قطاع التأمين .. نقص في الكوادر المؤهلة ومؤسسات تدريبية مفقودة
أكد خبراء ومتخصصون في قطاع التأمين أن سوق التأمين السعودية لا تزال تواجه مشكلة نقص في الكوادر الوطنية المؤهلة التي تحتاج إليها الشركات المحلية في أقسامها المختلفة، في ظل عدم وجود مؤسسات تعليمية أو تدريبية متخصصة في هذا المجال لضخ موارد بشرية في السوق قادرة على الوفاء بمتطلباتها والمساهمة في سد هذه الفجوة.
الطلب على الكوادر التأمينية
أوضح الدكتور مراد زريقات مدير تطوير الأعمال في شركة التأمين العربية التعاونية في السعودية، أنه كان لصدور اللوائح التنظيمية الخاصة بتنظيم عمل سوق التأمين في المملكة سواء لشركات التأمين وإعادة التأمين أو المهن التأمينية الأخرى كوسطاء التأمين، وكلاء التأمين، مستشاري التأمين، ومسؤولي الخسائر، دور كبير في كثرة الطلب وبشكل متزايد على الكوادر التأمينية من أجل تلبية متطلبات هذه اللوائح من حيث توفير هيكل تنظيمي يتلاإم مع عمل شركات التأمين وإداراتها المختلفة.
لا تدريب ولا تأهيل
وقال: "إن عدم وجود جهات ومؤسسات تعليمية أو تدريبية لتأهيل العدد الكافي من الكوادر التأمينية المهنية جعل صناعة التأمين تواجه مشكلة النقص الحاد في توافر الموظفين في السوق المحلية الأمر الذي أجبر معظم شركات التأمين إلى الجوء إلى الأسواق المجاورة أو الأسواق العالمية لحصول على كوادر مدربة قادرة على إدارة عمل هذه الشركات".
نقص الخبراء الاكتواريين
ولم يخف زريقات أن كثيرا من شركات التأمين التي تم تأسيسها حديثا في السعودية تواجه صعوبات في توفير موظفين قادرين على تلبية متطلبات النشاط التأميني، وقد اضطر بعضها إلى محاولة الحصول على بعض الموظفين من السوق المحلية بأجور "رواتب" مرتفعة، الأمر الذي أدى بدوره إلى ارتفاع أجور المهن التأمينية بشكل مضاعف خلال السنوات الأخيرة، لكنه لفت في الوقت ذاته إلى أن هناك بعض التخصصات غير متوافرة حتى مع الأجور المرتفعة كونها تشكل ندرة ليس على صعيد السوق السعودية وإنما على مستوى أسواق الشرق الأوسط, خاصة الخبراء الاكتواريين.
استقدام المتخصصين
وقال: "نظراً لوجود بعض المتغيرات والمعطيات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع السعودي, التي تفرض مخرجاتها وبشكل فعال على النظام التعليمي في المملكة، فقد كان وما زال غير قادر على الوفاء بمعظم متطلبات السوق السعودية من مختلف التخصصات نظراً لتوجه النظام التعليمي للوفاء بمتطلبات القطاع العام على حساب القطاع الخاص، الأمر الذي نرى معه لجوء معظم القطاعات الاقتصادية المختلفة إلى استقدام العمالة الأجنبية المؤهلة لهذا الغرض".
وأضاف قائلا: إن توفير الحلول المناسبة للوفاء بمتطلبات سوق التأمين السعودية من الموارد البشرية المؤهلة لا يعني توفير الكم بقدر ما يعني توفير الكيف، لأن توفير الكيف يعني توفير ثقافة تأمينية قادرة على استعياب فكرة صناعة التأمين ومدى مساهمتها في تنمية الاقتصاد والمجتمعات بمختلف جوانب الحياة من أجل توفر قناعة لدى أبناء المجتمع السعودي بأهمية التأمين.
مناهج لتعليم التأمين
وتابع: "هذا يتطلب تضافر جهود مختلف المؤسسات والجهات في القطاعين العام والخاص بدءاً من المناهج التعليمية في المدارس وانتهاء بإيجاد تخصصات تعليمية مهنية في الجامعات والمعاهد". وزاد: "إن صناعة التأمين في السعودية بدأت للتو وستستمر في التطور للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة في هذه الصناعة المهمة، وعليه لا بد من إعادة النظر في بعض المناهج التعليمية من خلال إضافة بعض المواد أو الفصول في بعض المناهج التي تعمل على تثقيف المواطن بماهية التأمين ومدى أهميته من أجل خلق جيل واع قادر على الوفاء بمتطلبات السوق".
مواجهة المشكلة
في المقابل يرى متعب بن غازي الروقي الرئيس التنفيذي لشركة نجم لخدمات التأمين ـ وهي الشركة المعنية بمهمة مباشرة الحوادث المرورية في المملكة وتحديد المسؤوليات وتقييم الأضرار ـ أن مشكلة نقص الكوادر الوطنية المؤهلة في مجال التأمين تتطلب من جميع الجهات العاملة أو ذات الصلة بهذا القطاع إيجاد الحلول المناسبة والقيام بدورها عبر الوسائل والسبل كافة في توعية وتثقيف مختلف شرائح المجتمع بأهمية التأمين في جوانب الحياة المختلفة.
قطاع متطور
وأشار الروقي في الوقت ذاته إلى أنه على الجهات الرقابية والمشرفة على قطاع التأمين القيام بدورها في التوعية التأمينية وخلق ثقافة تأمينية من حيث ترسيخ المفاهيم التأمينية المتعلقة به وإيجاد جيل واع، مذكرا بأهمية التدريب والتأهيل للعاملين في هذا القطاع على اعتبار أن صناعة التأمين صناعة متطورة كونها تشهد تطورا دائما ومستمرا من حيث المنتجات والحلول التأمينية وغيرها، الأمر الذي يتطلب التدريب والتعليم المستمرين في هذا المجال.
تجربة محلية ناجحة
ولم يخف الروقي من أن شركته كانت بالفعل في بداية تأسيسها تعاني مشكلة عدم توافر كوادر بشرية تملك الخبرة للعمل في أقسام الشركة المختلفة فضلا عن عدم توافر برامج تدريبية يمكن أن يستفيد منها منسوبو الشركة في أداء عملهم بالطريقة المطلوبة، لكن في النهاية "استطعنا التغلب على المشكلة وأصبحت لدينا تجربة محلية ناجحة في مجال التدريب والتأهيل".
وأوضح الرئيس التنفيذي لشركة نجم لخدمات التأمين أن الشركة أخذت على عاتقها منذ تأسيسها التركيز على توظيف الكوادر المؤهلة من الجنسين، وقد استحدثت الشركة برامج تدريبية متخصصة لهذا الغرض، بعد توقيع اتفاقية مع صندوق تنمية الموارد البشرية، لتأهيل وتدريب وتوظيف الشباب، وقد تجاوزت نسبة السعودة في الشركة 90 في المائة في أقل من عام.
وأشار الروقي إلى أن شركته قامت بتنظيم عدد من الدورات التدريبية لتأهيل الموظفين العاملين في أقسام تأمين السيارات في عدد من شركة التأمين على آلية التعامل مع المطالبات التأمينية وكيفية تحديد المسؤوليات وتقدير الأضرار أثناء وقوع الحوادث المرورية، وهذا نابع من مسؤوليتها تجاه خدمة قطاع التأمين من خلال تأهيل الكوادر البشرية على فهم طبيعة عمل الشركة وتقديم جرعات تثقيفية لهم في هذا المجال.
قسم للتأمين في المعهد المصرفي
عاد الدكتور زريقات ليبين أن مسألة تلبية حاجة السوق المحلية من الكوادر البشرية المتخصصة يمكن أن تسهم فيه شركات التأمين والجهات الرقابية والمشرفة على هذا القطاع من خلال التعليم والتدريب والتطوير المستمر، لكن هناك جهات أخرى لا بد من تأخذ دورها في هذا المجال مثل: وزارة التربية والتعليم، وزارة التعليم العالي، والمعاهد التعليمة المتخصصة من أجل رفد السوق السعودية بكوادر قادرة على إدارة صناعة التأمين بشكل يجعلها تستطيع المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
واقترح زريقات أن تقوم مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" بتطوير المعهد المصرفي ليضم قسماً متخصصاً في علوم التأمين بمختلف تخصصاته أسوة ببعض الدول المجاورة كمعهد البنوك والتأمين في البحرين أو بعض المعاهد العالمية كمعهد التأمين في لندن، على أن تقوم شركات التأمين بتقديم التعاون المطلوب برفد هذا المعهد بالخبرات الموجودة لديها من أجل تدريب الطلاب والمتدربين.