المهندس التني: التطور الكبير فيها يتعلق بارتفاعها فهو عنصر من عناصر الجمال
إذا كانت المآذن قد ظهرت في حياة المسلمين كبناء أو أداة تساعد على نقل صوت المؤذنين، وإذا كانت تلك الوظيفة قد انتفت تقريبا بالتقدم الكبير الذي شهده العالم اليوم، فإن المئذنة ـ وبحسب كثيرين ـ تظل رمزا إسلاميا خالصا يصعب التخلص منه، هذا الرأي يقابله رأيُ آخر يعبر عن الاتجاهات الحديثة التي بدأت في الظهور في فن عمارة المساجد اليوم, خاصة في أوروبا, وهي اتجاهات قد يكتنفها كثير من الغموض بحسب البعض, وبحسب آخرين فهو تناغم مع المفردات الجديدة في عالمنا المعاصر.
ما التطور المعماري الذي طرأ حديثاً في شكل وطريقة بناء المآذن اليوم؟ وهل أحدثت هذه الإضافات أي تحولات أو تغييرات في وظيفتها أو شكلها؟ وهل يعد الطول في المآذن من العناصر الجمالية؟ وهل حقاً أن المآذن لم تعد مهمة اليوم في ظل ما نشاهده من تغيرات في بناء المساجد بالاستعاضة عنها بمجسمات وأشكال أخرى؟
#3#
يتفق المهندس إبراهيم التني, وهو مهندس معماري وأستاذ جامعي, على أنه قد تعالت في الآونة الأخيرة كثير من أصوات "المعمارية" تنادي بالبحث عن سمة وعلامة فارقة جديدة تميز المساجد وتوفر لها الناحية الجمالية والوظيفية, ويضيف التني أن هذه الأصوات تستند في آرائها تلك إلى أن الهدف الذي وُجدت من أجلها المآذن, وهو إيصال صوت المؤذن إلى أبعد مسافة ممكنة, ولكن – يضيف - مع مرور الزمن صارت المئذنة سمة وعلامة فارقة للمساجد تدل على المسجد في سماء المدينة وارتبطت بحياة المسلمين, وهي بالتالي ذات أهمية قصوى, خاصة بالنسبة إلى الأقلية المسلمة في البلاد غير الإسلامية كونها تمثل رمزا لإظهار عقيدتهم ودليلا على الاعتراف الاجتماعي والرسمي بهم.
وفيما يخص التطور المعماري الذي طرأ حديثاً في شكل وطريقة بناء المآذن اليوم يقول التني إنه على الرغم من تطور مواد البناء خلال الفترات الزمنية السابقة وظهور مواد بناء جديدة تتميز بخاصيتي المرونة والصلابة, إلا أن التطور في عمارة المآذن فيما يتعلق بالعناصر المعمارية بسيط وغير مؤثر وينحصر ذلك – يضيف التني - في اجتهادات شخصية نجدها حينما ندقق فيها أنها تحمل السمات التاريخية نفسها لعمارة المآذن قديما, وفي رأيه أن التطور الكبير يبدو فيما يتعلق بطول المئذنة, إذ يعد عنصرا من عناصر الجمال والقيمة الوضعية.
نقول إن المئذنة بما تحمله من هوية أو دلالات – يبدو ذلك واضحا عندمـا تطل علينا ضمن المشاهد الأولى في المدن - إنما تحتوي على جمال خاص هو جمال الفكرة التي تحملها والتي تشغل العقل وتلذ منها الروح وترتاح لها النفس, فالمئذنة تحقق بشكلها المعروف معنى الدين كله في مشهد بسيط وواضح, فهي تقف على الأرض لكن هامتها ممدودة وتصل إلى السماء، وهي بذلك كأنما تجسد الاتصال بين الأرض والسماء شكلا ومعنى، حقيقة ومجازا، فتبدو صورتها هذه متناغمة مع معناها, وهو ربط الأرض بالسماء.
#2#
التطور التاريخي للمآذن
- عهد النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم: لم تكن هنالك مآذن.
- العصر الأموي: كانت على شكل أبراج والمسقط الأفقي في شكل (المربع), ويعد معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ أول من بنى مئذنة في الإسلام, وكان ذلك في المسجد الجامع الأموي الكبير في دمشق الشام.
- العصر العباسي: أصبحت المآذن مدورة الشكل وتبع ذلك ظهور أشكال جديدة مثل المئذنة الملوية في سامراء في العراق, كما أنشئت بعض المآذن من طبقات عديدة متباينة في تصميمها عن الطبقات الأخرى, أشهرها مئذنة مسجد ابن طولون في القاهرة التي تتألف من ثلاث طبقات.
- العهد المملوكي: أصبحت المآذن عالية ليس لها قاعدة مميزة لكنها تجلس على شرفات مثل جامع السلطان حسن.
- العهد المغولي: ارتفعت المآذن كثيراً وأصبحت شاهقة الارتفاع ذات قطر ضخم يقل تدريجيا.
- العهد المغولي في الهند : امتازت المآذن بالضخامة والارتفاع مع احتوائها على أكثر من صحن وزخارف نباتية مثل مسجد قوة الإسلام في دلهي وفي مراحل متقدمة ظهر تاج محل بمآذنه البيضاء العالية المائلة قليلا إلى الخارج.
- المرابطون والموحدون: مئذنة واحدة برجية الشكل.
- العهد العثماني: أصبحت المآذن رشيقة عالية وذا نهاية قلمية أو رصاصية.