رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


عالم ما بعد الجائحة «2 من 2»

تسير عودة الدولة جنبا إلى جنب مع الأسبقية المتجددة للدولة القومية. فالحديث في كل مكان يدور حول تفكيك العولمة، وفك الارتباط، وإعادة سلاسل الإمداد إلى الوطن، وتقليص الاعتماد على الإمدادات الأجنبية، وتفضيل الإنتاج والتمويل المحليين.
الولايات المتحدة والصين هما الدولتان اللتان حددتا اللهجة هنا. لكن أوروبا، التي ظلت دوما على حافة اتحاد مالي أكبر، لا توفر الثقل الموازن الكافي. فخلال هذه الأزمة تراجع الاتحاد الأوروبي مرة أخرى عن التضامن العابر للحدود الوطنية وأَكد بدلا من ذلك السيادة الوطنية.
قد يقود التراجع عن العولمة المفرطة العالم إلى مسار يتسم بتصاعد الحروب التجارية وصعود القومية العرقية، وهو ما من شأنه أن يلحق الضرر بالآفاق الاقتصادية للجميع. لكن هذه ليست النتيجة الوحيدة المتصورة.
فمن الممكن أن نتصور نموذجا للعولمة الاقتصادية أكثر عقلانية وأقل تدخلا ويركز على المناطق والمجالات حيث يؤتي التعاون الدولي ثماره حقا، بما في ذلك الصحة العامة العالمية، والاتفاقيات البيئية الدولية، والملاذات الضريبية العالمية، وغير ذلك من المجالات المعرضة لسياسات إفقار الجار. خلافا لذلك ستكون الدول القومية غير مثقلة بكيفية تحديد أولويات مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية.
مثل هذا النظام العالمي لن يكون معاديا لتوسع التجارة والاستثمار العالميين. بل ربما يعمل على تسهيل كل منهما ما دام يفتح المجال لاستعادة المساومات الاجتماعية المحلية في الاقتصادات المتقدمة وصياغة استراتيجيات النمو المناسبة في العالم النامي.
لعل الاحتمال الأكثر ضررا الذي يواجه العالم في الأمد المتوسط يتمثل في انخفاض كبير في النمو الاقتصادي، خاصة في العالم النامي. لقد شهدت هذه الدول ربع قرن طيب، مع انخفاض ملحوظ في معدلات الفقر، وتحسن التعليم والصحة وغير ذلك من مؤشرات التنمية. إضافة إلى العبء الهائل الذي تفرضه الجائحة على الصحة العامة، تواجه هذه الدول الآن صدمات خارجية كبيرة: التوقف المفاجئ في تدفقات رأس المال والانخفاضات الحادة في التحويلات وإيرادات السياحة والتصدير.
لكن مرة أخرى، تبرز جائحة كوفيد - 19 مشكلة النمو القائمة مسبقا. كان جزء كبير من النمو في العالم النامي خارج شرق آسيا مبنيا على عوامل جانب الطلب، خاصة طفرات الاستثمارات العامة والموارد الطبيعية التي كانت غير مستدامة. ويبدو أن التصنيع الموجه للتصدير، وهو الأداة الأكثر جدارة بالثقة للتنمية في الأمد الطويل، استنفد أجلها.
الآن، سيكون لزاما على الدول النامية أن تعتمد على نماذج نمو جديدة. وربما تكون الجائحة بمنزلة ناقوس الخطر المطلوب لإعادة معايرة آفاق النمو وتحفيز إعادة النظر المطلوبة على نطاق أوسع.
بقدر ما كان الاقتصاد العالمي يسلك بالفعل مسارا هشا وغير مستدام، توضح أزمة كوفيد - 19 التحديات التي نواجهها والقرارات التي يتعين علينا اتخاذها. وفي كل من هذه المجالات، لا يخلو الأمر من اختيارات أمام صناع السياسات. ومن الوارد الانتهاء إلى نتائج أفضل أو أسوأ. لكن الحقيقة هي أن مصير الاقتصاد العالمي ليس معلقا على ما يفعله بنا الفيروس، بل على كيفية اختيارنا الاستجابة له.
خاص بـ«الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2020.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي