نحو دعم التجارة الخارجية السعودية
وزارة التجارة والصناعة، وزارة البترول والثروة المعدنية، الهيئة الملكية للجبيل وينبع، الهيئة العامة للاستثمار، مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية، و الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس, جميعها هيئات سعودية تعنى بشكل أو بآخر بشؤون التجارة الخارجية السعودية.
بغض النظر عن مدى كفاءة هذه الهيئات في القيام بدورها تجاه التجارة الخارجية السعودية، فإن دمج جميع المهام ذات العلاقة بالتجارة الخارجية السعودية في هيئة عامة مستقلة هو اقتراح يستأنس الطرح والنقاش.
يسند إلى هذه الهيئة الجديدة ثلاث مهام رئيسة. المهمة الأولى تنظيم شؤون التجارة الخارجية السعودية وتطويرها. والمهمة الثانية التواصل الاستراتيجي مع المنظومات الاقتصادية الدولية. والمهمة الثالثة تقويم توجه منظومة التجارة الخارجية السعودية. تنطلق جميع هذه المهام من قاعدة مفادها استدامة دور منظومة الاقتصاد السعودي كمساهمة رئيسة في منظومة الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة.
هناك مجموعة من الدوافع خلف اقتراح إنشاء هيئة عامة للتجارة الخارجية. الدافع الأول استراتيجي يكمن في انتقال منظومة الاقتصاد السعودي من موجة التنمية الماضية (1950 ـ 2000) إلى موجة الاستدامة الحالية (2000 ـ 2050).
اتسمت موجة التنمية الماضية (1950 ـ 2000) بظهور عديد من التحديات، وبلوغ عديد من الآفاق. وأسهمت آليات منظومة الاقتصاد السعودي في التعامل مع هذه التحديات والآفاق في توجيه مخرجات موجة التنمية الماضية (1950 ـ 2000) نحو البنى التحتية، وبناء مقومات اقتصادية جديدة.
على سبيل المثال، أسفر تأسيس منظومتي القطاع المصرفي والمشاريع التنموية، إبان الخمسينيات الميلادية من الألفية الماضية، عن ظهور عديد من التحديات التنظيمية والمالية. زالت هذه التحديات مع تأقلم مقومات منظومة الاقتصاد السعودي مع مخرجات هذه المنظومات الجديدة بحلول الستينيات الميلادية من الألفية الماضية.
وانتقال منظومة الاقتصاد السعودي إلى موجة الاستدامة الحالية (2000 ـ 2050) يعني ظهور تحديات جديدة تستلزم مواجهتها وضع آفاق جديدة أيضا. تشكل شؤون التجارة الخارجية السعودية أحد هذه التحديات. وسيسهم وضع هذه الشؤون ضمن هيئة مستقلة في مواجهة وبلوغ ما قد يظهر من تحديات وآفاق.
الدافع الثاني خلف اقتراح تأسيس هيئة عامة للتجارة الخارجية هو بعد اقتصادي للدافع الأول. فمن مخرجات منظومة الاقتصاد السعودي إبان موجة التنمية الماضية (1950 ـ 2000) تكوين مجموعة من التكتلات الاقتصادية، كجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك".
وعلى الرغم من مساهمة هذه التكتلات الاقتصادية في اجتياز موجة التنمية الماضية (1950- 2000)، إلا أن ظهور تكتلات اقتصادية عالمية، كمنظمة التجارة العالمية، يستلزم التركيز على التعامل مع هذه التكتلات الجديدة لاكتساب المعرفة اللازمة لاجتياز موجة الاستدامة الحالية (2000- 2050) بنجاح, ووضع شؤون التجارة الخارجية السعودية ضمن هيئة مستقلة سيحقق أعلى درجات التركيز.
الدافع الثالث خلف اقتراح تأسيس هيئة عامة للتجارة الخارجية هو بعد قانوني للدافع الثاني. كما هو معلوم ما ينتج عن الدخول في منظومة جديدة من زيادة حدة التواصل مع أطراف هذه المنظومة. تؤدي هذه الزيادة إلى خلق أرضية خصبة للخلاف بين أطراف المنظومة الجديدة، وذلك بسبب زيادة إمكانية تعارض مصالح هذه الأطراف.
على سبيل المثال تتداول منظمة التجارة العالمية بشكل مستمر المئات من قضايا التجاوزات القانونية النابعة من بعض أعضائها. من هذه القضايا قضية الإغراق للصادرات الصينية و تأثيرها في مثيلاتها الأمريكية، وقضية التعديل الوراثي للصادرات الغذائية الأسترالية و تأثيرها في واردات الاتحاد الأوروبي، وقضية الدعم الحكومي لصناعة الطائرات الأمريكية والأوروبية وتأثيرها في الصناعة الجوية العالمية. ينعكس ما قد يصدر من أحكام قضائية على المنظومة الاقتصادية المحلية ذات العلاقة، ما قد يضعف تنافسيتها ضمن منظومة الاقتصاد العالمي.
لن تكون الصادرات السعودية بمنأى عن مثل هذه القضايا القانونية. على سبيل المثال، قد تواجه صناعتا البتروكيماويات والخدمات المالية بعض المواجهات القانونية ضمن منظومة الاقتصاد العالمي بسبب عديد من المقومات في مقدمتها الدعم الحكومي. ووضع شؤون التجارة الخارجية السعودية ضمن هيئة مستقلة سيسهم في توحيد الجهود نحو مواجهة مثل هذه المداولات القانونية.
وعلى الرغم من وجود جميع هذه الدوافع الاستراتيجية، والاقتصادية، والقانونية، إلا أن تأسيس هيئة عامة للتجارة الخارجية السعودية ربما لا يخلو من التحديات التي تدور حول الميزات التنافسية لمنظومة الاقتصاد السعودي خلال موجة الاستدامة الحالية (2000 - 2050).
يكمن التحدي الأول في القدرة على تطوير ميزات تنافسية جديدة لمنظومة الاقتصاد السعودي. ويكمن التحدي الثاني في المحاذاة الاستراتيجية مع الاقتصاد السياسي السعودي. ويكمن التحدي الثالث في التنسيق البيني بين مقومات الصادرات والواردات السعودية ومثيلاتهما في منظومة الاقتصاد العالمي.
مهام شؤون التجارة الخارجية السعودية ليست بالمهام الجديدة على منظومة الاقتصاد السعودي، ووضع هذه المهام في هيئة مستقلة سيمنح، بإذن الله، المزيد من المرونة الاستراتيجية، والاقتصادية، والقانونية، لمقومات منظومة الاقتصاد السعودي خلال موجة الاستدامة الحالية (2000 - 2050).