بعد سكون العاصفة.. هل ينجح التمويل الإسلامي في تقديم نفسه بديلا في العالم
اعتبرت مؤسسات مالية وأكادمية في صناعة المال الإسلامية أن الصيرفة الإسلامية لن تستطيع وحدها أن تدرأ الفزع في صفوف البنوك الغربية وتجنبهم أزمة الائتمان. ذلك أن المصرفيين قادرون تماماً على ركوب موجة الجنون التي غرقت فيها المصارف الغربية عندما تراجعت قيمة المنازل. إلا أنهم اتفقوا على أن سياسة التمويل المتحفظة هي الأفضل للبنوك الإسلامية من أجل استدامة نموها. وأشار الخبراء الغربيون، حسبما نقلته خدمة "إسلاميك نيوز"، إلى أن الصيرفة الإسلامية تتميز بعامل "المديونية" التي كانت الشرارة التي أشعلت فتيل هذه الأحداث الكارثية التي وقعت في "وول ستريت" في السنة الماضية وأسهمت في دخول أسواق المال العالمية حالة من الفوضى والاضطراب. وعلى الرغم من أن المديونية ستقلل من ربحية البنوك إلا أنها ستسهم في تخفيف وطأة الخطر الذي تتعرض له. وتم التشديد كذلك على ضرورة استعانة المصارف الإسلامية بمحللين ائتمانيين من أجل تجنيبها تبيعات وقوع أزمة ائتمانية مشابهة لنظيرتها الغربية, ولكن ماذا يقول خبراء صناعة التمويل الإسلامي حول الدروس المستقاة من هذه الأزمة؟
#2#
على الصعيد الأساسي، فإن ما أشعل فتيل الأزمة هو ضمان قروض الرهن الرديئة، كمنح القروض لمن ليست لهم قدرة على السداد. بينما نظام التمويل الإسلامي عرضة بدوره إلى مثل هذه القرارات الاستثمارية في أوقات "طفرة" هذا القطاع.
ويرجع قدر كبير من الأزمة الراهنة أيضاً إلى الذعر وإلى عدم التيقن من المخاطر. وتتم معاملة الجيد والرديء على النحو نفسه دون تمييز. ومرة أخرى نقول إن البنوك في الأسواق الناشئة (إسلامية كانت وغير إسلامية) ليست الأكثر شفافية أو سهولة على الفهم من حيث التعرض للخطر، ولذلك، ربما كانت معرضة لردود الفعل العاطفية للمستثمرين بقدر تعرض البنوك التقليدية لها.
على أن المجال المحتمل للاختلاف هو المديونية leverage. وهذا سبب رئيس آخر من الأسباب التي أدت إلى اندلاع الأزمة. وهنا يمكن للمبادئ الإسلامية أن تحدث فرقاً. ذلك أن العمل بنظام التمويل المدعوم بأصول أو الاستثمار المشترك الحقيقي الملموس من المرجح أن يحد من مديونية البنوك الإسلامية. ومن شأن هذا أن يقلل ربحية البنوك الإسلامية ولكنه قد يقلل الخطر الذي يمكن أن تتعرض له أيضاً.
خالد هولادار، النائب الأول للرئيس موديز لخدمة المستثمرين
#3#
إنه من الجهالة الاعتقاد أن المبادئ الإسلامية وحدها يمكن أن تدرأ الفزع في صفوف البنوك. ذلك أن المصرفيين الإسلاميين قادرون تماماً على ركوب موجة الجنون التي غرقت فيها المصارف الغربية. ورغم الميزات المتأصلة في نظام التمويل المبني على الأصول، لا يستطيع أي مصرفي إسلامي أن يقول إنه تخلص من الخطر. وفي الحقيقة، فإنه كما تكمن جذور الأزمة التي وقعت فيها المصارف الأمريكية في التراجع المستمر لقيمة المنازل، فإن الشيء نفسه يمكن أن يحدث في المصارف الإسلامية إذا ما فقدت أي فئة من الأصول المفضلة من قيمتها بذلك المعدل نفسه، الأمر الذي ليس له علاقة بكون الأصل إسلاميا أو غير إسلامي.
إن تجنب الأزمات المالية كهذه الأزمة يتطلب ببساطة وجود معايير ائتمانية حصيفة. ولو لم تخفض المؤسسات المالية الغربية الرئيسة معايير الائتمان تلك، على صعيدي الشراء والبيع، لما كان لنا أن نشهد تلك الزيادة الخيالية في أسعار المنازل الأمريكية والتضخم الموازي لها في أقيام الأصول بسبب تخفيف معايير الائتمان في سائر أنحاء العالم.
إن الأساس الجوهري للسلامة في أي نظام مصرفي، إسلامياً كان أم غير إسلامي، يكمن في معايير الائتمان. ولذلك، فإن المصرفيين الذين يمنحون الأموال دون فهم كامل للمخاطر والتحوط لها سيواجهون الأخطار نفسها. وما زال هناك شوط طويل أمام نظام المصرفية الإسلامية لتوظيف محللين ائتمانيين من الدرجة العالمية بشكل كامل. إن معظم البنوك الإسلامية لا يوجد لديها حتى الآن جهاز يتمتع بالعمق والخبرة والحرفية في مجال تحليل الائتمان، وإذا لم تتعلم البنوك الإسلامية عموماً من الأزمة الراهنة، فسوف تتسبب في حدوث أزمة خاصة بها دون أن يساعدها أحد.
فلا يوجد شيء في نظام المصرفية الإسلامية حالياً يمكن أن يحول دون تعرضها لهذا النوع نفسه من الأزمة. وفي الحقيقة، فإن افتقار الكثير من البنوك الإسلامية إلى محللي ائتمان ممتازين يعني أن من المحتمل أن تكون هناك أزمة مستقبلية تتشكل حالياً. إن كثيرا من البنوك الإسلامية توزع الأموال هنا وهناك دون فهم كامل للمخاطر التي ينطوي عليها ذلك.
جون إيه. ساندويك، مدير عام Encore Management السويسرية
#4#
لقد نشأت الأزمة بسبب الفشل على الصعيد التشريعي، لأنه ما كان ينبغي السماح بهياكل التمويل والحوافز الخاصة بالقروض التي كانت تمنح عملاء يفتقرون إلى الملاءة المالية. والدرس الذي ينبغي للمصرفية الإسلامية أن تتعلمه هو أن سياسات التمويل المتحفظة هي الأفضل من أجل الاستدامة في المدى الطويل وأنه ينبغي تجنب إغراء تعظيم المكاسب قصيرة المدى دون التفكير في العواقب. إن الأسواق تعمل، ولكن في سياق نظام يقوم على الأنظمة والتشريعات.
إن المصرفية الإسلامية في حاجة إلى قواعد وتشريعات، مع وجوب عدم التضحية بالبعد الأخلاقي من أجل تحقيق مكسب مالي. ومن المهم أن تتمتع المؤسسات المالية الإسلامية برسملة كافية، وينبغي أن يتم احترام المبادئ الواردة في معاهدة بازل 2. وستجسد معاهدة بازل 3 الدروس المستفادة من الأزمة المالية عام 2008 ومن المؤمل أن تتمكن البنوك الإسلامية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية IFSB من المساهمة في وضع القواعد والأنظمة الجديدة.
البروفيسور رودني ولسون جامعة دورهام البريطانية