نفطنا ليس ملكا للجميع
ذكرت وكالة الطاقة الدولية في آخر تقرير لها حول مستقبل الطاقة أن كمية الاحتياطي النفطي العالمي الثابت وجوده، والذي يُقدَّر بتريليون و300 مليون برميل، سوف لا يغطِّي حاجة العالم أكثر من 40 سنة، وهو استنتاج صحيح، ولكنه مبني على الوهم الذي يتمثل في أن كمية الإنتاج من الحقول المختلفة في العالم، بما فيها حقولنا، تقررها رغبة وحاجة المستهلكين، وليست المصالح القومية لكل دولة منتجة. أو بمعنى آخر، يفترض التقرير اعتبار أن احتياطي النفط العالمي، بصرف النظر عن أمكنة وجوده هو ملك للجميع، يطلبون منه ما يشاءون. وهذا أمر خطير بالنسبة لمستقبل شعوب دول الخليج، التي يعتمد دخلها لسنوات طويلة مقبلة اعتماداً شبه كلي على مبيعات النفط ، وتدخل مباشر من الدول المستهلكة في شؤون اقتصادها. فلو صار الأمر كما يريدون، فمن المحتمل أن يُطلب منا مضاعفة إنتاجنا الحالي في غضون سنوات قليلة، وهو ما لا يتناسب مع متطلبات حياتنا ومستقبل أجيالنا.
ولو قبلنا جدلاً بجواز التدخلات الأجنبية في شؤوننا الاقتصادية، أفلا يجيز لنا ذلك، بالمنطق نفسه، أن نطالب مصانع السيارات - على سبيل المثال – لزيادة إنتاجها كي يفوق العرض على الطلب فينخفض السعر؟!
وُتركِّز الوكالة الدولية في تقريرها على أن كل ما يحتاجه العالم لزيادة الإنتاج هو توفير الاستثمار المالي لبناء مرافق إنتاج جديدة في أماكن التجمعات النفطية الحالية، وهذا يشمل منطقة الخليج. ونحن بطبيعة الحال لا نتفق مع هذا المنطق، فالذي يهمنا هو أن يمتد عمر النفط ويبقى أطول فترة ممكنة بصرف النظر عن مقدار الطلب العالمي. و40 أو حتى 60 سنة عمر قصير بالنسبة لثروتنا النفطية الكبيرة. ثم ألا يحق لنا أن نتساءل ونقول: هل هو" نفطنا أو نفطكم " حتى تطلبوا منا تلبية طلبكم مهما أضرَّ ذلك بمصير ثروتنا؟
ولكن الوكالة استدركت في نهاية تقريرها ونوهت إلى أن مصالح بعض الدول المنتجة قد لا تسمح لها برفع كمية الإنتاج إلى المستوى المطلوب، وهو ما نتمنى نحن المنتجين الرئيسيين أن يتفهمه الآخرون، فاتجه التقرير إلى حث الدول المعنية التي تمثلها الوكالة، وهو مجرد توصية، أن تعمل على تكثيف جهودها من أجل إيجاد وتطوير بدائل جديدة لمصادر الطاقة لتعويض النقص المتوقع من إنتاج النفط ، وهو ما يجب أن نتفق نحن مع مضمونه. ولكن احتمال استمرارية الضغط على المنتجين من ِقبلِ الدول المستهلكة الرئيسة لرفع الإنتاج أمر وارد، خصوصاً إذا لم ُيوفَّق المجتمع الدولي إلى إيجاد البديل المناسب في الوقت المناسب، وهو ما نخشى حدوثه. وفي هذه الحالة، علينا أن نكون على استعداد لئلا نسمح لطرف ما بأن يتدخل في شؤوننا ويجلب الضرر على مستقبل اقتصادنا ومصيرنا، فنحن أمة نامية ولا نملك شيئاً من المصادر الطبيعية الأخرى، مثل ما عندهم، لتوفر لنا ولو الحد الأدنى من وسائل المعيشة.
والسؤال الذي دائماً ما تبادر إلى الذهن، هل نتوقع من الطرف الآخر أن يتفهَّم وضعنا و يقدر ظروفنا الاجتماعية والاقتصادية تلقائياًّ من أنفسهم، وألا يسرفوا في التفاؤل في الحصول على كل ما يريدون من النفط ، ومحاولة استنزاف ثرواتنا وترك أجيالنا نهباً للفقر والجوع؟ نحن لا نظن ذلك، فهي مسؤوليتنا وحدنا أن نشرح ونبين لكلِّ منْ يتعامل معنا وضع مستقبل حياتنا على ظهر هذه الصحراء القاحلة، حتى يكونوا على بينة من الأمر ويقدِّروا مواقفنا عندما نقول لهم: نحن لا نريد أن نربط كمية إنتاجنا من النفط بما يحتاج إليه السوق مهما ارتفع مستوى الطلب، ففي ذلك إجحاف بحق مستقبل أجيالنا. وإن نحن جاملنا وقدَّمنا المصالح العامة على المصالح الخاصة بنا وبظروف بلادنا وفرطنا في حقوق أجيالنا فلن يغفر لنا التاريخ ذلك.
وفي الواقع أننا لا نختلف مع منْ يهمهم أمر مستقبل الطلب على الطاقة، أنَّ كمية الطلب ستفوق في يوم ما كمية المعروض، سواء ضخ المنتجون بكامل طاقتهم، وهو أمر غير مرغوب، أو تصرفوا بنفطهم حسبما تمليه عليهم مصالحهم القومية. والعالم اليوم بدأ يتوقع احتمال حدوث نقص خطير في الإمدادات، ولكن، كما ذكرنا، لا يجب أن ندفع نحن الثمن. فقد أشار تقرير وكالة الطاقة الدولية آنف الذكر إلى أن حقول النفط التي تنتج الآن، تفقد على وجه العموم ما بين 6 إلى 9 في المائة من إنتاجها في السنة، مع غياب فرص التعويض باكتشاف حقول جديدة. ولا أحد يستطيع اليوم أن يحدد زمن بدء حدوث النقص الفعلي المتوقع للإمدادات النفطية، ولكنه على الأبواب، ولن يؤخره إلا الأزمات الاقتصادية الكبيرة التي غالباً ما تخلق الركود والكساد الاقتصادي وتقضي على النمو وتشلُّ حركة المواصلات.
وقد ذكرنا أكثر من مرة أن الحل الوحيد والأمثل لتفادي حدوث أزمات خطيرة في مصادر الطاقة، هو الاستعداد والعمل على ولوج عالم المصادر البديلة المتجددة بأسرع ما يمكن. وليس هناك أي مانع من أن يستمر العالم في استخدام الطاقة النفطية جنباً إلى جنب مع مصادر الطاقة المتجددة إذا توافرت، فهناك مجال واسع لكل منهما عبر عشرات السنين المقبلة.