رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


اشتر دولة.. واحصل على أخرى مجاناً!!

بالتأكيد كان عام 2008 م عاماً صعباً على الجميع غرباً وشرقاً، شمالاً وجنوباً. ولا توجد دولة لم تتأثر بتلك الأزمة، إما مباشرة وإما بسبب غياب الإدارة الراشدة، رغم بعدها عن مركز الأزمة! ولكن السؤال الجوهري الذي يبحث عن إجابة، هل عام 2009 م سيكون أفضل أم أسوأ؟ ما الذي سيحدث؟ سمعنا تصريحات لنائب الرئيس الأمريكي المنتخب أخيراً "أن الاقتصاد الأمريكي معرض للانهيار التام وأنه قد يكون بحاجة إلى خطة إنعاش جديدة بأكثر من 900 مليار جديدة" غير مبلغ 700 مليار التي اعتمد قبل أشهر! وعليه، هل يتوقع حدوث المزيد من الأزمات؟
أعتقد أن 2008 م من أصعب الأعوام التي مرت عليّ أنا شخصياً، حيث تطلب الأمر متابعة مستمرة لأحداث دراماتيكية طول العام، وصلت معها إلى درجة لا أستطيع أن أؤجل قراءة أي شيء لأكثر من يوم لأنه عندئذ يصبح خارج سياق التاريخ! لاحظ يوم واحد فقط ويصبح الموضوع خارج سياق التاريخ من سرعة وتتابع الأحداث والبناء السريع عليها! هذا هو الإحساس الذي شعرت به خلال هذا العام ولا أزال! أيضا كان علينا قراءة ما بين السطور قبل ما هو عليها! والأصعب زيادة التداخل السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي، والأخلاقي في مجريات هذه الأزمة، بحيث لا نستطيع النظر ما يجري بمعزل عن باقي الأمور. ولم يعد تحليل الأحداث فقط من منظورها الاقتصادي أمراً قائما. وقد يكون هذا هو السبب في فشل الإعلام العربي بامتياز كما هي العادة، ونجاح ملحوظ للإعلام الغربي في تقديم هذه الأزمة. والدليل انظروا كيف نفسر ما يحدث في أسواق المال الخليجية حتى اليوم!    
الإحساس الآخر كان غريباً بعض الشيء، ولكنه حقيقي ومنطقي يتلخص في هشاشة الدول وأنظمتها! ففي غضون سنة واحدة فقط تغيرت موازين دول عديدة بسبب هذه الأزمة وبالتأكيد المزيد مع مرور الوقت سيؤكد ويفاقم هذا التغير المشهود. الانطباع الذي حاولت كل دول العالم أن تعطيه شعوبها مع اختلاف أنظمتها منذ بزوغ مفهوم الدولة أنه يعني كيانا كبيرا وقويا ولا يمكن إلا أن يكون هكذا إلى الأبد. ولكن لنشاهد الآن دولاً عظمى كيف تعاني وتستجدي وربما تبدأ في "الشحاذة" كما يقال.
إن المشتقات المالية وصناديق التحوط والتي هي جزء رئيسي اليوم من الحركة الرأسمالية الحديثة نمت بشكل كبير خلال الـ 25 سنة الماضية لتتجاوز قيمتها 1000 تريليون دولار أمريكي على مستوى العالم، وهو ما يعني أنها تزيد على اقتصادات "دول العالم" الحقيقة مجتمعة، والتي بلغت في عام 2006م نحو 59 تريليون دولار أمريكي، هو إجمالي الناتج المحلي لجميع دول العالم!!! مما يعني أن المشتقات المالية تعادل 1.694 في المائة (ألف وستمائة وتسعة وأربعين في المائة) من الاقتصادات الحقيقية لدول العالم كلها بما فيها أمريكا والصين! والأمر الأكثر خطورة أن من أصل 182 تريليون دولار أمريكي مشتقات مالية في أمريكا، هناك 97 في المائة منها تدار من قبل خمس شركات استثمارية عالمية لا أحد على وجه الأرض يعلم كيف تدار! وليست خاضعة لإشراف أحد! إذن ما حجم الدول في مقابل قدرة تلك الشركات الاستثمارية؟
النظام المالي تطور بهذا الشكل السريع لتجد الدول نفسها ضعيفة أمام سطوة أرباب المال العالميين؟ وعليه هل النظام العالمي أصبح بحاجة إلى حكومة مركزية! وكيف ستتشكل تلك الحكومة؟ وممّن تتشكل تلك الحكومة؟ وهل تصبح الحكومات المحلية (الدول) تحت رحمة الحكومة المركزية على غرار ولايات تابعة لدولة مركزية مثل أمريكا؟
رغم ما يثار من أسئلة وبالذات في المجتمع الغربي عن العودة إلى بعض مظاهر العنصرية التي خرجت في بعض دول أوروبا مثل إيطاليا وفرنسا على شكل حالات فردية وتخريب وتصرفات ضد المهاجرين. إلا أن التيار يسير بقوة نحو المزيد من الضعف لمؤسسات الدول والمزيد من القوة للمؤسسات المركزية التي تتحكم في الدول (وهو مفهوم لا يزال هلاميا غير واضح المعالم). بطبيعة الحال الدول الكبيرة ستقبل بهذا التوجه من مبدأ القوة، الدول الضعيفة ستقبل من مبدأ عدم وجود خيار آخر! وبالتالي تصبح اللعبة الأممية أكثر وضوحاً من الـ 50 سنة الماضية بعد الحرب العالمية الثانية. وعليه قد نجد أن دولاً معروضة للبيع وأخرى للتقبيل لعدم التفرغ! وسيكون في مواسم التخفيضات كما في حال شركات السيارات اليوم، عروض تقول "اشتر دولة واحصل على أخرى مجاناً" في زمن لا يرحم إلا الأقوياء الذين عليهم أن يبقوا أعينهم مفتوحة وأذهانهم واعية، لأن القوة الآن ليست للجيوش ولكن للحرير الناعم!!!   
أما ما يخص عام 2009 م على وجه التحديد فلن نتحدث عن أزمة مالية كما حدث ذلك في عام 2008 م، ولكن سيكون الحدث والحديث عن أزمة اقتصادية وأزمة حكم رشيد Government Governance وهي تعني أن الشرارة، نعم انطلقت من كونها أزمة مالية أدت إلى هز معاقل بيوت مالية، الكبيرة منها قبل الصغيرة، وانهارت كيانات كانت حتى يوم وفاتها تحمل شهادة امتياز من قبل شركات التصنيف العالمية AAA! ولكنها لم ولن تتوقف عند هذا الحد، ولكنها ستضع أمام الجميع أسئلة على غرار أسئلة كارل ماركس في كتابه "رأس المال" مثل الإفراط في الإنتاج، عبادة المال على حساب قيم المجتمع، وسيطرة أرباب المال على العمال وتحويلهم إلى عبيد" وغيرها من أسئلة في صميم الرأسمالية التي إحدى جمالياتها رغم ما يقال عنها، إنها ذاتية التصحيح ومنفتحة على الآخر والجديد. وعليه، أين نرغب "نحن" أن نكون بين الأمم؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي