هل يعمم البرنامج الوقائي المدرسي لصحة الفم والأسنان؟
قد لا نختلف على أهمية الصحة الوقائية, فكما قيل درهم وقاية خير من قنطار علاج، الوقاية خير من العلاج. فبرامج الوقاية والتثقيف الصحية (وإن كان هناك اختلاف بين التثقيف الصحي والصحة الوقائية) مهمة جدا في تقليل الطلب على الخدمات الصحية وتقليل التكلفة العلاجية وزيادة الإنتاجية.
واقعنا الصحي يحتم علينا إعادة النظر في طرق الوقاية والعلاج. فلغة الأرقام للحالة الصحية للمجتمع السعودي ليست مبهجة. فوفق إحدى الإحصائيات فإن نسبة السكري في السعودية بين عمري 30 و70 سنة وصلت إلى 23 في المائة. ارتفاع ضغط الدم بلغت نسبته في حدود 25 في المائة. أما نسبة انتشار فقر الدم بين الطالبات فقد بلغ 40 في المائة لمن هن في سن 18. كما أن نسبة الإصابة بأمراض الربو بين أطفال المملكة قد تصل إلى 20 في المائة. ووفق لإحدى الدراسات الحديثة التي أجراها قسم خدمات الأسنان التابع لمدينة الملك عبد العزيز الطبية في الحرس الوطني، فقد بينت الدراسة أن تسوس الأسنان من أكثر الأمراض المزمنة لدى الأطفال. فنسبة تسوس الأسنان لدى الأطفال ستة أضعاف مرض الربو, كما أنها 24 ضعفا لأمراض القلب، و24 ضعفا لأمراض السكري، و32 ضعفا لأمراض الحمى الروماتزمية. كما يفقد الطلبة 51 مليون ساعة دراسية بسبب مشكلات تسوس الأسنان. وعلاوة على ذلك فإن 96 في المائة من الأطفال في السعودية في عمر السادسة يعانون تسوس الأسنان.
الدراسات العلمية تتفق على أن تفعيل التثقيف الصحي والصحة الوقائية مهم جدا للحد من طالبي الخدمات الصحية ورفع المؤشرات الصحية. النقطة الإيجابية لنا كسعوديين أن أكثر من نصف عدد السكان أقل من 15 سنة، ما يعد فرصة مواتية لتحسين العادات الصحية والغذائية. فتغير عادات من هم في سن الطفولة أسهل بمراحل من تغيير عادات من هم في سن الشيخوخة.
البعض قد يعتقد أن برامج التثقيف الصحي والبرامج الوقائية تنتهي بمجرد توزيع إعلان أو منشور صحي هنا أو هناك. لكن الحقيقة تحتم أن يكون لهذه البرامج أهداف معينة وأدوات لقياس مدى نجاحها وتحقيقها الأهداف التي من أجلها أقرت. لذا فإنه من الضروري أن تقدم هذه البرامج وفق خطة عمل مدروسة ومحددة الأهداف والشريحة المستهدفة منها وآليات تنفيذها.
ومن منطلق إضاءة شمعة نحو مستقبل واعد للخدمات الصحية وبدلا من سب الظلام وتغليب النظرة السلبية على النظرة الإيجابية، أعدت الشؤون الصحية في الحرس والوطني برنامجا طموحا لرفع مستوى صحة الأطفال لدى طلبة المدارس عبر برنامج مدرسي وقائي لصحة الفم والأسنان. البرنامج ليس مجرد أسبوع أو يوم توعوي يخصص لصحة الأسنان، بل برنامج له أهداف محددة ويصبو لتحقيقها خلال السنوات الخمس المقبلة. فالبرنامج يهدف إلى تقليل نسبة التسوس لدى طلاب مدارس الحرس الوطني من 91 في المائة إلى 50 في المائة خلال السنوات الخمس المقبلة. كما يهدف البرنامج إلى زيادة نسبة طلاب مدارس الحرس الوطني الذين يحصلون على حماية للأضراس الدائمة لتصبح 100 في المائة. ما يميز البرنامج أنه برنامج طموح يدعم وصول الطبيب إلى الطالب بدلا من أن يصل الطالب إلى الطبيب.
ومن أجل تحقيق البرنامج أهدافه تم تجهيز عيادات في المدارس التابعة للحرس الوطني وعيادات متنقلة. فعيادات الأسنان المتنقلة تتكون من أربع عربات متنقلة تحتوي على ثماني عيادات أسنان (عيادتين في كل عربة) مجهزة بكل التجهيزات بما في ذلك أجهزة عرض تثقيفية وتوعوية حديثة. وتعد هذه العيادات المتنقلة الأولى من نوعها في المنطقة. أما العيادات الثابتة فقد صممت على أن تستقبل الحالات الواردة من العيادات المتنقلة لطلاب المدارس الذين يحتاجون إلى زيارات متعددة للعلاج. ويستهدف البرنامج جميع طلاب وطالبات مدارس الحرس الوطني الذين تبلغ أعمارهم بين 6 و12 سنة بينما يبلغ عدد المدارس المستهدفة 33 مدرسة.
وتم تقسيم مراحل المشروع إلى أربع مراحل تبدأ بالتثقيف والتوعية الصحية مرورا بالفحص الأولي وانتهاء بتقييم البرنامج ومدى تحقيقه الأهداف المنشودة.
لعل هذا البرنامج له تميز عن غيره من البرامج بسبب وضوح أهدافه وسهولة قياس نجاحه بالأرقام. نتمنى في عام 2013 أن نحتفل بنجاح هذا البرنامج وتحقيقه الهدف الذي من أجله انطلق. فالمسؤولية ليست سهلة ونجاح البرنامج مرتبط بتحقيقه أهدافه التي من أجلها أقر ودعم ثم انطلق. فدور قيادات الحرس الوطني في توفير الدعم المطلوب لنجاح البرنامج تم لكن الكرة تبقى في ملعب القائمين على البرنامج للتأكد من تحقيقه الأهداف التي من أجلها انطلق.
ولعل هذا البرنامج أن يضاف إلى المبادرات الحسنة التي عودتنا عليها القيادات في الحرس الوطني. كما أمل أن يتحول هذا البرنامج إلى سنة حسنة بعد نجاحه بحيث يمتد مده ليشمل جميع مدارس المملكة. ففي اعتقادي أن البرامج الوقائية خير سلاح لتعويض نقص الأطباء مقارنة بالكثافة السكانية ( طبيب أسنان واحد لكل 5802). كما أن تحسن العادات الصحية يقلل طالبي الخدمة العلاجية. فكما يعلم المختصون في اقتصاديات الصحة أنه كما تؤدي زيادة طالبي الخدمة العلاجية إلى ارتفاع التكلفة العلاجية فكذلك قلة المرضى تساعد على الحد من ارتفاعها.
والحديث عن البرنامج بقية ـ إن شاء الله ـ ولكن عام 2013 وأنتم في أحسن حال.