رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لعلها كانت زلة لسان من أوباما

تحدث الرئيس المنتخب للولايات المتحدة باراك أوباما خلال المراحل الأخيرة من الانتخابات، وهو لم يكن تحت ضغط من أحد، عن عزمه سحب قوات بلاده من العراق بمجرد أن يتولى الرئاسة، ليس من أجل إعادتها إلى ثكناتها، بل ليعزز بها القوات الأمريكية في أفغانستان! أي أنه ينوي تحريكها من مستنقع العراق إلى مستنقع أفغانستان، مما يدل على أنه لم يستوعب بعد الدروس التي تعلمتها أمريكا من تاريخ حروبها المجنونة. وكان الأولى أن يقول إنه سيغلق باب حرب العراق ويتبعها بأفغانستان، إلا إذا فرضنا أن تصريحه عن وضع أفغانستان كان زلة لسان، وهو أمر قابل للاحتمال. وإلا فهي بالطبع ِقلَّة الخبرة عند الرئيس أوباما التي جعلته يتعجل ويتخذ قراراً يصعب عليه نقضه. وكان على منْ هو في موقفه أن يتعلم من الموقف الحرج الذي وصلت إليه إدارة الرئيس بوش في أفغانستان، وهزيمة جيش الاتحاد السوفياتي من قبل. فالكل يعرف صعوبة محاربة الأفغان في بلادهم وصلابة رجالهم. وحتى لو حاول الرئيس أوباما مضاعفة القوات الأمريكية عدة مرات فلن يستطيع إنهاء الحرب خلال فترة قصيرة كما يظن، بل ستكون النتيجة إبادة بشرية لشعب شبه أعزل وقتل كثير من النساء والأطفال الأبرياء بحجة ملاحقة الإرهابيين. والإرهابيون موجودون في كل مكان من العالم، وتحت أسماء كثيرة، ويتألفون من عصابات وأفراد، وحتى تحت ظل حكومات قائمة، فلماذا التركيز على بلد فقير ومنعزل عن العالم نسبياًّ ودك شعبه بأشنع وأبشع سلاح عرفه التاريخ؟ دعوا شعوب أفغانستان تحل مشكلاتها بنفسها.
نحن نعلم أن أمريكا لا يهنأ لها عيش دون حروب، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي منذ إنشائها وهي تنتقل من حرب إلى أخرى، وفي الغالب تكون هي المعتدية. فعند ما استقر المهاجرون الأوائل القادمون من بلدان أوروبا في أراضي أمريكا الشمالية منذ ما يقرب من أربعمائة عام، شنوا حرب إبادة لا هوادة فيها ضد سكان البلاد الأصليين العُزَّلْ، دونما حاجة اقتصادية أو تهديد تعرضوا له. وربما أن أسباب شنَّ تلك الحرب تعود إلى كون السكان الأصليين يختلفون عنهم في اللون والتقاليد، وهو أمر كان من الممكن التعايش معه.
ومنذ ذلك الوقت والأمريكان يتنقلون من حرب إلى أخرى. فقد حاربوا الإنجليز والفرنسيين والإسبان، ولكن على أرض أمريكا نفسها كجزء مما يسمونه حرب الاستقلال. ثم اشتركوا في الحرب العالمية الأولى على الأراضي الأوروبية على مسافة آلاف الأميال من أمريكا. ثم تلتها الحرب العالمية الثانية التي قتل فيها الأمريكان الملايين من البشر، كما أنهم فقدوا أيضا كثيرا من رجالهم. وتدخلوا في الحرب الكورية بحجة صد المد الشيوعي، ولكنهم كذلك أبادوا الملايين من البشر هناك وخسروا مئات الألوف من شبابهم. وكلها حروب غالباً ما تنتهي بالصلح على حساب القتلى من الطرفين. وبعد أن ارتاحت أمريكا لفترة قصيرة، دفعت بجيوشها إلى فيتنام في حرب مجنونة أتت على الأخضر واليابس في ذلك البلد الفقير. ولم تسلم أمريكا من الخسائر البشرية الكبيرة في تلك الحرب. ولعلها الحرب الوحيدة التي خرجت منها أمريكا مطأطئة الرأس وبما يشبه الهزيمة، عند ما وجدت نفسها في مأزق حرج، كان الخروج منه أفضل لها، على الرغم من تأثيره السلبي في سمعتها وكبريائها.
وأخيراً وليس آخراً ودون أسباب منطقية هاجمت أمريكا بلاد الأفغان بطريقة وحشية تحت وضح النهار وعلى مرأى من القاصي والداني، فدمرت بنيتها التحتية البسيطة بالكامل وشتتت سكانها وأوجدت الفرقة بينهم، ومن ثم ثنت بالعراق وفعلت به ما لم تفعله في أي بلد آخر، فألغت مؤسساته المدنية والعسكرية والثقافية، وقضت على منشآته الاقتصادية، كل ذلك دون أي مبرر على الإطلاق. واستطاعت أن تقنع بعضاً من حلفائها عن طريق الكذب والخداع، الذي اعترف به أخيرا بعض منْ شاركوا في حبكه من المسؤولين مثل وزير الخارجية السابق كولن باول وآخرون.
 إنه حب الحروب والقتل والدمار المتأصل في قلوب الذين يصلون منهم إلى السلطة. وهل كان كل ما فعلته أمريكا في حروبها التي لم تتوقف لتأمين اقتصادها أو لجلب الرفاهية لشعبها أو لحماية أمنها من الطامعين؟ كلا، بل هي العدوانية المتأصلة في نفوسهم، والتي ربما أنهم ورثوها من أجدادهم الأوروبيين.
أمريكا في حاجة اليوم إلى جيل جديد يتعايش مع الآخرين، بعيدا عن الحروب وخلق العداوات والإحساس بالكبر والفوقية، وأخذ العبر من تاريخ الأمم المعاصرة التي كانت إلى عهد قريب منشغلة بالحروب. فلما تركت ممارسة العداوات، أو أجْبِرت على تركها، واختارت العيش بسلام نما اقتصادها وترفه شعبها وصارت صديقة لجميع الأمم. ولنأخذ ـ على سبيل المثال ـ اليابان وألمانيا، تلك ما الدولتين اللتين حققتا من التقدم العلمي والاقتصادي والاستقرار السياسي ما تتمناه كل دولة، بعد أن نبذتا فكرة الحروب والنزاعات المسلحة، حتى وإن كان ذلك مبدئياً مفروضاً على الدولتين.
ولنعد إلى السياسة المستقبلية لأوباما، فلديه الآن جميع الفرص متاحة له، إما أن يختار طريق أسلافه من الرؤساء فيواصل حروب الرئيس بوش المشئومة، ثم ينتقل بعدها إلى أهداف أخرى لا تقل دماراً، وإما أن يعود إلى رشده ويسن  لأمريكا سياسة جديدة بعيدة عن الحروب والتطاول على الآخرين، بحق ودون حق، من أجل مستقبل شعبه ورفاهيته. هذا إذا استطاع الإفلات من قبضة الصهيونية العالمية ومصالح صُنَّاع السلاح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي