تقرير: البنوك السعودية لن تتمكن من توفير 400 مليار دولار لتمويل المشاريع

تقرير: البنوك السعودية لن تتمكن من توفير 400 مليار دولار لتمويل المشاريع

اعتبر تقرير حديث أصدره بنك ساب أن اضطرابات أسواق المال العالمية لا تحمل، بالضرورة، انعكاسات سلبية فقط على المملكة، فهي، بطريقة أو بأخرى، تولّد لدى المهتمين القناعة الراسخة بأنّ "أوقات الخير العميم" لا تدوم إلى الأبد.
ويعتقد التقرير أنه ينبغي لرجال الأعمال إعادة ترتيب الأولويات الاستثمارية على أساس محدودية القروض المتوافرة، مع إدراك أنّ الفقاعات تنفجر. وبالنسبة للقطاع الخاصّ، يتمثل الدرس الأهم الذي ينبغي استلهامه في ضرورة التخطيط لأوقات الضيق. فقد تضرّر القطاع الخاصّ بشكل كبير بسبب الأزمة المالية العالمية الراهنة لأنّ كلّ استثماراته تأثّرت سلباً، سواءٌ كانت دولية أو إقليمية أو محليّة (داخل المملكة نفسها). ويقول التقرير "لم يغب عن أذهاننا قط أن الدولة تؤدي الدور الحاسم كصانع للثقة في المملكة العربية السعودية لكنّها تحتاج الآن، أكثر من أي وقت مضى، إلى تعزيز هذا الدور الحيوي، ونحن إذ نؤمن بأنّ المملكة قادرة اليوم تماماً على فرض سرعة واتّجاه نموذجها التنموي".
ويتعيّن اتخاذ خطوات محدّدة لمعالجة بعض القضايا الملحّة على المدييْن القريب والمتوسط، وهي:
ـ إنّ شح السيولة والتقلبات في أسواق المال العالمية سيُعزّزان درجة الاعتماد على التمويل المحليّ. ونحن لا نتوقّع أنْ تنتهي أزمة الائتمان العالمية في عام 2009، مما سيولّد صعوبات في تمويل مشروعات التنمية والبنى التحتية الضخمة. كما أنّ البنوك المحلية لا تستطيع توفير 400 مليار دولار لتلبية الاحتياجات التمويلية للمشروعات التي تعتزم المملكة تنفيذها، خلال السنوات الأربع المقبلة.
ويمكن تسهيل بعض هذه القضايا من خلال:
(أ) تعزيز الدولة دورها كمموّل للمشروعات (عبر مؤسسات مثل الصندوق العام للاستثمار). ونظراً إلى شُح التمويل الدولي، يمكن للدولة السعودية أن تستثمر في المجالات الاستراتيجية الرئيسية للاقتصاد على غرار مشروعات الاستثمار التي خُطِّط لها في الولايات المتّحدة وأوروبا والصين. كما يمكن للحكومة أن تُصدِر سندات ماليّة تنمويّة غايتها تمويل عديد من المشروعات التي تم التخطيط لها.
(ب) - لا يعاني النظام المصرفي في المملكة العربية السعودية من مشكلة اختفاء السيولة، بل إنّ هذا النظام لا يزال يتمتع بفائض في السيولة. وبالتالي، فإن البنوك السعودية أمام تحدٍّ يتمثل في إيجاد ودائع طويلة الأجل وهيكلة ميزانياتها بما يتيح لها تحقيق النمو الأمثل، مع الاعتماد على الودائع قصيرة الأجل. كما أنّ مساعدة البنوك في رفع نسبة القروض إلى الودائع لكي تتمكّن من زيادة القروض التي تتيحها للقطاع الخاصّ أمرٌ حاسم في هذا الشأن. ومن التحديات التي تواجهها البنوك خلق ودائع طويلة الأجل (أرصدة) ويجب على هذه الودائع أن تنمو في حال الالتزام بنسبة القروض إلى الودائع. ويفيد التقرير أن مؤسسة النقد السعودي معروفةٌ بإبداعها في معالجة قدرة النظام المصرفي المحلي المحدودة على الإقراض. ولاحظ التقرير أن المؤسسات الحكومية التي تتمتع بقدرة محدودة على إدارة الودائع طويلة الأجل، مثل المؤسسة العامّة للتأمينات الاجتماعية والصندوق العام للاستثمار, وصناديق التقاعد العامّة، أودعت مبالغ ضخمة في القطاع المصرفي. وهذه خطوة أولى تستحق الترحيب لأنها تسمح لمؤسسة النقد السعودي بإدارة السيولة بفاعلية أكبر، فضلاً عن تمكينها من خلق أصول جديدة طويلة الأجل. نحن نؤمن بأنه لن يتسنى تحقيق النمو في القطاع الخاصّ بسهولة إذا قُلّصت القروض المتاحة له. وفي حال تقليص هذه القروض، سيقع عبء التنمية بكامله على كاهل القطاع العام وحده، الأمر الذي سينطوي على انعكاسات اجتماعية جدّية ما لم تُفرض تغييرات هيكلية جوهريّة. وفي الحقيقة، نما إقراض القطاع الخاصّ بنسبة 500 في المائة في الفترة الممتدة من عام 1976 إلى عام 1981، بينما نما فقط بنسبة مئوية سنوية تقلّ عن 4 في المائة خلال السنوات الخمس التي تلت تلك الفترة.
(ج) - يمكن تشجيع البنوك على إصدار سندات تشتريها الحكومة لدعم قاعدة تمويل البنوك. وينبغي أنْ يتمثل الهدف من وراء مثل هذه الخطوة في إيجاد سوق للديون طويلة الأجل إضافة إلى إيجاد سوق ثانوية. فإيجاد سوق للديون طويلة الأجل سيسمح للبنوك بإعادة هيكلة تسهيلاتها الائتمانية قصيرة الأجل وتحويلها إلى تسهيلات أطول أجلاً. كما ينبغي السماح للدين بأنْ يتجاوز رأس المال المدفوع. وذلك لأن النمو يمثل حالياً أولوية قصوى بالنسبة للجميع. فالصعوبات الاقتصادية التي برزت في منتصف الثمانينيات أدّت إلى زيادة ملحوظة في رؤوس أموال البنوك بفضل تشجيع مؤسسة النقد السعودي. فخلال الفترة ما بين عاميّ 1988 و1993، زادت سبعة بنوك سعودية من أصل 12 بنكاً رؤوس أموالها عبر تعويم أسهمها الجديدة. ونتيجةً لذلك، تضاعف رأسمال واحتياطيات النظام المصرفي السعودي من 15 مليار ريال سعودي في نهاية عام 1988، إلى 30 مليار ريال سعودي في نهاية عام 1993.
ليس لدينا أدنى شكّ في أنّ السلطات السعوديّة اتخذت التدابير المالية المناسبة لتعزيز الثقة بالسوق. فقد دعونا إلى إقرار ميزانية موسّعة منذ بداية الربع الرابع من عام 2008. أما الآن، فإن الحكومة هي التي ستقرّر حجم الإنفاق الحقيقي في عام 2009، وهي التي ستحدّد الآليات التي ستسمح للقطاع الخاصّ بالاستفادة من برنامج الإنفاق الحكومي. أما الإنفاق الرأسمالي الذي أقرّته ميزانية عام 2009، وقدره 225 مليار ريال سعودي، فإنه يكتسي بالغ الأهمية لأنّ الجزء الأكبر منه سيشمل القطاع الخاصّ. من الواضح أنّ الركود في الاقتصاد العالمي لا يزال مستمرّاً وأننا لا نستطيع التنبّؤ بالذي سيحدث في عام 2010. وقد يكون عام 2010، سنة عصيبةً أخرى. لكنّ المملكة ستتمكن من تجاوزها.

الأكثر قراءة