العبرة ليست بمن يبحث عن الفتاوى الشاذة لمآرب ثقافية .. إنما لعموم الناس
أكد الدكتور عبد الرحمن الزنيدي الأستاذ في كلية الشريعة في الرياض, أن الفتوى ما زالت تتعامل مع نوازل العصر ذات الأبعاد المتشابكة على النحو الذي كان يتعامل به العلماء قديماً مع مستجدات عصورهم بطابعها الجزئي والفردي، والبسيط.
وقال إن نوازل العصر لم تعد كثيرة جزئياً ناتجة عن حركة عفوية لفرد، ولكنها مرتبطة بشبكة من العلاقات، فالقضية الطبية مثلاً لها أبعادها الاجتماعية والاقتصادية، والنازلة في الشأن السياسي لها خلفياتها الحضارية، ولها مؤثراتها في الحياة الاجتماعية.
ولم تعد القضية أيضاً تعني فرداً لا تتعداه بل أصبحت تعني ملايين الناس يهرعون ـ مثلاً ـ في ساعة واحدة نحو أبواب البنوك حينما يفتي عالم بجواز معاملة ما طرحها بنك أو شركة.
ومضى يقول لم تعد القضايا بسيطة عفوية؛ فإن كثيراً من القضايا اليوم تبدو أكثر تعقيداً مما يتصور في خلفيتها، والدراسات التي أنتجتها، وأبعادها المتجاوزة مجتمعها المحلي نحو العالمية وغير ذلك. وهذا كله يتطلب تطويراً لمصادر الإفتاء بما يتوازى وثقل نوازل العصر الحاضر بحيث يكون الإفتاء جماعياً أكثر مما هو فردي، وأن تشتمل المجامع ولجان الإفتاء على وحدات تخصصية في الاقتصاد، الإعلام، السياسة، الطب .. إلخ. في كل منها مركز دراسات نوعي، ومركز معلومات يتابع تطورات التخصص، ويتصل بالمختصين فيه، والميدانيين في مجاله، ويبني قاعدة معلومات متينة تُزَوّد أسبوعياً إن لم يكن يومياً، ويبادر إلى امتلاك المعلومة حول كل جديد في ميدانه قبل أن تشيع في الناس ويتعاطون معه، ويكون أهل الفتوى تبعاً لغيرهم في هذا المجال.
وقال: عندما يتحقق مثل هذا النموذج المقترح ويصدر عن المجمع أو اللجنة المشتملة على عدد كاف من الكفاءات ذات الثقل الشعبي فتوى, فإن الفتاوى الشاذة للأفراد خارجها لن يكون لها أي وزن واعتبار.
وأبان فضيلته أن العبرة ليست بمن يبحث عن في الفتاوى الشاذة لمآرب ثقافية أو اجتماعية يهدف منها إلى التمهيد نحو تطرفات خارجية عن الدين سواء نحو الغلو، أو نحو التسيب والانفلات، فهؤلاء وجدوا منذ عهد الصحابة أفراداً وجماعات كالخوارج، وسيظلون ينبعثون؛ ولكنهم سيظلون على الهامش دائماً ، وأضاف أن العبرة حقيقة هي بعموم الناس الذين يبحثون عن مسالك حياتية في الاقتصاد والعمل السياسي والحركة الاجتماعية، تجمع لهم بين كونها إسلامية يرضى الله بها عنهم، وعصرية يعيشون بها زمنهم الحضاري بمنجزاته، هؤلاء لن يعيروا تلك الشذوذات أي اهتمام لكنهم يضطرون حينما تتعدد فتاوى الثقات بسبب فرديتها، ونقص التصور الذي بنيت عليه، ما يجعل المقترح السابق متلافياً لهذا الاضطراب ناجعاً من حل الأزمة.
وأشار إلى أن ساحة الإفتاء دخلها غير مؤهلين للفتوى لا شرعياً لفجاجة معارفهم الشرعية، ولا واقعياً لبناء أحكامهم على تصورات اختزالية تحكم على الكل من خلال الجزء، أو أحياناً على تصورات وهمية، مثل هؤلاء سواء كانوا وعاظاً في الأساس أو كانوا مبتدئين في العلم الشرعي، أو كانوا من المتطفلين عليه ممن لا صلة لهم بالعلم الشرعي أساساً تمثل فتواهم المستعجلة، وأحكامهم غير المؤصلة وأطروحاتهم النشاز بلاء على الدين وإرباك للناس وبلية للعقول، وإن كان كثير من الناس ـ بحمد الله ـ يدركون من خلال تاريخ كل منهم، ولحن قوله عدم مصداقيته، ومن ثم عدم السماع له.
وأوضح أن المستفتي ينبغي عليه أن يختار الأعلم والأمكن فقهاً فيختار الأتقى والأرجح لدى الناس المشتهر عندهم بالعلم والتقى، وأقصد بالناس هنا طلاب العلم الشرعي والعقلاء والمعروفين بالتدين، لا الشهرة الإعلامية، أو ترويج الصحافة غير البريء، ولا الشهرة المفتعلة عبر فرقعات إفتائية، وخروجات على سمت الشريعة واتفاقات علمائها، وتخفيضات في الفتاوى تمييعية للأحكام، فكل هذه لا قيمة لها، وإن هلل لها الفساق، وراغبو الانسلاخ من الدين، بل إن هذا التهليل يؤدي إلى نتيجة معاكسة, أي إلى الحذر منه، والطعن في شخصيته العلمية على قاعدة: قل لي من يصفق لك أقل لك من أنت.