لا عملة موحدة حتى ولا في 2100
الوزير العُماني المسؤول عن الشؤون الخارجية قال في حديث أجرته معه صحيفتا "الوطن" العمانية و"البيان" الإماراتية قبل أيام إن عُمان لن تكون طرفاً في العملة الخليجية الموحدة لا في 2010 ولا في 2100، وقال إننا لا نرى لهذه العملة مزايا أو مكاسب كي تكون بديلة لست عملات قوية مستقرة، وأن هذا المشروع لم تجر له دراسات تبين أن هناك إضافات اقتصادية ومميزات ذات بُعد استراتيجي، وأنا أتفق تماما مع ما ذهب إليه الوزير العُماني بل أضيف أنني أعتقد أنه لن تكون هناك عملة موحدة لا في 2010 ولا حتى في 2100، فالحكمة والتروي اللذان أظهرهما قادة دول المجلس في قمة مسقط مقارنة بالاندفاع غير المبرر الذي تبديه اللجان الفنية في هذا الشأن يؤكدان أن دول المجلس لن تمضي قدما في هذه الخطوة غير المجدية, بل المكلفة جدا. فقبل القمة كثر الحديث عن أن أبرز القضايا المعروضة على القمة تحديد مقر البنك المركزي الخليجي الذي سينشأ تمهيداً لإصدار العملة الموحدة في عام 2010، إلا أن البيان الختامي للقمة لم يتطرق إلى هذا الموضوع مطلقا وأشار البيان فقط إلى اعتماد قادة مجلس التعاون اتفاقية الاتحاد النقدي والنظام الأساسي للمجلس النقدي الخليجي.
والغريب أن التغطية الإعلامية التي تلت القمة أظهرت قراءة متعجلة غير دقيقة للقرارات الصادرة حيث اعتبرها البعض مؤشراً على بدء انطلاق عملية إصدار العملة الخليجية الموحدة في عام 2010، بالرغم من أن البيان الختامي للقمة لم يشر إلى أي من ذلك، ما يظهر خلطاً كبيراً لدى البعض بين الاتحاد النقدي وبين العملة الموحدة. فالاتحاد النقدي بين مجموعة من الدول يمكن أن يكون من خلال عملة موحدة كما يمكن أن يكون من خلال مجرد الاتفاق على مثبت مشترك لأسعار سعر صرف عملات الدول المشمولة في هذا الاتحاد، حيث لا تتغير أسعار صرف تلك العملات إلا من خلال قرار جماعي تتخذه الدول الداخلة في هذا الاتحاد النقدي، وهو ما قد يستدعي قيام مجلس نقدي لكن لا يعني بالضرورة أن يتوج ذلك بإصدار عملة موحدة. وفي ظل هامشية بل حتى الغياب التام لأي مكاسب اقتصادية من الانتقال من اتحاد نقدي يقوم على أساس مثبت مشترك إلى اتحاد نقدي يقوم على عملة موحدة فإنه من غير المتوقع أن تقدم دول المجلس على هذه الخطوة المكلفة جداً والمقيدة لقدرة دول المجلس على إدارة اقتصاداتها دون تحقيق أدنى مكاسب تبرر ذلك.
والواقع أن أبرز قرارات قمة مسقط ليس اتفاقية الاتحاد النقدي وإنما اعتماد القمة اقتراح خادم الحرمين الشريفين حول تسريع الأداء وإزالة العقبات التي تعترض مسيرة العمل المشترك ما يضمن إزالتها في موعد أقصاه نهاية أيلول (سبتمبر) 2009 واعتماد المجلس الأعلى آلية لتنفيذ القرارات الصادرة عنه. فمراحل التكامل الاقتصادي المتتالية التي أقرتها دول المجلس بدءا من إقامة منطقة التجارة الحرة ومروراً بالاتحاد الجمركي وصولاً إلى السوق المشتركة جميعها مراحل ما زال يواجهها كثير من العقبات والعوائق التي حالت دون استكمال تطبيقها، ما يعني ضرورة العودة إلى الوراء قليلا وحل كل تلك الإشكالات التي تعترض تطبيق ما تم الاتفاق عليه حتى الآن، فهذه أهم بكثير وأولى أن تكون في قمة اهتمامات أمانة المجلس ولجانه الفنية بدلاً من تركيزها على محاكاة التجربة الأوربية، رغم الفروق الهائلة في ظروف وواقع اقتصادات دول المجموعتين، التي تجعل من إصدار عملة خليجية موحدة خطوة غير مجدية ولا تبرر إلزام دول المجلس بقيود ومعايير صارمة سيكون الإخلال بها سببا في تعريض استقرار العملة الموحدة لخطر كبير مستقبلا.
إن علينا أن ندرك أن هناك فروقا هائلة بين خطوة إصدار عملة خليجية موحدة وبين خطوات التكامل الاقتصادي الأخرى التي تم إقرارها حتى الآن، فما سبق إقراره حتى الآن خطوات حتى وإن كانت جدواها الاقتصادية محدودة، باعتبار تدني حجم التبادل التجاري البيني وتماثل القواعد الاقتصادية، إلا أنها على أقل تقدير ليست مضرة ولا تحمل أي تكاليف إضافية على اقتصادات دول المجلس، في المقابل فإن خطوة إصدار عملة خليجية موحدة، ليست فقط ذات جدوى وإنما أيضا تكاليفها باهظة جدا على اقتصادات دول المجلس، ما يستدعي عدم المجاملة والتريث والدراسة العميقة لجميع آثارها قبل الإقدام عليها.