أين اختفى الكاريكاتير؟
فن ساخر، تمثل خطوطه البسيطة المتعرجة خطابا نقديا أكثر فاعلية، وأبلغ من آلاف الكلمات والمقالات، لتوصيل فكرة، ونقد تصرف، وكشف مستور. يعتقد البعض أنه وضع للضحك والتسلية، بينما يخفي وراءه الكثير، لذا تجد رسام الكاريكاتير - في الغالب - مثقفا وصاحب رأي وقضية. لماذا ضعف وجود ذلك الفن الذي طالما أسعدنا وعبر عن رأينا وتنافس القراء في تفسير معانيه؟، فقد كان يحتل الصفحة الأخيرة من الصحف. يتجه إليه القارئ قبل أن يبدأ قراءة الصحيفة!
منذ أن وجد الإنسان، وهو يحاول أن يعبر عن نفسه وأفكاره، ليتواصل مع الآخرين حوله مستخدما النص البصري "الصورة" أو الرمز البصري "الحروف والكلمات"، وعرف الإنسان الصورة واستخدمها في التواصل قبل أن يعرف الحروف ويتعلمها. لقد كانت الحروف في البداية عبارة عن صور. انظر إلى الأبجدية الهيروغليفية أقدم اللغات، التي تتكون حروفها من صور للبشر والحيوانات والطيور على شكل رموز في أبسط صورة، زينت جدران الكهوف والمقابر والبيوت لتحكي لنا قصة الحضارة منذ البدء.
وفي عصرنا الحاضر، الذي يعد "عصر الصورة"، التي يستخدمها البشر وسيلة من وسائل التواصل، لا تقل أهمية عن الكتابة أو الكلام، ويمكن أن توجه إلى نشر الخير والحب والسلام بين الشعوب أو العكس، كما قد تستغل لأغراض سياسية أو دينية أو اقتصادية، فهي سلاح فاعل لطرح الأفكار وتأصيلها وإيصال صوت الآخر.
من المحزن أننا فقدنا أحد أبلغ فنون الاتصال في عصر الصورة "فن الكاريكاتير" وهو اسم مشتق من الكلمة الإيطالية "كاريكير"، التي تعني "يبالغ، أو يحمل ما لا يطيق" وأول من استخدمها موسيني عام 1646. ويعد المثال ورسام الكاريكاتير الماهر جيان لورينزو برنيني أول من قدمها إلى المجتمع الفرنسي، عام 1665، واستعمل "الكاريكاتير" منذ القرن الـ17، بدلالاته الانتقادية ووظائفه السياسية والاجتماعية والثقافية. إنه فن مراوغ يسبر أغوار الحقيقة ويكشف المستور ويزيل الحدود، هو "لغة كونية" لا تحتاج إلى مترجم لتتجاوز الكلمات والجمل. قائم على الرسم من أجل نقل فكرة ما أو موقف، أو التعبير عن إحساس كالخوف أو الغضب أو الاحتجاج. ينقلك من التعبير المباشر إلى التعبير غير المباشر ومن الجد للهزل ليكون أبلغ تاثيرا في المتلقي من الخطاب المباشر.
لقد شهد "الكاريكاتير" تحولات عدة في العصر الحديث، وكان له تأثير كبير في إيجاد مفاهيم جديدة، على جميع الأنشطة الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية والمعارف الإنسانية جميعها، لكن نوره خفت، وبدأ يتلاشى لنفقد لغة من أجمل لغات العالم.