المقاومة أو المفاوضة
لعل ما جرى على أرض فلسطين من حرب صهيونية شرسة، وأقول فلسطين لأن غزة ما هي إلا جزء من فلسطين، قد عرى لنا الواقع العربي المرير الذي تعيشه المؤسسات العربية الرسمية، فقد أوضحت لنا الحرب ضعف تلك المؤسسات على المستوى الإقليمي وعلى المستوى العالمي، فالملاحظ أن الجامعة العربية لم تنجح في توحيد الموقف العربي، بل على العكس تفاقم الخلاف في وقت كان الأجدر أن تتوحد الصفوف. والواقع أن هذا الموقف العربي ليس الأول من نوعه، فلقد شاهدنا مواقف شبيهة في الأزمات التي عصفت بعالمنا العربي مثل غزو الكويت عام 1991، والاحتلال الأمريكي للعراق، وحرب إسرائيل على لبنان في صيف 2006. أما على المستوى الدولي، فقد أوضحت الحرب قصور العرب في إقناع الآخرين بقضيتهم. ولنا أن نتخيل كيف استطاع اليهود إقناع العالم بترويع صواريخ "القسام" لهم، فيما عجزت الأنظمة العربية عن كشف جرائم القنابل العنقودية التي أحرقت غزة بأكملها. وفيما يتعاطف العالم مع المستوطنين اليهود الذين أصابهم "الذعر" يتناسى العالم 40 ألف عائلة مشردة نتيجة آلة الحرب الصهيونية، بل إن الأدهى من ذلك، عدم التوازن في الطرح، حيث تربط القوى الدولية، بتأثير اللوبي اليهودي، وقف إطلاق النار بالمطالبة بوقف تهريب "الكلاشنكوف" إلى غزة، فيما تستمر الولايات المتحدة بإمداد الجيش الإسرائيلي بالقنابل والأسلحة الثقيلة. ولا شك أن مثل هذا الطرح الدولي دليل على ضعف الدول العربية قاطبة في توضيح عدالة القضية ونقل رسالتها إلى شعوب العالم، ومع ذلك فإن تغيير تلك الصورة لدى العالم ليست مستحيلة، ولكنها تحتاج إلى تخطيط وتكتيك غير حربي، يبدأ من أرض فلسطين.
أما من الناحية الفكرية، فقد عرت لنا هذه الحرب بعض أبناء جلدتنا الذين يحاولون أن يبرروا ما تقوم به آلة الحرب الإسرائيلية من خلال تصويرهم أن الهجمة الإسرائيلية كانت رد فعل للعمليات العسكرية التي تقوم بها المقاومة. ومع أن ما حدث من عدوان لا يحتمل الجدل، إلا أن بعض الأقلام ـ وللأسف ـ قد خرجت علينا بحسن أو سوء نية بهذا الجهل التاريخي العجيب. وإن مما يستغرب على هؤلاء "المفكرين" عدم قراءتهم التاريخ، حيث قلبوا الحقائق التاريخية وتناسوا تاريخ الصهاينة الأسود في فلسطين، فهل قرأ هؤلاء التاريخ، أم أنهم من المعاصرين وأصحاب "الأمر الواقع"؟! وعلى قدر ما نألم لما حدث لإخواننا في غزة، نألم بالقدر نفسه لواقعنا المرير الذي يسمي المقاومة "إرهاباً" ويسمي الاستسلام "سلاماً".
من هنا، فقد يقول قائل إن وقت المقاومة قد انتهى، وإن السلام أنجع في استرجاع الحقوق. وعلى الرغم من جدية هذا الطرح من الناحية النظرية، إلا أن واقع المفاوضات مع اليهود لا يؤيد هذا الطرح ولا يدعمه. كما أن المقاومة هي في الأصل جزء من المفاوضة، والتاريخ خير شاهد على ذلك، حيث لم تتحقق المطالب وتسترد الحقوق إلا بالمقاومة في الدرجة الأولى. وعلى كل حال، فها نحن ننتظر السلام منذ فوتنا صلاة "الجمعة" في مدريد، فيما اليهود لم يفرغوا من صلاة "السبت"!
خاتمة:
لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم ،،، ولا سراة لهم إذا جهالهم سادوا