الميزانية .. تم الإعلان وبقي التنفيذ
أعلنت الدولة تفاصيل أكبر ميزانية في تاريخ السعودية, وجاءت تفاصيل ميزانية الدولة للعام المالي المقبل 2009 حافلة بكثير من المؤشرات الاقتصادية المعنوية لتعبر عن ثبات الدولة واقتصادها في ظل ترنح الاقتصاد العالمي تحت وطأة الأزمة. ولعلي هنا أركز بشكل أكبر على المصروفات المتوقعة التي تعطي جميع الدلالات على الاستثمار الكبير الذي توليه الدولة للمواطن بالدرجة الأولى, ونجد أن كثيرا من المخصصات تمس حياة المواطن بشكل مباشر حتى في ظل الأزمات العالمية وتسريح الموظفين وإفلاس المصارف والشركات، تبقى السعودية في إنفاقها على رفاهية المواطن وترسل رسالة واضحة للعالم أنها ما زالت تتمتع برخاء اقتصادي وبقوة شرائية قوية حتى في ظل وجود عجز يقدر بمبلغ 65 مليار ريال، إلا أن هذا العجز لن يؤثر في خططها التنموية, وتظهر الأرقام أن النفقات العامة التي حددتها الدولة للعام المقبل تبلغ 475 مليار ريال, أي بزيادة 14 في المائة على مخصصات العام الماضي وتقل بنحو 35 مليارا عن المصروفات الفعلية خلال عام 2008. ولا شك أن هذه الزيادة تعد كبيرة جدا, خصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية ومساهمة القطاع الخاص في كثير من المشاريع, ولكن يظل المواطن محور اهتمام الميزانية حتى في ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية.
ولعل المفارقة الكبرى في هذا الإعلان هو ما تفضل به خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله - أمام مجلس الوزراء عندما شدد على قيام كل مسؤول في الدولة بإدارة الميزانية بما يتوافق مع تطلعات الدولة وتوقعات المواطنين. وعندما قلت إنها مفارقة كبرى فإنني أعني بذلك أن الدولة أقرت ميزانية كبيرة في ظل ظروف اقتصادية عالمية غير مستقرة، وتخوف كبير من استمرار هبوط أسعار النفط, ومع ذلك تم إقرار الميزانية الأضخم. وعلى الإدارة التنفيذية المتمثلة في الوزراء مراعاة هذا المتغير ومراعاة دعم الملك للميزانية، الباقي هو حسن إدارة الميزانية وتنفيذها وفق ما أقرت له. ويتضح ذلك جليا في حديثه عندما وضع الوزراء أمام مسؤولياتهم أمام الله وأمام المواطنين، نعم ماذا تريدون أكثر من هذه الميزانية في وقت يئن العالم فيه تحت وطأة الأزمة المالية وتوقف الدول مشاريعها وتسرح موظفيها، أنتم أمام أضخم الميزانيات.
نشهد يا خادم الحرمين أنك بلغت
إن التحديات التي تواجهها المملكة والتطلعات التي يراها شعبها، يحتمان على مسؤولي الدولة القيام بواجباتهم الكاملة أمام الله ثم ثقة الملك وتطلعات المواطنين. وهذا يأتي من خلال المتابعة الدقيقة لخطط المشاريع وسرعة تنفيذها وتقليل الهدر المالي ومحاربة الفساد المالي والإداري داخل منشآتهم ووزاراتهم. إن طموح الوطن بالرقي والنمو يحتاج إلى عمل متواصل, خصوصا ونحن نعيش مرحلة انتقالية حقيقية على مستوى الاقتصاد العالمي، فالمملكة أصبحت دولة ذات ثقل اقتصادي كبير واليوم في ظل الأزمة زادت الفرص بتسريع ذلك النمو من خلال حسن الإدارة والتخطيط والتنفيذ.
وهذه التحديات تحتم تغيير طريقة إدارة القطاعات الحكومية والزج بقيادات شابة تحمل الحلم والطاقة والإرادة لتكسير أغلال البيرقراطية التي ما زالت تمنعنا من أخذ مكاننا الصحيح عالميا، وكذلك فإن التحديات تحتم التطوير لأنظمة الدولة وتسريع أفكار الإصلاح الاقتصادي ليتوافق مع احتياجات المرحلة وأهداف المستقبل. كذلك فإن الثواب للمبدعين والمخلصين بعيدا عن التبعية والمحسوبية والعلاقات الشخصية في القطاعات الحكومية هو بمثابة خلق بيئة عمل جديدة مشجعة, وعلى ذلك فإن العقاب للكسولين والفاسدين إداريا وماليا هو حاجة ملحة للتحفيز, وهو تأكيد على التوجه العام الجديد الذي يخدم مستقبل الأمة.