الفرصة لاستكشافها".‬

أيهما أهم الحقيقة أم العدالة؟‬بعد هذه الرسالة بدأ الكاتب في سرد ما حصل في ووهان الصينية، حيث روى كيف جاء هذا الفيروس وكيف تعاملت معه السلطات الصينية بعد أن تم نشر نتائج التحاليل التي أرسلتها آي فين مديرة قسم الطوارئ في مستشفى ووهان على تطبيق "وي تشات" تقول فيها "إنه أصيب أشخاص يعملون في سوق الحيوانات بفيروس مشابه لمرض سارس"، ثم شرح الكاتب كيف أن السلطات الصينية رفضت التعامل مع الوضع على أنه حقيقة وعدته شائعة، حتى إن المفوض سلم الطبيب الذي نشر عن المرض ورقة معنونة ومعدة مسبقا وأجبره على توقيعها، وتنص على أنه يوافق على الامتناع عن نشر الشائعات حول سارس والفيروسات الأخرى. يقول على لسان الطبيب "ما فائدة المقاومة؟ أعرف السلطات الصينية"، لكنه لم يقف الطبيب مكتوف الأيدي بل ظهر على وسائل الإعلام بعد انتشار الفيروس، وقال "لو كان المسؤولون الصينيون قد كشفوا عن المعلومات بشأن الوباء في وقت سابق، لكان الوضع أفضل، إن الحقيقة أهم من العدالة"، وفي 8 شباط (فبراير) 2020 توفي الطبيب، ولم تعلن السلطات وفاته على الفور، بل عمدت إلى تأخير انتشار الخبر.‬

هنيئا لمن بقي على قيد الحياة
‬بعد ووهان انتقل الكاتب إلى اليابان، حيث سرد فيها رواية جمعت ما بين كورونا والرومانسية، حيث إن زوجته راشيل اختارت السفر في مركب اسمه "الأميرة الماسية" لقضاء شهر العسل، في رحلة تبدأ من اليابان وتنتهي في تايوان مرورا بالصين وفيتنام، وبدأ فيروس كورونا ينتشر داخل المركب، وبعد أن أصيبا تمت إعادتهما إلى إنجلترا "تدافع الصحافيون لمقابلتنا، هل يجب أن نصمت بسبب الحياء أم نعبر عن أنفسنا لنخبر عن تجربتنا ونحذر مواطنينا من مخاطر فيروس كورونا"، وأكمل "ارتفع إجمالي عدد المصابين على متن "الأميرة الماسية" إلى 696 إصابة، بينهم سبع وفيات، ولقد منح سيرجيو ماتاريلا، رئيس الجمهورية الإيطالية، قبطان السفينة وسام استحقاق الجمهورية الإيطالية.. هنيئا له أما نحن فاستحقاقنا الوحيد أننا بقينا على قيد الحياة".‬
انتقل الكاتب الى فرنسا، ليقص لنا رواية امرأة تعمل كمدرسة، حجرت نفسها فور بدء كورونا، قارن الكاتب بين الدول عندما قال في هذا الفصل "لماذا نسبة الوفيات في ألمانيا أقل من إيطاليا، هل معدل الأعمار هناك أقل من معدل الأعمار في إيطاليا، أم أن الرعاية الصحية أكثر فاعلية؟ لا أعرف الأمر أشبه بالبورصة إلى حد ما"، واشتدت الحبكة عندما تلقت المرأة خبر إصابة والدتها بكورونا، "لا يمكنني تصور فكرة خسارتها بطريقة سخيفة بسبب فيروس، وهي التي تغلبت على كثير من المصاعب"، وفي نهاية الأمر كان هناك خطأ في الفحص.‬

عندما أصبحت ميلانو مدينة أشباح
‬من فرنسا إلى ايطاليا، حيث عنونت الصحف في ذاك اليوم "الزموا منازلكم"، ميلانو مدينة أشباح، أجواء حظر التجول تخيم عليها، ويسرد تفاصيل وفاة أخته بعد إصابتها بكورونا وكيف أنها ماتت نتيجة إهمال السلطات الإيطالية، ووصل الكاتب إلى لبنان الذي بدأه بالحديث عن الوضع السياسي السيئ، يقول "إن فيروس كورونا كالشيطان، نشعر بأنه موجود ويزرع الشر، لكننا لا نراه أبدا. الوباء يتزايد، يريد وزير الصحة أن يطمئننا، لكننا تعلمنا منذ فترة طويلة ألا نصدق سلطات الدولة. يبدو اللبنانيون كأنهم يخجلون من الإصابة بالعدوى، كأنهم يخشون الذهاب إلى المستشفى حتى لا يدخلوا القائمة الرسمية لعدد المرضى".‬
أما في إسبانيا فلقد كانت لديهم مشكلات كثيرة في صنع الأقنعة الواقية واستيرادها، يسترسل في السرد أثناء حديثه عن إسبانيا "الأرقام التي تظهر على الشاشة تنذر بالأسوأ، إنها ترتفع باطراد في غياب كل إمكانية لاحتوائها، لقد تمردت الطبيعة، فقد نال منها التلوث وحرائق الغابات.. أعطى الفيروس فترة نقاهة للبيئة، حماها من المصانع ووسائل النقل الضارة، لكنه قبل كل شيء يزعزع سلطة من كان يعتقد أنه قادر على إخضاعها".‬
وفي واشنطن كان الوضع مختلفا، نظرية المؤامرة هي التي سيطرت على الموضوع، يتحدث الكاتب عن تعامل ترمب مع الجائحة، "ماذا عسانا أن نقول عن منعه أفضل علمائنا من التحدث علانية عن الوباء، كما لو أن الموضوع من اختصاص البيت الأبيض وحده. وأسوأ ما في الأمر أنه وضع على رأس فريق عمل البيت الأبيض لفيروس كورونا مايك بنس نائب الرئيس".‬

رحلة العودة إلى الحلبة
‬انتهت القصص برسالة من جودانز إلى مارك، كتبت يوم الثلاثاء 31 آذار (مارس) 2020 قال فيها "يبدو لي أن لا مفر من ركود أو كساد، وتتنبأ منظمة العمل الدولية بفقدان ملايين الوظائف بسبب كوفيد 19. ستكون إعادة الإقلاع شاقة، نحتاج إلى وقت للتعافي من هذه الطعنة العميقة ولتضميد جراحنا قبل العودة إلى الحلبة، ستلزمنا شهور لإعادة التأقلم والعثور على نقاط ارتكازنا".‬
إنها قصص من زمن كورونا ستتناقلها الأجيال كجزء من ذاكرة شعبية، تأبى أن تنسى أحداثا وفصلا غريبا عن مجرياتها العادية، لتعود إلى سابق عهدها وتستعيد نمط الحياة، وكأن شيئا لم يكن.‬

الأكثر قراءة