ليل البشرية الطويل
رغم كل ما حدث من كوارث في عام 2020 وظن الأغلبية أن هذا قد يكون أسوأ ما مر على البشرية، إلا أن هناك أعواما كانت أكثر سوادا وألما من عامنا هذا!
إنه عام 536 ميلادي وقبل مولد النبي محمد - صلي الله عليه وسلم - بـ30 عاما لف الكون ظلام دامس لمدة دامت نحو عامين. غطت سحابة غامضة معظم القارة الأوروبية والشرق الأوسط وأغلب القارة الآسيوية، وحجبت الشمس مدة عامين لا ترى إلا كنجم أزرق في سماء سوداء، عم بسببها التصحر والمجاعات وانتشرت الأوبئة وأمطرت السماء أمطارا حمراء اللون.
يعتقد البعض أن إطلاق مسمى "عصور الظلام" على تلك الفترة بسبب انتشار الجهل، لكن الواقع أنه ظلام حقيقي. يقول أسقف ميتلين "بدأت الشمس تعتم نهارا، وتلاشي ضوء القمر ليلا، وهاجت المحيطات، والشتاء كان قارصا، فالطيور ماتت، ونزلت بالناس المحن بسبب الشر المنتشر". ووصفها عالم الآثار ومؤرخ العصور الوسطى مايكل ماكورميك، أنها بداية لواحدة من أسوأ الفترات التي ظهرت على الأرض إن لم تكن الأسوأ على الإطلاق!
بسبب ذلك الضباب الغامض تساقطت الثلوج وانخفضت درجة الحرارة في الصيف إلى ما بين 1.5 و2.5 درجة مئوية، ما جعلها أبرد فترة في ألفي عام ماضية. أهلك البرد المحاصيل وتسبب في المجاعات وانتشار الأمراض في نصف الكرة الأرضية الشمالي، وانتشر الطاعون الأسود الذي قتل سكان الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وتسبب في جمود اقتصادي دام حتى عام 640، وفي الصين انهارت "سلالة واي" الحاكمة ما أدى إلى اضطرابات سياسية رافقتها مجاعات ونقص محاصيل قضى على 75 في المائة من سكان شمال الصين. كما تسببت تلك السحابة السوداء وما حدث بعدها خلال عشرة أعوام في انهيار حضارات قديمة بشكل كبير، كالحضارة الفارسية والإندونيسية وحضارة الإنكا في أمريكا الجنوبية وحضارة المايا في المكسيك.
ظل مصدر السحابة غامضا بالنسبة إلى العلماء على مدار عصور طويلة، إلى أن وجد باحثون يعملون في "مبادرة ماضي العلوم البشرية" في جامعة هارفارد تفسيرا، بعد أن أجروا تحليلا شديد الدقة للثلوج التي أخذوها من الأنهار الجليدية السويسرية.
وعثر في الثلوج، التي ترجع إلى فترة الربيع في عام 536، على جزيئات زجاج بركاني دقيقة تشير إلى حدوث انفجار بركاني فادح في آيسلندا، أدى إلى انبعاث رماد كثيف غطى الجزء الشمالي من الكرة الأرضية وحملته الرياح عبر أوروبا وآسيا، تبعه انفجاران كبيران عامي 540 و547. واستمر الحال نحو 100عام حتى تمكنت البشرية من استعادة صحتها!