مفهوم الجهاد في ضوء المحرقة اليهودية في غزة
لا يصح أن ننظر إلى الجهاد نظرة أحادية, فنختزله في صورة الجهاد بالنفس - وإن كان هو الأصل عند الإطلاق - كلا, بل علينا أن ننظر إلى الجهاد بمعناه العريض والواسع, لا سيما أن أهل الغزة لا يريدون شباباً متطوعاً للجهاد ضد العدو الصهيوني, فلديهم من الشباب المجاهد ما يكفي لمقارعة العدو, وإرغامه للانسحاب قسرا, كما أن الشباب المتطوع للجهاد قد يكون عالة على أهل غزة, وعلى المقاومة الفلسطينية؛ بسبب جهله بأسلوب القتال, وطريقة المراوغة, والتخفي... إلخ, ولهذا فهم أحوج إلى النصرة بأساليب أخرى, قد تكون أكثر جدوى, وأعمق أثرا.
ولهذا تجدر الإشارة هنا إلى أن الجهاد له أنواع كثيرة, وطرق متعددة, وبعضها قد يترك أثراً أعمق من الجهاد بالنفس, ولهذا نجد القرآن الكريم قد قدَّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في معظم الآيات, كما قال تعالى: (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله).
إذن فالجهاد أنواع:
ـ جهاد مالي؛ فالتبرع بالمال لصالح أهل غزة, هو من أرقى أساليب الجهاد, والتعبير عنه بجهاد بالمال أولى من التعبير عنه بكونه تبرعا, أو صدقة من الصدقات؛ لأن التعبير بجهاد المال تعبير قرآني, ولما فيه من إشعال النفوس بجذوة المشاركة في الجهاد, ولأن الذي يتغلب على شح نفسه, فيبذل من ماله, كالذي يتغلب على عدوه في ساحة المعركة, بل ربما كان التغلب على النفس أشد وأقسى من التغلب على العدو الخارجي.
ـ جهاد إغاثي, وطبي, وذلك ببذل أنواع الإغاثة العينية, الغذائية منها والطبية, ولا ريب أن إرسال المساعدات الإغاثية لأهلنا في غزة, وما سجله بعض الأطباء العرب وغيرهم, من مشاركة لأطباء غزة في التطبيب والتمريض والمعاناة, لهو مشاركة فعلية وحقيقية في نوع مهم من أنواع الجهاد في سبيل الله.
ـ جهاد روحي, وذلك بحمل الروح على مشاركة أهلنا في غزة معاناتهم, والشعور بمآسيهم, وعدم خذلانهم بالتغافل عنهم, أو بالانشغال عن معاناتهم, أو بالتشاغل عمداً عن قضيتهم العادلة, أو بالاصطفاف مع العدو ضدهم, وذلك بتحميل المقاومة الفلسطينية وزر ما يحل بأهل غزة, وقد جاء في سنن أبي داود, عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (ما من امرئ مسلم يخذل امرءًا مسلمًا في موضع تُنتهك فيه حرمته، ويُنتقص فيه من عرضه, إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلمًا في موضعٍ يُنتقص فيه من عرضه، وتُنتهك فيه حرمته إلا نصره الله في موضعٍ يحب فيه نصرته).
ـ جهاد إعلامي, وهو اليوم من أعظم الجهاد - إن نقلت الأحداث كما هي دون تزويق - لأن عدسات الكاميرا تنقل للعالم أجمع مشاهد المآسي والظلم, فيقف الناس على حقيقة ما يجري من مشاهد القصف والتدمير, ومن صور التعذيب والتشويه, وكم من صورة كانت سبباً في تجييش العالم ضد ممارسات البغي والعدوان, وقد سجل بعض مراسلي القنوات الفضائية صوراً ناصعة في البطولة والتضحية, ولذا حاول العدو الإسرائيلي عدة مرات استهداف مواقع الصحافيين, واستطاع أن يقتل منهم وأن يجرح آخرين, في محاولة يائسة لطمس الحقيقة عن الرأي العام الدولي, فكان استهدافهم سبباً في نقل صورة أخرى من صور الإجرام اليهودي. وهنا أرفع تحية إكبار واحترام لما قامت به قناة "الجزيرة" من نقل حي ومباشر على مدار الساعة, وذلك منذ قرعت الحرب طبولها, وحتى اليوم, في مهنية راقية, وتجرد إعلامي, يذكر فيشكر. كما أن هذه الحرب الظالمة أماطت اللثام عن بعض القنوات الأرضية والفضائية, والتي قام بعضها بدور سلبي تجاه قضية غزة, وقام بعضها الآخر بدور خياني, حاول طمس الحقائق حيناً, وقلبها رأساً على عقب حيناً آخر.
ـ جهاد بياني, عبر جهاد القلم, والكلمة الصادقة, والتي تميط اللثام عن هذه الجرائم اليهودية القذرة, وما يسبقها ويعقبها من مؤامرات, وما يحيط بها من تداعيات, سواء عبر الصحف, أو المواقع والمنتديات.
ـ جهاد سياسي, وذلك ببذل أقصى درجات الدبلوماسية الممكنة لإيقاف العدوان على غزة, ورفع الحصار الظالم, وكشف الحقائق على الأرض, وهنا أسجل تحية إكبار لكل من أسهم بدور سياسي فاعل, وعلى رأسهم أردوغان, والذي تحدث بصورة واضحة عما يجري في غزة من ظلم وحشي, فرسم معالم الجريمة, وطالب بصوت جهوري بمعاقبة دولة الكيان الصهيوني على جرائمها, وتجاهلها للقرارات الدولية, مؤكداً وجوب المسارعة بكف يد العدو اليهودي, ورفع الحصار, وإيصال المساعدات الإنسانية بأسرع وقت ممكن.
ـ جهاد اقتصادي, وذلك بمقاطعة البضائع الإسرائيلية وبضائع الدول التي تصطف معها في هذه المعركة, سواء بإمدادها بالسلاح, أو بالقرار السياسي الجائر, لا سيما البضائع الكمالية, أو البضائع الحاجية التي يوجد لها البديل المناسب, وقد أفاد بعض المهتمين بموضوع مقاطعة البضائع الإسرائيلية أن بعض هذه البضائع يعاد تغليفها من دول أخرى, ثم تصدر إلى دول العالم العربي, وهنا ينبغي أخذ الحيطة!
ـ جهاد اجتماعي, وذلك بإيصال الفكرة الصحيحة إلى أذهان الأسرة والمجتمع, وإزالة الصورة المشوشة عما لحق بأهلنا في غزة بسبب بعض وسائل الإعلام التي لم تحترم أمانة الكلمة, ولم ترع مسؤولية الإعلام حق رعايتها!
وبهذه الأنواع المتعددة ينكشف لنا بوضوح أن شريعتنا السمحة تسمح لنا أن نقوم بدور الجهاد, وأن نحصل على وسام الشرف, وإن لم نصطف مع إخواننا في ساحة الحرب.