بعد تقارب واشنطن وبكين في المفاوضات التجارية .. النفط لأعلى مستوى في 3 أشهر

بعد تقارب واشنطن وبكين في المفاوضات التجارية .. النفط لأعلى مستوى في 3 أشهر

ارتفعت أسعار النفط أمس فوق أعلى مستوياتها في ثلاثة أشهر، لتواصل سلسلة من الصعود القوي الذي بدأ قبل أسبوع، في الوقت الذي تلقت فيه الأسواق العالمية الدعم من انفراجة في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
بحسب "رويترز"، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت ثمانية سنتات إلى 66.25 دولار للبرميل، بينما زاد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي أربعة سنتات إلى 60.97 دولار للبرميل. وكانت أحجام التداول هزيلة أمس، إذ عجز حتى نبأ مساءلة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن تحريك سوق النفط.
يدفع هذا الاتجاه أسعار النفط صوب الارتفاع للأسبوع الثالث على التوالي، لتتحرك بفضل قوة الدفع الناجمة عن إعلانات هذا الشهر بشأن زيادة تخفيضات إنتاج النفط من جانب منتجين كبار، وكذلك اتفاق ‭‭"‬‬المرحلة واحد" بين الولايات المتحدة والصين لإنهاء الحرب التجارية المستمرة بينهما منذ فترة طويلة.
ودفع الاتفاق بين أكبر اقتصادين في العالم آفاق الاقتصاد العالمي إلى التحسن، ما يرفع احتمالات زيادة الطلب على الطاقة في العام المقبل ويدعم أسعار النفط.
وفي مؤشر آخر على انفراجة في العلاقات، نشرت وزارة المالية الصينية أمس قائمة جديدة لستة منتجات أمريكية ستعفى من رسوم جمركية اعتبارا من 26 كانون الأول (ديسمبر).
ووافقت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" ومنتجون من خارج المنظمة مثل روسيا على زيادة تخفيضات إنتاج النفط بواقع 500 ألف برميل يوميا اعتبارا من أول كانون الثاني (يناير) علاوة على تخفيضات سابقة قدرها 1.2 مليون برميل يوميا.
وأفادت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن مخزون النفط في الولايات المتحدة تراجع في حين زادت مخزونات البنزين ونواتج التقطير.
وانخفضت مخزونات الخام 1.1 مليون برميل على مدار الأسبوع المنتهي في 13 كانون الأول (ديسمبر) إلى 446.8 مليون برميل، بينما توقع المحللون انخفاضها 1.3 مليون برميل.
وهبطت المخزونات في نقطة التسليم في كاشينج في ولاية أوكلاهوما 265 ألف برميل الأسبوع الماضي، حسبما ذكرت إدارة المعلومات.
وأظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة تراجع استهلاك الخام في مصافي التكرير 35 ألف برميل يوميا، بعدما استمر معدل تشغيل المصافي دون تغيير.
وتابعت الإدارة أن "مخزونات البنزين صعدت 2.5 مليون برميل إلى 237.3 مليون برميل"، في حين توقع المحللون في استطلاع أن ترتفع 2.2 مليون برميل.
ونمت مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة 1.5 مليون برميل إلى 125.1 مليون برميل، مقابل توقعات بزيادة قدرها 312 ألف برميل.
وتراجع صافي واردات الولايات المتحدة من النفط الخام 541 ألف برميل يوميا الأسبوع الماضي.
في هذا الإطار، أكد محللون نفطيون أن حالة من التفاؤل تهيمن على السوق النفطية، الأمر الذي انعكس على الأسعار التي حققت ارتفاعات قياسية، بفعل انخفاض التوترات وتراجع وتيرة النزاعات التجارية والهدوء النسبي والتطورات الإيجابية بشأن العلاقات التجارية الأمريكية-الصينية، ما عزز توقعات النمو، وزاد الثقة بمسار الاقتصاد العالمي، ورفع الآمال بازدهار تجارة النفط الدولية.
وأوضح لـ"الاقتصادية"، مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، أن المكاسب السعرية للنفط مرشحة لمزيد من الاتساع في ضوء التخفيضات الإضافية التي سيقوم بها تحالف المنتجين في "أوبك+" مطلع العام المقبل إضافة إلى التحسن المستمر في مستويات الطلب العالمي خاصة فى الصين التي تواصل استيراد الخام بمعدلات قياسية، بينما نجد في المقابل انحسارا تدريجيا لتداعيات الحرب التجارية، وتمثل ذلك في مؤشرات عدة منها انتعاش الإنتاج الصناعي الأمريكي.
وأضاف ماندرا، أن "تشديد المعروض النفطي خطوة مهمة وداعمة لاستعادة التوازن وتعزيز العلاقة الصحية المستدامة بين العرض والطلب"، متوقعا أن تحقق خطة منتجي "أوبك+" نجاحا ملموسا خلال الربع الأول بشرط الالتزام الصارم بالحصص الإنتاجية المتفق عليها بدقة، خاصة في ضوء تحذير وكالة الطاقة الدولية من أن أسعار النفط ستتأرجح العام المقبل بسبب زيادة وفيرة في المعروض.
من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، دان بوسكا كبير محللي بنك "يوني كريديت" الدولي، أن حالة ذوبان الجليد بين الولايات المتحدة والصين لها تأثيرات إيجابية واسعة في استقرار سوق النفط في ضوء انتعاش مستويات الطلب العالمي، خاصة أن البيانات الحديثة للصين تكشف عن ارتفاع قياسي جديد لوارداتها بأكثر من 11 مليون برميل يوميا، إضافة إلى بيانات إيجابية للغاية للنشاط الصناعي الصيني.
وأضاف بوسكا أن "الاقتصاد العالمي ربما يكون على مقربة من تجاوز حالة مخاوف الركود السابقة، التي أدت إلى ضعف الطلب وتراجع الأسعار خلال الشهور الماضية"، عادّا آفاق الاقتصاد أفضل حاليا خاصة مع صدور بيانات داعمة وقوية في أكبر اقتصادين عالميين، وهو ما عوض بعض الشيء البيانات الضعيفة الصادرة عن الهند التي هي أسرع اقتصادات العالم نموا، التي تقلص نشاطها الصناعي 3.8 في المائة الشهر الماضي، إضافة إلى البيانات الضعيفة الأخرى في منطقة اليورو.
من ناحيته، قال لـ"الاقتصادية"، رينهولد جوتير مدير النفط والغاز في شركة "سيمنس" العالمية، "إن آفاق النمو الاقتصادي مشجعة، خاصة في ظل وجود استعدادات أكبر من جانب الاقتصادات الكبرى لتفادي حالة الركود وتحقيق الانتعاش المستهدف"، لافتا إلى أن توقعات نمو الأسعار أصبحت السمة الغالبة على تقييم الدوائر الاقتصادية والمالية لمستقبل أسواق النفط.
ونوه جوتير بأن مسار انتعاش الأسعار صار متوقعا في بداية العام الجديد، مع توقع نجاح جهود السيطرة على وفرة المعروض عبر تطبيق ناجح لتقليص الإمدادات بشكل أعمق في "أوبك" وخارجها، مشيرا إلى أن مديري صناديق التحوط يزيدون حاليا من رهاناتهم الصعودية على أسعار الخام، كما أن بنوكا استثمارية كبرى أبرزها جولدمان ساكس عدلت توقعاتها للأسعار، نحو مزيد من الارتفاع.
بدورها، ذكرت لـ"الاقتصادية"، موهاي كواسي مدير شركة "أجركرافت" الدولية، أن السوق لم تهتم كثيرا بإجراءات محاسبة الرئيس الأمريكي، وربما يعود ذلك إلى الثقة بعدم اكتمال هذه الخطة أو الانصراف أكثر إلى البيانات الاقتصادية الأمريكية، التي جاءت إيجابية على نحو كبير.
وأشارت لـ"الاقتصادية"، إلى أن المتداولين يركزون على استدامة الحالة الإيجابية في السوق واستقرارها، وألا تكون حالة التفاؤل هشة أو مؤقتة، لافتة إلى أن تراجع المخاطر الجيوسياسية سيكون له تأثير كبير وإيجابي في السوق، عادّة الانفراجة في النزاعات التجارية كفيلة بتحسين بيانات العرض والطلب والمخزونات تدريجيا وعودتها إلى المستويات الإيجابية والملائمة لاستقرار الاقتصاد العالمي، ودفع اقتصادات المنتجين والمستهلكين إلى الأمام.

سمات

الأكثر قراءة