رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


وكلاء السيارات .. وانخفاض الأسعار

لم تعد الأزمة المالية العالمية محصورة في القطاع المالي والمصرفي بل انتقلت تداعياتها وتأثيراتها إلى قطاعات الاقتصاد الحقيقي المختلفة مؤثرة بشكل سلبي على مستويات نمو الناتج الصناعي ومنذرة باستمرار الأزمة وتعميق الركود الاقتصادي في مختلف دول العالم. ففي الأسابيع القليلة الماضية تزايد الاهتمام بأداء قطاع صناعة السيارات العملاقة في مختلف دول العالم ومدى قدرتها على تجاوز الأزمة المالية بجانب حجم المعونات التي قد يتم تخصيصها لإنقاذ هذا القطاع ذي القيمة الاستراتيجية والمعنوية للدول المصنعة للسيارات لارتفاع حجم مساهمته الاقتصادية وحجم التوظيف. ففي الولايات المتحدة، قام الكونجرس يوم الأربعاء الماضي 12 كانون الأول (ديسمبر) بالموافقة على خطة طوارئ لتفادي إفلاس شركات تصنيع السيارات الأمريكية: جنرال موتورز، كرايزلر، وفورد من خلال توفير قروض تبلغ نحو 14 مليار دولار. وفي أوروبا، أوضحت شركة فيات الإيطالية لصناعة السيارات حاجتها إلى الاندماج لتجاوز الأزمة المالية العالمية، بينما أقرت السويد خطة إنقاذ حكومية تتكون من قروض وضمانات لشركتي فولفو وساب المتوقع بيعهما من قبل مصنعي السيارات الأمريكيين فورد وجنرال موتورز. هذه الأزمة التي تعصف بشركات صناعة السيارات العالمية تعود إلى تأثر أقسام الاستثمار في هذه الشركات بتراجع قيم أصولها المالية، زيادة صعوبة الحصول على القروض والتمويل اللازم لإدارة وتشغيل العمليات مع الانقباض الائتماني، وتراجع الطلب الحقيقي على السيارات عالمياً وفي السوق الأمريكية خصوصاً. ومن الطبيعي والمتوقع تراجع الطلب الحقيقي على السيارات عموماً لكون الإنفاق على السيارات يعد من المصروفات الممكن توفيرها للشركات ومن جهات الإنفاق الرأسمالي المرتفع والممكن تأجيله بالنسبة للأفراد خصوصاً حين تشير التوقعات إلى احتمال تراجع الأسعار في المستقبل المنظور. ولتراجع مستويات الطلب الكلي العالمي على السيارات بجانب انخفاض تكاليف مدخلات الإنتاج وخصوصاً المواد الخام كالحديد، بدأت شركات تصنيع السيارات محاولات لتحفيز الطلب من خلال تقديم عروض تتضمن توفير التمويل والتسهيلات بشروط ميسرة، توفير ميزات إضافية كالضمان المطول، وتخفيض الأسعار نتيجة لتنافس مصنعي ووكلاء السيارات على حجم طلب أقل. بمعنى آخر، يعد انخفاض الطلب الكلي السريع على السيارات مفاجئاً لشركات تصنيع السيارات التي عادة ما توفر مستويات عرض من السيارات تتناسب مع توقعات مستوى الطلب في الظروف العادية وتملك مخزونات تحتاج إلى تقليلها لتخفيض تكاليف التخزين. وكمؤشر على توقع شركات تصنيع السيارات استمرار تراجع الطلب، بدأت الشركات الأمريكية والأوروبية وبعض الآسيوية بالإعلان عن إيقاف عمليات التصنيع خلال عطلة أعياد الميلاد، بينما قامت بعض الشركات بإغلاق خطوط إنتاج بالكامل في مناطق أخرى. كما أن تخفيض أسعار السيارات وتحسين شروط الضمان والصيانة يعد أمراً متوقعاً ولا مناص منه في الأسواق الحرة وحين يكون مستوى التنافسية مرتفعاً بين شركات تصنيع السيارات أو وكلائها لكون السعر التوازني في السوق مرآة لمستويات العرض والطلب الحقيقيين. هذا السعر التوازني الأقل في هذه الفترة يلاحظ في أسواق السيارات في معظم دول العالم باستثناء تلك الاقتصادات المغلقة التي يسيطر عليها سوقياً محتكر واحد أو قلة محتكرة مع قوانين تجارية تعزل السوق المحلية عن السوق الدولية لاستدامة ارتفاع الأسعار.
ومحلياً، يجب أن تنخفض أسعار السيارات الجديدة في السوق السعودية نظراً لتراجع الطلب الكلي أمام العرض الكلي محلياً أو لفائض العرض الكلي العالمي من السيارات على الطلب العالمي، حيث إن من المفترض انتقال الأسعار محلياً إلى المستوى التوازني الأقل للأسعار العالمية. وبعكس التيار، وعلى الرغم من الوضع الصعب لسوق السيارات في العالم والانخفاض الحتمي لأسعار السيارات، أكدت لجنة وكلاء السيارات في الغرفة التجارية في مدينة جدة في مؤتمر صحافي - تبعاً لخبر أورده موقع أرقام مطلع كانون الأول (ديسمبر) الحالي - بحضور ثمانية وكلاء سيارات من أصل 18 أن الأسعار باقية على حالها في الفترة الحالية ومن المرجح لها أن ترتفع في الفترة المقبلة في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار السيارات الأمريكية الجديدة محلياً بنحو 10 في المائة!! هذا التأكيد من الوكلاء على ثبات أو ارتفاع الأسعار يثير العجب ويدل على استغفال المستهلك وكأن المستهلك المحلي يعيش في كوكب آخر لا يؤثر ولا يتأثر بالاقتصاد العالمي. كما يشير تثبيت أو رفع الأسعار إلى أن وكلاء السيارات ممن حضروا المؤتمر يسعون إلى استغلال هيكل السوق واحتكار القلة للتأثير المنسق على الأسعار وتجفيف ما تبقى من نقد في جيوب المستهلكين لحين الاضطرار إلى تخفيض الأسعار تماشياً مع الأسعار العالمية والإقليمية.
هذا التوجه من قبل وكلاء السيارات لتثبيت الأسعار أو رفعها مهما كانت تبريراتهم لن يجدي نفعاً على المدى المتوسط وسيضطر الوكلاء مجبرين ورغماً عنهم بضغط من قوى السوق إلى تخفيض الأسعار لاحقاً مما يجعل تأكيداتهم في المؤتمر الصحافي مجرد محاولات لمقاومة هبوط الأسعار وبيع أكبر عدد ممكن بأسعار مرتفعة في المدى القصير. ففي حالة تثبيت أو رفع الأسعار محلياً مع انخفاض الأسعار لدى وكلاء السيارات في دول الخليج المجاورة، سيكون من الأجدى للمستهلك المحلي شراء السيارة من الدول المجاورة التي حتى لو اتفق وكلاؤها مع الوكيل في المملكة فإن من يكسر الاتفاق أولاً بتخفيض الأسعار سيحصل على عائد أعلى، ما يضمن عدم استدامة التكتل الاحتكاري لتثبيت الأسعار. والآلية نفسها تنطبق على أي وكيل سيارات محلي يبدأ بتخفيض الأسعار لتتناسب مع تراجعها عالمياً بعيداً عن الاتفاق الاحتكاري.
أخيراً، من شبه المؤكد انخفاض أسعار السيارات في السوق المحلية لاحقاً في عام 2009 على الرغم من سلوك احتكار القلة الذي يمارسه الوكلاء الذي لن يؤدي إلا إلى تأجيل تراجع الأسعار نظراً لتفاعل قوى السوق إقليمياً وعالمياً. وقد يكون سلوك احتكار القلة دافعاً لإعادة النظر في مسألة الوكالة الحصرية للسيارات عن طريق السماح لوكلاء السيارات في الدول الخليجية بفتح فروع تنافس الوكالات المحلية كخطوة أولى لتحرير القطاع بالكامل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي