"النفق المظلم" يحوم حول جهود وزارة الخزانة لتعلم ملامح التمويل الإسلامي

"النفق المظلم" يحوم حول جهود وزارة الخزانة لتعلم ملامح التمويل الإسلامي
"النفق المظلم" يحوم حول جهود وزارة الخزانة لتعلم ملامح التمويل الإسلامي

دخلت جهود وزارة الخزانة الأمريكية لدراسة أبرز ملامح نظام التمويل الإسلامي مرحلة "النفق المظلم" في تنحي أبرز الداعمين لها من مناصبهم فضلا عن مجموعة أخرى من العوامل التي بدأت تنهش في زخم هذه الوزارة الذي بدأ في التناقص ريثما تتبين رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة حول هذا المشروع. لعل أول هذه العوامل التي تم تسريبها لـ "الاقتصادية" من أحد المصادر هو أن اهتمام وزارة الخزانة بالصيرفة الإسلامية ليس نابعا من إيمانها بمفهوم الاقتصاد الإسلامي, بل استخدمته كغطاء لجذب أموال النفط الخليجية التي تستميلها الاستثمارات المتطابقة مع الشريعة. حيث تنظر المؤسسات المالية الأمريكية، التي تترنح الآن بفعل الانقباض الائتماني، بعين جوعى إلى أكثر من تريليون دولار من الأموال النفطية، بما في ذلك السندات الإسلامية، والصناديق المشتركة، ومؤسسات القروض السكنية، وشركات التأمين، وصناديق التحوط، وصناديق الاستثمار العقاري. وهذا ما دعا الكاتب روبيرت مورلي يتساءل عن الذي فعلته أمريكا "لتتحول من كونها أكبر مقرض في العالم إلى أكثر المقترضين احتياجاً في العالم".
فمنذ أن نما إلى علم بعض الجهات اليمينية المتشددة نبأ توجه وزارة الخزانة إلى تعلم ما يعرف بثقافة الاقتصاد الإسلامي، حتى انهالت الضغوط على تلك الوزارة لإجراء وقف فوري للدراسات التي تجريها حول أدوات التمويل الإسلامي وأنظمته, مع اتخاذ إجراءات لحظر تبنيه في مؤسسات المال الأمريكية على نطاق واسع، حيث شهد الشهران الماضيان إطلاق تحالفات جديدة من منظمات السياسة العامة والناشطين في حقوق الإنسان والجماعات الدينية لمعارضة ما يصفونه بـ "تسلل" تعاليم النظام المالي الإسلامي إلى نسيج اقتصادهم. وتمت الاستعانة خلال تلك الحملة بالذراع الإعلامية لليمين المتشدد لتأليب الرأي العام الأمريكي ليقف صفا واحدا ضد جهود وزارة الخزانة. إلا أن "حرب الإقناع" بين رعاة الرأسمالية، ذوي التوجه المؤيد للتمويل الإسلامي، والجهات اليمينية المعارضة قد وصلت ذروتها قبل أسبوعين عندما لجأت الأخيرة لمقاضاة وزير الخزانة الأمريكي والبنك الفيدرالي بحجة أن عملية الإنقاذ المالية تساعد على نشر ثقافة التمويل الإسلامي . تبعها بأسبوع تفاعل بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي مع العريضة التي رفعتها الجهات اليمينية المتشددة التي تطالب فيها بتجميد جميع مبالغ الإنقاذ البالغة 150 مليار دولار، الموجهة لمجموعة التأمين الأمريكية AIG, وكذلك قيامها بالتخلص من جميع شركات التأمين الإسلامية التابعة لها ولا سيما الخليجية منها.

التحدث بوجهين
#2#
وفي السياق ذاته، كشف أحد المصادر الغربية الموثوقة للاقتصادية أنه أصيب بـ "الصدمة والانبهار" عندما أفصح له أحد كبار مسؤولي وزارة الخزانة أنهم "يسعون بشكل يائس نحو أموال البترو دولار" بعد عودتهم مباشرة من زيارة دول الخليج التي تم التصريح لوسائل إعلامها أن وزارة الخزانة تدرس التمويل الإسلامي من أجل الاستعانة به لمواجهة هذه الأزمة. يقول المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته نظراً لحساسية الموضوع، "إنهم يتحدثون بوجهين. فهم يقولون أشياء طيبة عن التمويل الإسلامي في الخليج ثم يحاولون صرف النظر عن الأمر عندما يعودون ويقولون إن تصريحاتهم أخرجت من سياقها. من الواضح أنهم يسعون خلف العائدات النفطية بكل ما لديهم من قوة وبشكل يائس". في إشارة منه أن اهتمام وزارة الخزانة بالصيرفة الإسلامية ليس نابعا من إيمانها بمفهوم الاقتصاد الإسلامي, بل تستخدمه كغطاء لجذب أموال النفط الخليجية التي تستميلها الاستثمارات المتطابقة مع الشريعة.
بينما ترى فئة أخرى ومنها الجماعات المتشددة أن الخزانة قد تكون صادقة في نواياها, نظرا لاستحواذها على بنوك تقدم نوافذ إسلامية أو شركات تأمين تتبع لها شركات تكافل. وهذا ما جعل المصدر يختتم مقابلته الوجيزة مع "الاقتصادية" بالقول إن الجميع "مصابون بقصر النظر" حول الغاية من فكرة ضخ ثقافة التمويل الإسلامي بمؤسسات المال الأمريكية.

ربان السفينة
هو الرجل الذي لا يعرف عنه منافسوه في "وول ستريت" وعملاء بنك جولدمان ساكس إلا أنه إحدى أقوى الشخصيات الفولاذية في المجتمع الاستثماري الذي يتمتع بتأثير اقتصادي قوي، ويتصرف بمنتهى الهدوء والحذر والتكتم حتى لا يلفت إليه الأنظار. فالكثيرون لا يعرفون أن هنري بولسون وزير الخزانة الأمريكي يولي اهتماما "دفيناً" بأدوات التمويل الإسلامي. إلا أن سياسة "الحذر والتكتم" لم تبد نفعا عندما رفعت دعوى قضائية ضده بسبب ضلوعه بتهمة تشجيع ثقافة التمويل الإسلامي. وسيسلم الوزير بولسون مفاتيح منصبه في أواخر الشهر الحالي لتيموثي غيثنر الذي تم اختياره شخصيا من قبل أوباما.

فتى الـ 700 مليار دولار
نيل كاشكاري (35 سنة) هو الآخر على مشارف ملاقاة مصير رئيسه نفسه (بولسون) الذي ينظر إليه على أنه ذراعه اليمنى التي يثق بها التي على أثرها منحه إحدى أصعب المهام في تاريخ وزارة الخزانة وهي رئاسة برنامج الحكومة لإنقاذ المؤسسات المالية الذي أقره الكونجرس وقيمته 700 مليار دولار.
ففي آخر جلسة له مع مجلس النواب الأمريكي، وجه دونالد مانزولو، وهو نائب جمهوري عن ولاية إلينوي، لوما قاسيا لكاشكاري، حول العلاوات التي دفعت لتنفيذيي شركة AIG، وقال له مانزولو إنه لا يثق بقراراته وطالبه بالتنحي عن منصبه.
ودائما ما كان الفتى، ذو الأصول الهندية، هدفا واضحا في البيانات الصحافية للجهات اليمينية المتشددة. فقد كانت ترى فيه أنه ذلك الشخص الذي يحمل في يده "مفاتيح" إدخال أنظمة التمويل الإسلامي للاقتصاد الأمريكي, نظرا لقدرته الحادة على الإقناع ولقربه من صناع القرار الاقتصادي بالرغم من صغر سنه.

الأكثر قراءة