أولويات اقتصاد كوفيد - 19 «1من 2»

على الرغم من أن الأمر يبدو الآن وكأنه ذكرى من الماضي، إلا أنه لم يمض وقت طويل منذ أن بدأت الاقتصادات حول العالم في الإغلاق استجابة لجائحة مرض فيروس كورونا كوفيد - 19 في 2019. في وقت مبكر من الأزمة، توقع معظم المراقبين حدوث انتعاش اقتصادي سريع على شكل حرف V، على افتراض أن الاقتصاد يحتاج إلى مهلة قصيرة فقط. وبعد شهرين من الرعاية والاهتمام وأكوام الأموال، سيبدأ مرة أخرى من حيث انتهى.
الحق أنها كانت فكرة جذابة. لكن الآن، في شهر حزيران (يوليو)، تبدو فكرة الانتعاش السريع محض خيال على الأرجح. ومن المرجح أن يكون أداء اقتصاد ما بعد الجائحة ضعيفا، ليس فقط في الدول التي فشلت في إدارة الجائحة "الولايات المتحدة على وجه التحديد"، ولكن حتى في الدول التي أدت واجبها على أكمل وجه، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أنه بحلول نهاية 2021، لن يزيد حجم الاقتصاد العالمي سوى بنسبة طفيفة جدا مما كان عليه في نهاية 2019، بينما سيظل حجم اقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا أصغر بنسبة 4 في المائة تقريبا.
يمكننا أن ننظر إلى التوقعات الاقتصادية الحالية على مستويين. فمن ناحية، يخبرنا علم الاقتصاد الكلي أن حجم الإنفاق سينخفض، ويرجع ذلك إلى ضعف الميزانيات العمومية للأسر والشركات، وموجة من حالات الإفلاس تعصف برأس المال التنظيمي والمعلوماتي، إلى جانب قوة السلوك التحوطي الناجم عن حالة عدم اليقين بشأن مسار الجائحة والاستجابات السياسية لها. من ناحية أخرى، في الوقت ذاته، يخبرنا علم الاقتصاد الجزئي أن الفيروس يعمل بمنزلة ضريبة على الأنشطة التي تتضمن اتصالا بشريا عن قرب. وعلى هذا النحو، سيستمر في إحداث تغييرات كبيرة في أنماط الاستهلاك والإنتاج، التي بدورها ستؤدي إلى حدوث تحول هيكلي أوسع نطاقا.
تعلمنا من النظرية الاقتصادية والتاريخ أن الأسواق وحدها ليست مناسبة لإدارة مثل هذا التحول، ولا سيما بالنظر إلى كيفية حدوثه بشكل مفاجئ. في نهاية المطاف، لا توجد طريقة سهلة لتحويل موظفي الخطوط الجوية إلى فنيي تطبيق زووم Zoom. حتى إذا استطعنا تحقيق ذلك، تظل القطاعات الآخذة في التوسع الآن أقل كثافة بكثير من حيث الأيدي العاملة، وأكثر كثافة من حيث المهارات، مقارنة بالقطاعات التي تحل محلها.
تعلمنا أيضا أن التحولات البنيوية الواسعة النطاق تميل إلى إيجاد معضلة كينزية تقليدية "نسبة إلى جون مينارد كينز"، ويرجع ذلك إلى ما يسميه الاقتصاديون تأثيري الدخل والاستبدال. فحتى لو كانت القطاعات التي لا تستلزم تواصلا بشريا آخذة في التوسع، الأمر الذي يعكس تحسينات في جاذبيتها النسبية، ستتضاءل زيادة الإنفاق المصاحبة لذلك أمام تقلص الإنفاق الناتج عن انخفاض الدخول في القطاعات الآخذة في الانكماش.
إضافة إلى ذلك، في حالة الجائحة، ثمة تأثير ثالث يتمثل في زيادة أوجه التفاوت. حيث تبدو الآلات أكثر جاذبية نسبيا في نظر أصحاب العمل، نظرا لاستحالة إصابتها بالفيروس، خاصة في قطاعات المقاولات التي توظف عمالة أقل مهارة نسبيا. ونظرا لأن ذوي الدخل المنخفض ينفقون نسبة أكبر من دخولهم على السلع الأساسية مقارنة بأولئك الذين يحتلون قمة الهرم الاجتماعي، فإن أي زيادة في أوجه التفاوت، بسبب التشغيل الآلي "الأتمتة" ستخلف تأثيرات اقتصادية انكماشية.
فوق كل هذه المشكلات، نجد سببين إضافيين للتشاؤم. أولا، في حين أن السياسة النقدية من شأنها أن تساعد بعض الشركات على التعامل مع القيود المؤقتة المفروضة على السيولة ــ كما حدث خلال الركود العظيم بين 2008 و2009 ــ إلا أنها لا تستطيع إصلاح المشكلات المتعلقة بالملاءة المالية، ولا يمكنها تحفيز الاقتصاد عندما تكون أسعار الفائدة قريبة بالفعل من الصفر.
علاوة على ذلك، في الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، ستقف اعتراضات "المحافظين" على ارتفاع مستويات العجز والديون في طريق سياسات التحفيز المالي الضرورية. لا شك أن هؤلاء الأشخاص أنفسهم كانوا أكثر من سعداء بإجراءات خفض الضرائب المفروضة على أصحاب المليارات والشركات في 2017، وإنقاذ وول ستريت في 2008، ومساعدة الشركات العملاقة هذا العام. لكن تمديد تأمين البطالة والرعاية الصحية، وتقديم دعم إضافي للفئات الأكثر ضعفا هي أمور مختلفة تماما من منظورهم... يتبع.
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2020.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي