هل حان الوقت لفرض تأمين إجباري ضد مخاطر البناء؟
الحكاية التي سأرويها لكم لم يحدثني بها أحد أو أنني قرأتها في كتاب أو جريدة وإنما وقفت عليها شخصياً وعشت معظم تفاصيلها بحكم علاقتي مع أشخاصها. هذه القصة تتعلق بأحد عمال البناء من جنسية عربية عمل عندي في بناء سكن لي وكان مختصاً ببناء خزانات المياه الأرضية هو وأخ له وقريب له أيضاً. بعد نحو الشهر فوجئت بهذا العامل متصلاً بي وكانت كلماته من خلال الهاتف يخالطها البكاء، فقال: (إنه كان يقوم ببناء خزان أرضي في حي مجاور وفجأة انهار البناء ودُفن أخوه وقريبه تحت الركام). حاولت تهدئته وذهبت إلى المستشفى لأجد قريبه قد فارق الحياة وقد حصلت لأخيه كسور مضاعفة ولكنه نجا من الموت بقدرة الله تعالى. المهم حصلت بعد ذلك تطورات ولكن لا علاقة لها بشكل مباشر بموضوع هذه المقالة والذي سأحصره في الحديث عن أهمية التأمين المرتبط بمخاطر البناء.
الإشكالية التي حصلت هو أنني حاولت أن أجمع الأطراف لنحدد ودياً المسؤول عن دية المتوفى وكذلك العامل المصاب الذي يرقد في المستشفى. بالنسبة للمقاول فقد تهرب من المسؤولية وكذلك صاحب البناء وكانت حجة المقاول أن الانهيار حصل بسبب وجود كومة رمل وضعها المتعهد بالقرب من حفرة الخزان وهي التي قامت بعمل ضغط على البناء فسبب انهياره، بينما كانت حجة المتعهد أن الانهيار لم يحصل عند عملية التفريغ بل بعد ذلك بوقت وأن تحريك كومة الرمل حصل أثناء مرور أحد العمال فوقها.
عندها عرفت أن المسالة ستطول وستدخل أروقة القضاء وستمكث بين أخذ ورد ردحا من الزمن، ولكني لم أجد بداً من نصح صاحب الأمر برفع دعوى أمام القضاء الشرعي، إلا أنني علمت بعدها أن ذوي المتوفى تنازلوا عن الدعوى وذلك كي يتم الإسراع بدفنه في بلده.
المحزن في الأمر أنني علمت بعدها أن المتوفى هو شاب قدم للعمل في المملكة قبل شهرين وأنه وحيد والديه المسنين، كما أنه تحمل ديوناً كي يستطيع القدوم للعمل في السعودية.
هذه القصة دفعتني للتفكير ملياً عن ماهية الأسباب التي تمنعنا من إقرار تأمين إجباري على هؤلاء العمال وغيرهم ضد مخاطر البناء، بما فيها التزام شركات التأمين بدفع ديات العمال وكل من يقع ضحية لانهيار بناء أو سقوط أشياء من المباني تحت الإنشاء.
وتساءلت كذلك ما الذي يمنع المنظم لدينا من فرض تأمين إجباري على مؤسسات وشركات المقاولة ونلزمها بأن تبرم وثيقة تأمين تغطي مخاطر أعمال البناء سواء تلك التي تصيب العمال أو الغير بما فيهم صاحب البناء نفسه؟.
إن التأمين الهندسي بجميع أشكاله وأنواعه أضحى اليوم من الأساسيات بالنظر إلى حركة البناء التي تشهدها المملكة وإهمال كثير من جوانب السلامة أثناء تنفيذ البناء، بل ما الذي يمنعنا من توسيع نطاق هذا التأمين ليشمل ليس فقط الأضرار التي تصيب العمال والغير بل كل الأضرار المادية التي يتعرض لها البناء بما فيها كذلك الآلات والمعدات والأجهزة الإلكترونية.
بل لماذا أيضاً لا يكون التأمين إجباريا حتى قبل مرحلة تنفيذ البناء وأقصد بذلك فرض تأمين إجباري على الأعمال التي يقوم بها المهندسون والمصممون أصحاب المكاتب الهندسية وذلك ضد الأخطاء التي تحصل في التصميم والتفكير كذلك في وثيقة التأمين العشري والتي تضمن فيها شركة التأمين تعويض الملاك ضد عيوب البناء ولمدة عشر سنوات خصوصا وأننا نعاني حالات غش في البناء ونقص خبرة كذلك.