رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


السوق المالية السعودية وحزمة من المُحفزات!

لعلنا لا نكون قد جانبنا الصواب إن قلنا إن إنشاء الأسواق المالية يهدف في الأساس إلى تحقيق أهداف استراتيجية ووطنية بعيدة المدى لمصلحة الاقتصاد الوطني، فالأسواق المالية تهيئ فرصاً شبه متكافئة لكافة أفراد المجتمع الراغبين في توظيف مدخراتهم وتحقيق عوائد مستقبلية منها، وكما لا يخفى على كل المتعاملين به حيث يوفر السيولة اللازمة للمستثمرين ممن يحمل الأوراق المالية ويرغب في التخلص منها أو استبدالها في أي وقت يشاؤون وبذلك تكون السيولة اللازمة للمشاريع الاستثمارية الكبرى في متناول أصحاب القرار الاستثماري.
ولكي تكون السوق المالية ناجحة في أي بلد من البلدان لابد من نضوج هذا البلد اقتصاديا, فتسريع وتيرة تطوير السوق المالية وجعلها قادرة على المساهمة في التوزيع الأمثل للموارد الاقتصادية المتاحة، وتوافر البيئة القانونية والاقتصادية المناسبة من العوامل التي تساعد على سرعة النضوج الاقتصادي. هناك مستلزمات لابد من توافرها كي نرتقي درجة على سلم تطوير سوقنا المالية منها, تمتع المصرف المركزي باستقلالية في القرار الاقتصادي وبما يخدم الاقتصاد الوطني لأنه سيكون محايداً ومؤثراً بحكم هيمنته في السياسة النقدية, التعددية المصرفية بحكم قدرتها على توفير السيولة وأهمية الدور الذي يلعبه القطاع المصرفي في الاستثمار وتحويل الأموال والكفاءة في إدارة الاكتتابات، وكذلك أهمية وجود نظام تكنولوجي بنكي متطور يسهم في رفع كفاءة وفعالية السوق ما يساعد على نجاحها، ولا ننسى كذلك الاهتمام بنشر الوعي الاستثماري ليكون هناك توائم بين الوعي الاستثماري وتطوير السوق المالية المحلية.
ومما لاشك فيه أن الأسواق المالية الأمريكية والغربية تعكس بصورة جلية حقيقة الأوضاع الاقتصادية في هذه البلدان، فأي تأثير ولو بسيطا جداً في أي متغير كلي أو جزئي سينعكس مباشرة على القطاعات ومن ثم الشركات وفيما بعد على ربحية أسهم هذه الشركات وبالتالي قيمتها السوقية، لأن القطاع الخاص في هذه الاقتصادات يُشكل جُل اقتصادها تقريبا وعليه فمن المتوقع أن يكون التأثير نافذا إلى حد كبير كون القطاعات شديدة الترابط والتعقيد ولكن ليس بذات السرعة في حالة الاقتصادات المعتمدة على مصدر وحيد للدخل.
سوقنا السعودية تعتمد بشكلٍ أساس على النفط وتتأثر به وأسعاره تتحدد في الأسواق العالمية ولذا فهو يُؤثر بشكل قوي، سريع، وبصورة مباشرة وغير مباشرة على القطاعات الاقتصادية المختلفة، وبناء عليه فإن الإنفاق الحكومي هو المُتغير الرئيس بالنسبة للقطاع الخاص وبقية القطاعات الاقتصادية الأخرى. التقلبات الأخيرة والحادة لسوقنا المالية مدعاة للحزن والأسى، فلا جهة اقتصادية مسؤولة تتولى زمام المبادرة في مسح دموع الحزاني ولا تجفيف المآقي ولا حتى تهدئة المخاوف، والأشد غرابة هو إحساسك بأن من يهتم بشأنها وكأنها بدعٌ من الأسواق فهو يتحدث عن سوق لا تمت لنا بصلة ولا حتى نعرف موقعها على خريطة الأسواق المالية العالمية...لا بل الحقيقة هي سوق ناشئة تحتاج إلى من يرعاها ويدير شؤونها بكل حرفية ومهنية وموضوعية وبكل أنواع الشفافية المُطلقة، لكن أخشى ما أخشاه هو تهاوي سوقنا المالية نتيجةً لكثير من الصدمات المُتعمدة وغير المتعمدة. فمن الصدمات المتعمدة هي سياسة اللامبالاة لما جرى ويجري وكأن الأمر لا يعني من أوكل لهم ولي الأمر القيام على هذه السوق وتهيئتها لتقوم بدورها كما ينبغي، وأما الصدمات غير المتعمدة فهذه الأزمة المالية العالمية التي أتت على الأخضر واليابس، وكفانا مقولة إن هذه الأزمة لا تؤثر فينا فنحن مكون صغير من هذا العالم الكبير وبكل تأكيد تأثرنا وسنتأثر بها مستقبلاً طالما أن المورد الأساس ومصدر الدخل لنا هو النفط، وبلا شك ستتأثر بقية القطاعات الاقتصادية تبعاً لتأثر أسعار الخام.
وغني عن القول إن هيئة سوق المال لم تُحرك ساكناً طوال الفترة الماضية والى اليوم، فلم تكن هناك إشارات تُوحي بتحديد ماهية مشكلة سوقنا المالية ولا حتى مواطن الخلل فيها ولا كيفية التصرف تجاهها، بل اكتفت الهيئة بتصاريح مُقتضبة لم تزد الطين إلا بِلة. لكن مم تتشكل هذه الحزمة؟ وكيف يمكن تطبيقها لتجلب الطمأنينة إلى سوقنا الفتية والتي يتعامل بها معظم أبناء هذا الوطن الغالي؟. تشمل هذه الحزمة بعض من الحوافز المادية والمعنوية، فمن الحوافز المعنوية التزام الهيئة الكامل بتطوير السوق المالية بحيث تشمل البرمجة المسبقة لكل الخطوات التي ستقوم بها الهيئة كاملة غير منقوصة بحيث تشمل الإجراءات التطويرية للسوق من لوائح وأنظمة جديدة أو التي في طور التعديل وكما تشمل كل الاكتتابات القادمة ونوعياتها ومدى مناسبتها لأوضاعنا الاقتصادية ومدى خدمتها للأهداف الاقتصادية الوطنية العُليا. كذلك لابد من مبادرة الهيئة صراحة بوقف الاكتتابات المستقبلية لمدة تُحددها وكذلك إيجاد منبر إعلامي يتولى توضيح ما يتعلق ويكتنف السوق من غموض، كما وتشمل الإجراءات رفع الوعي الاستثماري لدى المواطنين وذلك بخلق أجواء استثمارية واعية وفاعلة بحيث يتمكن المواطن من تهيئة نفسه لأي فرصة استثمارية سواء في اكتتاب أو زيادة رأسمال من خلال توجيهه عن طريق البرمجة المُسبقة إلى تدبير أموره المالية ومعه فسحة من الوقت، أما ما يحصل بسوقنا فهي إدراجات على عجل لا تخلق جوا من الوعي الاستثماري الادخاري وما يجري في سوقنا اليوم خير دليل. من الأهمية القُصوى بمكان تعاون الهيئة مع الجهات المالية الأخرى بحيث تتم غربلة مجالس الإدارات في الشركات والمؤسسات المالية الاستثمارية سواء كانت خاصة أم حكومية وتطعيمها بالكفاءات المؤهلة في مختلف التخصصات التي تحتاجها سوقنا المالية والمصرفية من أجل تدارك الأخطاء السابقة إن كان هناك ثمة فرصة والعمل الجاد على تعديل مسار هذه المؤسسات المالية وبما يخدم أهدافنا الاقتصادية. هذه الخطوة الجريئة تحقق هدفين الأول منهما يكفينا ما وقعنا به من أخطاء مُكلفة لاقتصادنا الوطني ولم نتعلم منها وثانيهما الأثر الإيجابي في أسعار أسهم هذه الشركات.
أما الحوافز المادية فتشمل العمل الجاد على تفعيل صندوق الأسهم والذي يقوم بدور صانع السوق بحيث يمنع الهبوطات السعرية غير المبررة وكذلك الارتفاعات السعرية غير المسبوقة، مثل هذه الصناديق قام بها كثير من الدول الخليجية، لكن ومع الأسف الشديد في حالتنا إلى الآن لم ترى النور!!. تهيئة الأجواء بتطمين السوق بعزم وقدرة الدولة على توفير السيولة ودعم القطاعات الاقتصادية التي ستتضرر جراء هذه الأزمة المالية. أما تشجيع الشركات على شراء أسهمها أو تخصيص صندوق خاص فقط لشراء الأسهم فعلاجات مسكنة ومؤقتة لاتصل إلى موطن الألم الحقيقي وستُخفف من نزف المؤشر لكنها لن توقفه.
سوق الأسهم تعكس الواقع الاقتصادي المُزدهر الذي تعيشه المملكة وإن كانت بصورة غير مباشرة، فأي انخفاض حاد لهذه السوق سيُثير كثير من علامات الاستفهام حول قدرة الجهات الرسمية المعنية بهذا الأمر في علاج مثل هذا الخلل، فهل تستحق سوقنا المالية الناشئة التي ستخدم الاقتصاد السعودي بكل تأكيد خريطة طريق ووقفة جادة لبنائه ودعمه على أسس علمية سليمة لا عن طريق المحاولة والخطأ...نأمل ذلك جميعاً!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي