رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


وقت للتغيير

تكتسب الفترة بين السابع و18 كانون الأول (ديسمبر) المقبل أهمية خاصة ذات صلة بصناعة النفط كونها ستشهد المؤتمر الذي تشرف عليه الأمم المتحدة للبحث في مرحلة ما بعد اتفاق كيوتو وكيفية التعامل مع قضية التغير المناخي التي أصبحت هاجسا وقضية رأي خاصة في الدول الصناعية الكبرى وهي المستهلك الرئيس للطاقة.
وسيعيد المؤتمر التركيز على قضية النفط وأسعاره وإمداداته بصورة تضاف إلى الهموم التي تشغل بال الصناعة والمتعاملين معها في الوقت الحالي وهم يعيشون مرحلة التدهور الحاد في سعر برميل النفط للدرجة التي تهدد حتى موازنات الدول الخليجية وهي الأقل تأثرا بالأزمة المالية التي تدمدم في مختلف أرجاء العالم.
تجربة كيوتو لم تحظ ولا حتى بنسبة معقولة من النجاح المأمول، لكنها خلفت تراثا من الدروس والعبر يمكن استصحابها وعلى رأسها ضرورة النظرة الكلية لقضايا الطاقة ومصالح الدول المنتجة والمصدرة للنفط، لا لشيء إلا الامتثال لحقيقة أن العالم لم يتوصل بعد إلى بديل في ميدان الطاقة يمكن أن يحل محل النفط رغم ما يثار عن تأثيراته السلبية في البيئة.
والمفارقة الكبيرة في كل هذا أن عامل السعر ظل وسيظل مستقبلا هو المحفز الرئيس للتحول إلى مصادر أخرى للطاقة. وفي الوقت الذي تسجل فيه أسعار النفط تدهورا متصلا، فإن فرص التعامل مع الطاقة البديلة تضمحل أكثر فأكثر وبالتالي تقل فرص مواجهة قضايا التغير المناخي، الأمر الذي يفرض على كل المتعاملين ابتدار نقاش جديد وبروحية جديدة تتجاوز قصر النظر وضيق الأفق المعهود الذي ميز علاقات المنتجين والمستهلكين، حيث يسعى كل طرف إلى الاستفادة من الرياح التي تهب في أشرعته عند ارتفاع سعر البرميل أو انخفاضه للتعامل من منظور أن السوق لصالح المنتجين أو المستهلكين.
فأول لقاءات الطرفين تمت في عقد السبعينيات ومع تفجر الأزمة الأولى التي شهدتها السوق وفي إطار ما عرف وقتها بالدعوة إلى النظام الاقتصادي العالمي الجديد التي سعت إلى الاستفادة من القوة النسبية التي حققتها منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك). ولم تعمر تلك الجولة كثيرا. وبعد مرور مياه كثيرة تحت الجسر وتعرف الدول المستهلكة وبصورة مباشرة لحقيقة أنه حتى عندما ينخفض سعر البرميل فإن ذلك ليس من صالحها في المستقبل لأنه يبذر بذرة أزمة إمدادات وارتفاع في الأسعار، تجدد الحوار بين الطرفين في باريس مطلع العقد الماضي وبصورة خجولة تجاوزت القضايا الشائكة مثل الخوض في السعر.
وقتها كانت الولايات المتحدة، وربما لا تزال، تتبنى الموقف الأيدلوجي من ترك الأسعار للسوق لتتحكم فيها، وذلك من باب أنه كلما قل التدخل الحكومي كان ذلك أفضل لأداء العملية الاقتصادية. وهكذا استمرت اللقاءات بين طرفي السوق من منتجين ومستهلكين، وكلما خرجت به تفهم أكثر بسبب اللقاءات المباشرة وممارسة للعلاقات العامة تحت أضواء الإعلام العالمي.
أواخر العام الماضي أصدرت الوكالة الدولية للطاقة تقريرها عن توقعاتها المستقبلية عن وضع الطاقة حتى عام 2030، الذي قالت إنه يمر بمنعطف طرق مضيفة أن الاتجاهات الحالية في الإنتاج والاستهلاك ووضع الإمدادات لا يمكن الحفاظ عليها لا اقتصاديا ولا بيئيا ولا اجتماعيا، وأوضحت أن المستقبل يعتمد على كيفية مواجهة تحديين: الأول في كيفية ضمان تدفق الإمدادات وتأمينها، والثاني العمل على إجراء تحولات عميقة لمعالجة مشكلة الانبعاثات الغازية وتوفير طاقة فعالة قادرة على تلبية احتياجات المستهلكين، بل خلص التقرير إلى وصف ما يحتاج العالم إلى عمله بـ "الثورة"، وهو تعبير يلفت النظر كونه ليس من التعابير المعهودة في قاموس الجهة الصادر عنها وهي الوكالة الدولية للطاقة.
الوكالة اقترحت في تقريرها العديد من التدابير لمواجهة هذه التحديات، لكن هناك واقعا جديدا في شكل أزمة مالية عالمية وأزمة اقتصادية طالت فيما طالت الصناعة النفطية للدرجة التي تجعل من أي خطى يمكن أن يخلص إليها مؤتمر كوبنهاجن لا تحظى بفرص نجاح أكثر مما انتهى إليه مؤتمر كيوتو. لكن هذه الأزمة فرضت من الناحية الأخرى بعض المعالجات مثل التدخل الحكومي، الأمر الذي يتيح الفرصة لمقاربة من نوع جديد للتعامل مع قضايا السوق النفطية.
السعودية استبقت الكل باقتراح متوسط سعري في حدود 75 دولارا للبرميل، وقالت إنه سعر ملائم للمنتج والمستهلك وحتى لتشجيع الاستثمارات، بل ومحفز للعمل في مجال الطاقة البديلة. قيمة الاقتراح السعودي أنه يطرح خيارا عمليا يمكن التحاور حوله. فـ "أوبك" التي اعتمدت لها استراتيجية بعيدة الأمد، لم تتوصل وبصورة رسمية إلى اعتماد معدل سعري معين. والمستهلكون الذين يستمتعون في الوقت الحالي بتراجع سعر البرميل وانعكاس ذلك على سعر الجالون يحتاجون إلى سعر يوازن بين احتياجاتهم هذه والتعامل مع قضايا الانبعاثات الغازية. ولهذا يكتسب الاقتراح السعودي قيمة مضافة كونه طرح مبكرا عله يجد حظا من النقاش والتعامل ليكون في صلب حوارات كونبهاجن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي