وزير الخزانة الأمريكي يفاجأ بدعوى قضائية بسبب ترويجه المنتجات الإسلامية
سليل عائلة عثماني وفقيه سعودي يسببان حرجا واسعا لوزارة الخزانة بعد أن قادت المنتجات التي أجازا أسلمتها إحدى شركات المحاماة إلى رفع دعوى قضائية ضد وزير الخزانة والبنك الفيدرالي الأمريكي.
كانت عقارب الساعة تزحف صوب الساعة الرابعة عصرا، عندما وقف محمد عمران عثماني أمام مسؤولي شركة AIG في المنامة ليعلن أمامهم عن إجازته "أسلمة" أول منتجات تأمين إسلامية لصالح عملاق صناعة التأمين العالمية في حينها.إلا أن ابن الفقيه المجدد لسوق الصكوك الخليجية لم يدر في خلده بعد سنتين من ذلك الاجتماع أن تعبر هذه السلع التي تحمل توقيعه أقاصي المحيطات والقارات لتحط رحالها في الأراضي الأمريكية. بل حتى لم يكن يخطر في باله أن تستغل الجهات اليمينية المتشددة هذه السلع لتأليب الرأي العام الأمريكي ليقف صفا واحدا ضد جهود وزارة الخزانة الرامية إلى تعريف المؤسسات الأمريكية بهذه المنتجات.
ولكن كيف انتهى المطاف بأن يتهم وزير الخزانة الأمريكي هنري بولسون بترويجه للشريعة الإسلامية؟
جندي المارينز
مع بداية كانون الأول (ديسمبر)، أعلنت AIG، شركة التأمين التي أوشكت أن تنهار بسبب سوء الإدارة والتهور في الاستثمارات الخطرة والجشع، أنها ستطرح في الأسواق الأمريكية منتجات تأمين إسلامية لأصحاب المساكن، في محاولة لتخليص الأمريكيين العاديين من تبعات المنتجات التقليدية التي جلبت معها أزمة الرهن العقاري في المقام الأول. إلا أن بعض الجهات اليمينية استشاطت غيظا بعد أن أعلنت AIG أن هذه السلسلة الأولى من المنتجات، التي تمت هندستها في الخليج، ما هي إلا غيظ من فيض لمنتجات إسلامية أخرى في الطريق. إلا أن أحد جنود المارينز كانت له خطط أخرى.
في الأسبوع الماضي عقد كيفن مَري، خدم فترتين في العراق، العزم على مقاضاة وزير الخزانة الأمريكي والبنك الفيدرالي بحجة أن عملية الإنقاذ المالية تساعد على نشر ثقافة التمويل الإسلامي.
تدعي القضية، التي رفعت بمساندة ودعم من مركز Thomas More Law Center، الذي هو عبارة عن شركة محاماة غير ربحية تهدف إلى نشر القيم المسيحية المحافظة، تدعي أن جعْل المواطن الأمريكي يلتزم بالأحكام الشرعية هو أمر مخالف للدستور الأمريكي.
وترتكز حجة الادعاء على أن الحكومة الأمريكية، بتقديمها صفقة الإنقاذ والدعم الحكومي لـ AIG، فإنها بذلك ترسل "رسالة مفادها تبني المصرفية الإسلامية".
كيف تورطت وزارة الخزانة؟
في أيلول (سبتمبر) 2008 اشترت وزارة المالية حصة من مجموعة AIG تبلغ 80 في المائة تقريباً، وذلك حين دفعت مبلغ 150 مليار دولار للمساعدة في تعزيز وضع هذه الشركة المعتلة.
إلا أن الادعاء يقول حين استحوذت وزارة الخزانة على مجموعة التأمين الأمريكية، التي توجد لها عمليات في أكثر من 130 بلداً، فإنها بذلك قد استحوذت على شركة "تكافل عناية"، وهي شركة تابعة لـ AIG مقرها البحرين، وتقدم عدداً من منتجات التأمين الإسلامية التي تحتضنها دول الخليج وشرق آسيا. ويرى الادعاء أنه و بمجرد أن تصبح المجموعة هيئة فيدرالية، تنطبق عندها فقرة التأسيس، التي تحظر على الحكومة نشر وتمويل ديانة بعينها. وهكذا "فإن لدينا الآن شركة مملوكة للحكومة تعمل على نشر دين بعينه، وهو الإسلام" على حد تعبير الادعاء.
دعوى مرفوضة
لا شك في أن القضية التي رفعها جندي المارينز مثيرة للجدل. ففي عدد من مدونات الإنترنت المهمة، من بينها مدونات ينظر إليها عادة على أنها تميل نوعاً ما نحو يمين الوسط، كانت هناك بصورة عامة انتقادات موجهة نحو الحجج الواردة في الدعوى. على سبيل المثال، فإن يوجين فولوك ، الأستاذ في كلية الحقوق في جامعة كاليفورنيا، جادل بأن الجانب المتعلق بالتمويل الشرعي في عمليات AIG لا يزيد على كونه جانباً عرضياً.
يقول فولوك: "قرارات الحكومة الاستثمارية ليس لها "هدف ديني"، لأن الهدف الواضح للحكومة هو دعم الشركات المهمة، وأن تعينها على تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح، ولا شيء غير ذلك كثيرا. تماماً مثلما أن صاحب السوبر ماركت الذي أتعامل معه لا يهتم في قليل أو كثير بقوانين الكوشر (الطعام الذي يعتبره اليهود "حلالا") حين يقوم ببيع منتجات كتب عليها أنها منتجات كوشر معتمدة".
ويتابع "في رأيي أن الاعتراض الوحيد المنطقي من الناحية النظرية في الحالات التي من هذا القبيل ينشأ إذا تدخلت الحكومة بصورة متشابكة في القرارات الدينية للشركة، على سبيل المثال إذا انتهى الأمر بالمسؤولين الحكوميين إلى الإشراف على البرامج واتخاذ قرارات في التطبيق الفعلي للأحكام الشرعية. ولكن حسب وقائع القضية كما نراها فإن الأمر ليس على هذا النحو. القرارات التشغيلية المرتبطة بالمنتجات والبرامج الإسلامية تتخذ من قبل الشركة (بل وربما من قبل مقاولين متعاقدين مع الشركة)، وليس من قبل المسؤولين الحكوميين. كما أرى فإنه لا يبدو أن هناك أي خطر من أن يضطر مسؤول حكومي للدخول في نشاطات ذات طابع ديني في الأساس. ثم إن الأمر كله عبارة عن قرارات حكومية، وليس ملكية الأسهم من قبل الحكومة".
تسرب الموظفين
ولا تعد هذه الدعوى المشكلة الوحيدة التي تواجهها مجموعة التأمين AIG. فلقد فوجئت الشركة التي وعدت بدفع أكثر من 540 مليون دولار للمحافظة على موظفيها ، بخروج على الأقل 20 مديراً للعمل مع شركات منافسة، منها شركة زيوريخ للخدمات المالية Zurich Financial Services AG وشركة أليانتز Allianz، بحسب ما نقلته "بلومبيرج".
فلقد عملت تلك الشركات المنافسة على اجتذاب التنفيذيين من المجموعة ولا سيما الذين يتمتعون بخبرة في عدة مجالات، مثل مخاطر الطيران والإرهاب والبيئة، أو التنفيذيين من ذوي الخبرة في العلاقات المتينة مع كبار العملاء. فالجميع يرغب في الاستفادة من خدمات موظفي الشركة المهرة التي تقدم مظلتها التأمينية على أكبر المخاطر التي يواجهها العالم بأسره، حيث تؤمن على الطائرات وسفن الشحن التجارية وكذلك ضد الهجمات الإرهابية.
#2#
الخليجيون يلتقطون وحداتها
وترى مجموعة AIG أنها بحاجة إلى تسديد قرض من الحكومة مقداره 60 مليار دولار، وهو جزء من صفقة الإنقاذ (البالغة 150 مليار دولار) والرامية إلى الحؤول دون وقوع خسائر في الشركات التي تتعامل مع هذه المجموعة. ومع هذا فقد سجلت الشركة مبالغ تزيد على 60 مليار دولار، على شكل خسائر وشطب بعض قيمة الموجودات المرتبطة بالقروض السكنية.
وفي هذا الإطار، وافقت المجموعة على بيع إحدى وحداتها المعروفه بـ AIG Private Bank، وهو قسم يهتم بالعملاء الأثرياء في آسيا والشرق الأوسط، إلى شركة آبار ، القابعة في إمارة أبو ظبي، مقابل 307 ملايين فرنك سويسري (279 مليون دولار). كما أنها ستبيع كذلك حصة في مشروع مشترك في البرازيل مقابل 820 مليون دولار.
بصمة سليل عائلة عثماني
ولكن من يقف وراء هيكلة تلك المنتجات الإسلامية التي تمت هندستها في الخليج من أجل أن تصل إلى مواطني أقوى دولة في العالم؟
قبل سنتين من الآن ، قررت مجموعة AIG إنشاء شركة تأمين إسلامية اختارت لها اسم "تكافل عناية" واتخذت من البحرين مقرا لها. ومن أجل مراجعة عمليات (الشركة)، والإشراف على تطوير منتجات إسلامية، وتحديد مدى التزام هذه المنتجات واستثمارات (الشركة) بالأحكام الشرعية، لجأ عملاق صناعة التأمين إلى التعاقد مع هيئة رقابة شرعية مرموقة تتألف من الفقيه السعودي العالمي محمد القري والفقيه البحريني المثير للجدل نظام يعقوبي. ثالث هؤلاء الفقهاء هو محمد عمران عثماني، ابن الشيخ تقي عثماني، وأحد أتباعه المخلصين، حيث يعد والده أكبر مرجع ديني في العالم حول شؤون التمويل الإسلامي وأسهم الشيخ في تقديم الدعم لأركان هذه الصناعة على مدى 40 عاماً الماضية.
وكان تقي عثماني، رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة، قد أحدث هزة قوية في سوق السندات الإسلامية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 حين ظهر إلى العلن ليعلن أن نحو 85 في المائة من الصكوك الصادرة كانت غير ملتزمة بالأحكام الشرعية بسبب وجود اتفاقيات إعادة الشراء.
وعلى الرغم من إنصاف صحف المال الغربية لأشهر فقيه مصرفي في الألفية الحديثة، لا يزال البعض في الخليج يصف الشيخ بأنه "تآمر" لإذابة سوق الصكوك الخليجية واغتيالها لمجرد أنه تجرأ بالإشارة إلى هياكل الصكوك "غير الإسلامية"، أي المحرمة بلهجة أشدّ، والتي كانت تتفشى في نسيج صناعة المال الخليجية في حينها.
فبينما سيذكر التاريخ ما قام به "فقيه كراتشي" عندما أصبح "مجدداً" لسوق الصكوك الخليجية بعد إزالته للمخالفات التي كانت ترتكب باسم الدين، تبقى الإجابة معلقة بما إذا كان التاريخ سيكتب على يد ابنه الشاب نجاحه في توفير هذه المنتجات التأمينية، ذات الصبغة الإسلامية، في أيدي الملايين من الأمريكان.